08 - 05 - 2025

دموع محمد صلاح!

دموع محمد صلاح!

منذ امتلكت وعييّ لم أنشغل بالكرة أبداً.. ولم أشاهد مباراة واحدة.. ولم أفرح لأي فوز ولم أحزن لأية هزيمة.. وعزلت حياتي تماما عن هذا السياق.. وعندي قناعة ــ ربما يرفضها أغلب المشجعين ــ أن أي شعب لا ينتج طعامه لا يحق له اللعب.. وحُجّة أنها مُتعة الفقراء وتروّح عنهم تزيد طين الفقراء بلَّة بتقديري.. وتبعدهم كثيرا عن فكرة إنقاذ أنفسهم.. وأعجب كلما رأيت أصدقاء عقلاء.. وبعض المثقفين الكبار ينفعلون لحد الشتم والخبط والرزع.. وأضحك لهوان وعيهم أمام تلك اللُعبة التي تؤجج العصبية والتنابز والخصام والعداء لدى البعض ربما!!

وطوال عمري كنت أرى الخطيب نموذجا للتهذيب المزيف، وصنيعة آلة الإعلام الرسمية الضخمة التي تغرق جموع الفقراء في غيبوبة الضياع ونهب حقوقهم والفساد السياسي الناقع في كل حياتنا.. وحين ظهر اسم الخطيب في كشوف توظيف الأموال بملايين الدولارات لم أستغرب.. فهو مثل غيره يحوز المجد بحب ملايين الغلابة.. ويراكم الملايين دون أن تعنيه أبدا بلاويهم.. وما تكشَّف مؤخرا عن صفقة آل الشيخ الوهابيّ من فساد ضخم بمئات الملايين أيضا.. ليس بمستغرب أبدا على نجم اعتاد سرقة المجد والملايين من دون أن يحاسبه أحد.. بل ربما يسانده من تجب عليهم مساءلته.. وسكة الفساد ممدودة إلى أفق وحشي غير مرئي.. إلى حين!!

وهذا الفساد في أكبر أندية مصر جعلني أشفق بكل مشاعري على من تعلقوا بهذه الرياضة التي أصبحت مرتعا للفساد السياسي في اعتداءات غشيمة وغاشمة لا تخشى رقيبا ولا حسيبا.. شأن كافة السياقات التي تجاوزت كل ما عرفناه من حدود العبث والفوضى والانحطاط..

وجعلني أهتم بكل انتباهي إلى حالة «محمد صلاح» الذي بات رمزا نظيفا تعلقت به قلوب عشرات الملايين من البسطاء والشرفاء، ممن أخالفهم الهواية والرأي، ولفتني أنه نموذج باهر للنظافة والطيبة في زمن اكتساح الجشع والفساد لكل القيم..

شاب طيب.. من قرية لا يعرفها إلا أهلها تقريبا، شأن آلاف القرى المصرية، وهبه الله موهبة رائعة حسب كلام إبني الأوسط «حُبّ الله» (ثانية إعدادي)، وأصبح بتعبيره: «أهم وأغلى لاعب في الدنيا»، ووضع صورته على صفحته في فيسبوك.. وشغلني أنه وشقيقه «وطن» يشجعان الأهلى والزمالك ويتناحران شأن كل أبناء البيوت المصرية.. ولإيماني بحريتهما في اختياراتهما في الحياة مثل أي أب عادي.. لم أستنكر هوايتهما هذه.. وتمنيت غير مرة لو أن كراهية الكرة كانت جينات توّرث..

المهم.. أن «حب الله» لفت نظري بقوة إلى «محمد صلاح» ابن البسطاء الذي أصبح مليارديرا طيبا.. ونجما لا مثيل له في تاريخ الكرة المصرية.. وربما العالمية.. وطيب القلب.. ويتبرع لوطنه.. ويهتم بقريته.. ويحب زوجته وابنته. ويوقر أُمّه.. ويحنو على أهله.. فأحببت إنسانيته.. وثبات عقله أمام هذه النجومية الجنونية.. وتتبعت أخباره بحب بعيدا عن الكرة.. وأعجبني أنهم اختاروا له اسم تدليل.. «مو».. وبالأمس فقط أخبرني قريب لي أنهم في أوروبا ألّفُوا له أغنية ما معناها « احرز أهدافا أكثر.. وسأدخل الإسلام لأجلك.. واحرز اهدافا أكثر وسأصلي مثلك».. ووصل الأمر بالأطفال الذين يلعبون الكرة في فرق صغيرة أن يسجدوا بعد إحرازهم الأهداف تقليدا لـ «مو» دون أن يعرفوا أن هذا سجودا لله..

