لم نكن نملك جهاز تليفزيون فى منزلنا المتواضع فى عابدين عندما جاءت الأخبار تترى بعد ظهر يوم العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام 1973 عن اندلاع الحرب التى انتظرناها وتمكن أبطالنا وجنودنا من عبور قناة السويس واهالة الساتر الترابى وتحطيم خط بارليف... شعرت اننى ازداد طولا وان رقبتى تلامس عنان السماء وانا اتابع الأخبار السعيدة والمبهرة فى الراديو ثم وانا أشاهد بعض اللقطات التى بثها التليفزيون والتى حرصت على الانتقال لبيت عمى فى الحنفي لمتابعتها حيث كان من الأوائل الذين اقتنوا جهاز تليفزيون .....تمنيت من كل قلبى أن أكون مع من عبروا وقاتلوا على أرض سيناء وتطوعت مع كثر من أبناء عابدين لتلقى التدريب العسكرى فى مركز شباب الجزيرة ودعوت الله أن أكون ممن يقع عليهم الاختيار لالحاقهم بالمقاومة الشعبية فى السويس والاسماعيلية إلا اننى لم انل هذا الشرف نظرا لصغر سنى وبنيتى الضعيفة ....غير اننى بعدها بـ 5 سنوات نلت شرف الخدمة العسكرية واقتربت من ضباط وصف ضباط نالوا شرف العبور والمشاركة فى معركة استرداد الأرض والكرامة وشرفت بأن يكون القائد العام للقوات المسلحة وقت خدمتى أحد رموز العسكرية المصرية العظام إلا وهو المشير محمد عبدالغنى الجمسى....وبعد ذلك بسنوات وسنوات شرفت بأن أكون من منظمى الاحتفال بانتصارات السادس من أكتوبر فى السفارة المصرية بالجزائر ثم فى السفارة المصرية فى الإمارات وشرفت بأن أكون أحد المتحدثين لوسائل الإعلام فى البلدين عن إنجاز الجيش المصرى العظيم بحكم منصبى كمستشار إعلامي.
تذكرت كل ذلك وأنا أقف فى طابور طويل جدا من السيارات ينتظر عبور نفق الشهيد أحمد حمدي المنفذ البرى الوحيد لمدن جنوب سيناء رأس سدر، أبو رديس، الطور، شرم الشيخ، دهب، نوبيع، طابا ودير سانت كاترين...كنا فى يوم جمعة ومرت حوالى 3 ساعات قبل أن أتمكن من عبور النفق وبالطبع لم أتمكن من أداء صلاة الجمعة....وللامانة فقد وجدت كل الترحيب والمعاملة الطيبة المهذبة والمحترمة جدا من كل رجال الجيش والشرطة فى النفق....
وأنا أنطلق فى النفق تساءلت هل كان الشهيد البطل اللواء مهندس أحمد حمدي يعلم أن اسمه سيوضع على واحد من أهم الانفاق التى تربط بين أفريقيا وآسيا....أجبت بأن الرجل أدى واجبه وانصرف دون أن ينتظر كلمة شكر أو تقدير ودون أن ينتظر منحه أوسمة أو ميداليات ودون أن يتطلع لمنصب ....الرجل كان متفوقاً منذ التحاقه بالجيش المصري كضابط مهندس فهو من نفذ نسف كوبرى الفردان خلال العدوان الثلاثى 1956 حتى لا تستخدمه قوات العدو وهو من أطلق عليه صاحب الأيدي النقية لمهارته الفائقة فى ابطال مفعول الألغام والعبوات الناسفةآآ وهو من صمم وأشرف على ابراج المراقبة الحديدية فى الجبهة خلال حرب الاستنزاف وهو من أشرف على إقامة الكبارى التى عبرت عليها قوات الجيش الثالث خلال حرب أكتوبر وهو من استشهد فوق أحد هذه الكبارى يوم 14 أكتوبر 1973.
تساءلت هل كان أحمد حمدي يعلم أن البعض سيستخدم النفق الذى يحمل اسمه لتهريب المخدرات التى تسمم شباب مصر....وهل كان يعلم أن بعض الجهلاء من أصحاب القلوب والعقول الغلف سيستخدمون النفق لتهريب المتفجرات والعبوات الناسفة التى تستخدم لقتل جنودنا وضباطنا...
افقت من تساؤلاتى وانا فى رأس سدر تلك المدينة الهادئة الساحرة بجوها وبحرها وأهلها الطيبين والتى أتمنى أن تأخذ المكانة اللائقة على خريطة السياحة المصرية وهو الأمر الذى سيتحقق مع اختصار زمن عبور نفق الشهيد أحمد حمدى حلقة الوصل البرية الوحيدة حتى الأن مع عوالم السحر والجمال فى جنوب سيناء أرض الفيروز. ...قضيت بضع ساعات بسدر وفى طريق العودة وجدت الحركة شديدة السهولة واليسر فى النفق ووجدت الأضواء المبهرة تستقبلنى في نهاية النفق.... وللعلم رسوم عبور النفق 2 جنيه أى أقل كثيرا من تذكرة المترو التى قفزت إلى7 جنيهات للرحلة الطويلة.