1- الظـل
الملاعين. يقتلون القتيل ويمشون فى جنازته، طرقوا بابى وسلموا بالأحضان. قبلات باردة من شفاة جافة كاذبة. "كيف حالك؟، لعلك بخير، طمنا عنك"، لفظت شفاههم جثث الكلمات الباردة. تهرب عيونهم من عيونى، أو عيونى من عيونهم، وكأننا اتفقنا مُسبقاً ألا تلتقى عيوننا. تنزلق الكلمات مسلوبة الإحساس والمعنى، تتدحرج على سطح الحال المائل، يرن صداها فى الفراغ المخيف الخانق. زيف فى زيف. وضعت أمامهم أكواب الشاى وتركتهم يدلقون الوقت صمتاً على قارعة الملل. يتعثرون فى بدايات الحديث. اكتنف المكان صمت قبور مهيب يقطعه من حين لآخر صوت رشفة شاى، نحنحة، أو ملامسة الكوب سطح الطاولة الرخامى. زادت كثافة الصمت، استحال إلى شرنقة عظيمة تحجبنا عن بعضنا البعض. صار الجلوس لدقيقة أخرى ضغطاً عصبياً يصعب تحمله. وقف أحدهم وشق جدار الصمت ماداً يده بالمصافحة ومودعاً. تبعه الآخرون فانهار حائط الصمت وتداخلت الأصوات والكلمات. تلاقت خدود ثلجية وعيون زجاجية وأكف معدنية، ووحدى بقيت واقفاً فى مواجهة النافذة بينما يتمدد ظلى على الأرض صريعاً.
2- حيرة
مُعَلَق، لا تلمس قدماى قاع البحر ولا ترتفع رأسى عن سطحه المضطرب. يهدهدنى الموج يمنة ويسره. أكاد أختنق. كلما رفعت رأسى بحثا عن دفقة هواء لأتنفس، باغتنى فضاء ملبد بالدخان والسخام. لا أعرف، أأظل تحت الماء فأموت غرقاً، أم أرفع رأسى لأُقضى مختنقاً. حيرة. حتى عند الموت.
3- هواية واحدة
ما زلت تمارس هوايتك القديمة أيها الموت، لم تعرف غيرها. تتصيد ضحاياك من على المقاهى، والنواصى، ومن قلب البيوت، ومن خلف مكاتب العمل، والطرقات، ومن على أسرة المستشفيات. تمتد يدك الأسطورية فلا يعوقها شئ. رجالاً ونساءً. شيوخاً وشبابا وأطفالاً، دونما تمييز. تخطف الأرواح لتزين بها شجرة الصبار القائمة عند القبر الأعظم. تتباهى بها فى وقفة التحدى، شاهراً سيف الفراق بينما ترفرف فوق رأسك راية نُقش عليها عظمتان وجمجمة. سؤال، أليس مملاً ألا تكون لك سوى هواية واحدة؟.