وللحقيقة هنا، لابد أن أذكر «محمد أبو تريكة» الطيب الذي يفخر بأنه ابن بسطاء أيضا، بعدما حاز مكانة رفيعة في قلوب الجماهير، ولم تهزه الشهرة، ولا عشرات الملايين، لكنهم لاحقوه بحجة أنه أخواني، دون مراعاة لكل النجاح الذي أحرزه في الكرة ولا ما قدمه لفريقه وملايين المشجعين.. أسرني كلامه مرة عن عمله كمساعد للبنائين بعمل المُونة!!..

وبالأمس أذهلني ما جرى لـ «محمد صلاح» في مباراة أعرف أنها مهمة جدا، لكني لم أهتم بتفاصيلها كعادتي.. وآلمني بشدة مشهد الاعتداء العمدي عليه، ورأيته بقصدية جنائية مباشرة، لاشبهة في هذا، ويجب على مسؤولي الفيفا الوقوف أمام هذه الجريمة إن كان هناك قانون لهذه الرياضة، وحرصا على الأخلاق حول العالم، إلا إذا كانوا يعرفون، و«يُغطرشون» عمدا، بدورهم، خاصة أن السفّاح قبض على ذراع صلاح بوعي كامل، وأسقطه على مفصل كتفه بقصد كسره تماما.. وانكسر قلبي حين رأيت دموع هذا النجم الطيب الذي لم يقدم لمئات الملايين غير الخير، يسمونها متعة أو أي شئ، المهم عندي أنه شاب رقيق، كان في حيرة حين أربكته جهات غامضة، وورطته في إعلان بالإكراه، ووضعته رغم أنفه في أزمة بعد تعاقده على إعلان مع إحدى شركات الاتصالات.. وفهمت أنه حاول بقلة خبرته أن يرضي كافة الأطراف، ويخرج من الأزمة بلا خسائر، وحماه الملايين من محبيه وهاجموا تلك الجهة التي حاولت توريطه.. وأفلتوه من أيديهم.. لكنهم هاجموا أصله الاجتماعي بقسوة وغباء، وهاجموا حجاب زوجته، ودافع هو عنها ببساطة وصدق، وعبر عن حبّه لها ضد حِشرِيَة الجهلاء..

إذن اصطفت كل قوى الشر في جانب، محاولة النيل من نجاحه ففشلوا، وخافوا من مئة مليون يحبونه، لكنهم ظلوا له بالمرصاد، وهنا لا أجد مبررا أبدا للفصل بين قوى الشر، ولا لفرز الضباع التي يطلقونها على الناجحين من البسطاء.. فلا أفصل بين من وضع صورة صلاح رغم أنفه كإعلان على طائرة المنتخب، ولا من هاجموا أصله الاجتماعي، وحجاب زوجته، ولا من هاجموا أبو تريكة، وقطعوا طريق نجاحه الباهر، وهم جميعا ليسوا بعيدين عن «ترامب» و«تريزا ماي» رموز اليمين الشعبوي الذي «يُمرمط» العالم مثل «خيشة مسح البلاط» (بتاعة زمان)«رايح جاي»، لصالح كل الشرور، من هيمنة عصابة الصهيونية على مقدرات العالم، وأذنابها من سدنة الرأسمالية المتوحشة الذين يَخطُون بجلافة واستهانة على جغرافيا العالم، وتاريخه، مثل ديناصورات متوحشة كسّرت كل الحواجز، وخرجت لتلتهم كل ما يطالونه!!

لكن هذا المشهد المفزع بأسره على جبروته، لا يساوي عندي، دموع «محمد صلاح»، التي سالت ألماً، وحسرة على وجنات مئات الملايين، وتوَجّعه المكتوم لانخلاع كتفه بيد «راموس نازيِّ الوجه».. الذي امتلأت عينه بكل كراهية الرأسمالية واليمين الشعبوي لتفوق ابن البسطاء الذي يتيه بابنته «مكة»، ويباهي بأهله، ويحب زوجته، ويحنو على قريته بصدق، ويعشق وطنه ببساطة.

................

فآهة واحدة لهذا النبيل، أو دمعة شاردة تحت جفنه، أثقل عندي من ملايين الوحوش من عيّنة «المجرم راموس» خسيس القلب هذا، وكل أشباهه!

مقالات اخرى للكاتب

كارثة علاء مبارك وصبيانه!!