"سنتياجو" كان الاسم فى رائعتى إرنست هيمنجواى "العجوز والبحر"، وباولو كويلو "الخيميائى". للاسم، سنتياجو، وقعٌ غريب على أقلام الكتاب، الأول أمريكى والثانى برازيلى. يقول كويلو واصفاً لحظات ميلاد روايته (كان لدى فكرة، وكنت أملك قصة، لكننى لم أكن أعرف من أين أبدأ، لمحت فى الأفق البعيد سفينة تتهيأ للإبحار، ثمة رجل يجذب المرساة. كان عجوزاً، لكن عينيه الزرقاوين تشعان، استطعت التعرف عليه، إنه سنتياجو، العجوز والبحر لهيمنجواى .. كتبت (كان اسم الصبى سنتياجو)فى تلك اللحظة السحرية عرفت أن وراء هذه الكلمات رواية).
بحثت عن رواية هيمنجواى فوقعت على ترجمة تحت عنوان "الشيخ والبحر"، لم أكد أقرأ الورقة الأولى حتى عافت نفسى القصة، تحاملت وقرأت عدة صفحات أُخر، فكدت أعزف عنها. أعدت البحث، فوقعت على ترجمة للدكتور غبريال وهبه، صادرة عن مشروع القراءة للجميع، أحد أهم المشروعات الثقافية التى شهدتها مصر فى التسعينيات والتى جعلت فى يد كل مصرى كتاب، وفى كل بيت مكتبة صغيرة.
كتابات قليلة تلك التى تأسرك من كلماتها الأولى، من افتتاحياتها.تشعر أن الصياد هو الكاتب نفسه، يحكى عن انكساراته فى إطار من الشجن والعفاف والكبرياء، عن آلامه ومعاناته فىتشخيص ابطال رواياته، فى آماله وانكساراته.حصل هيمنجواى على نوبل فى الآداب وله عدة روايات عالمية منها لمن تقرع الأجراس، وثم تشرق الشمس، ومع هذا عاش حزيناً.
تبدأ الرواية بمشاعر متناقضة تخالج سنتياجو العجوز بشأن كفاءته فى الصيد. مضت أكثر من ثمانين يوماً وصنارته تخرج من البحر دون سمك. مع كل صباح، يغدو إلى عمله قبل الشروق، يراوده أمل يوم جديد، يردد بينه وبين نفسه (من الأفضل أن يكون الإنسان محظوظاً، ولكننى أوثر إذا عملت عملاً أن اتقنه، حينئذٍ، إذا جاء الحظ اكون متأهباً لاستقباله).
الحظ وحده لا يكفى ما لم يقترن بسعى دؤوب وإصرار على المواجهة حتى لو سخر الجميع من حلمك، يكفى أن تؤمن به وحدك.بعد أن علقت سمكة عملاقة بأحد خطاطيفه، قضى يومه يسايسها، تجذب الحبل فيرخيه، يلفه حول كتفيه ويدوس عليه بقدميه. نشر شرائح سمكة تونة مع قليل من مرشوش الملح على سطح المركب ليأكلها متى جاع. أقبل المساء والسمكة على حالها، بين شد وجذب، أخذ منه الإجهاد. استدعى كل خبرته فى الصيد، تناول شرائح التونة، امتص عصارتها حتى تعطيه القوة، لكن يده الجريحة من أثر مجاهدته السمكة تؤلمه. قضى ليلته ساهراً بعيون مفتوحة، وحيداً فى البحر. غابت عنه أنوار الشاطئ، فأيقن أن السمكة سحبته لمسافة بعيدة. ازداد إصراره على صيدها حتى بعد ان اكتشف ضخامتها وطولها الذى يفوق طول قاربه، وسرعتها التى تتخطى أى سمكة سمع عنها.
تذكر شبابه، يوم تحدى ذلك الرياضى فى لعبة اليد الحديدية بأحد محال الدار البيضاء بالمغرب، تذكر كيف بدأت المباراة فى صباح أحد أيام الآحاد، وكيف انتهت مع شروق اليوم التالى، عندما استطاع أن يجبر ساعد غريمه على الهبوط رويداً رويداً حتى استقر على خشب الطاولة، من وقتها وهم ينادونه "سنتياجو إل كامبيون"، وتعنى بالإسبانية سنتياجو البطل.أخيراً نال العجوز من السمكة العملاقة بعد يومين من التحدى.أذهلته ضخامتها. لم ير مثلها من قبل، ولم يصطد سمكة بهذا الحجم أيضاً.واجهته مشكلة، إنها أكبر من أن يتسع لها المركب. فماذا يفعل؟. هذا ما سنعرفه فى المقال القادم إن شاء الله.
------------