أقر وأعترف أنا محمود المرسي محمد الحضري أنني وفي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وفي مكتب المرحوم أبوالفضل الجيزاوي بالمنيل، وقعت على استمارة تأسيس الجمعية العربية لحقوق الإنسان، وبعدها الجمعية المصرية لحقوق الإنسان، لأكون من أول المؤسسين لهما، بهدف الدفاع عن حقوق المظلومين، كل المظلومين، وعن الحريات العامة، وحرية التعبير، وعن محاكمات عادلة، ومازلت مؤمناً بهذه الحقوق الشفافة.
والسؤال الآن - بعد 35 عاماً من توقيعي الأول -، والذي أطرحه على نفسي هل تغيرت مفاهيمي؟ الإجابة حتما لا فحقوق الإنسان الشفافة واحدة، ولكن هل حمل السلاح وترويع الناس، ومحاربة الدولة، وقتل الأبرياء، وغيرها من هذه الأمور هو حق انساني يستحق الدفاع عنه؟!. الإجابة أقولها فيما يلي:
فعلى مدى السنوات الأخيرة تحولت سيناء برعاية دول ومنظمات وأموال من كل مكان إلى مرتع لأعمال الإرهاب والدواعش في مسعى لتحقيق حلم دولة الخلافة التي فشلوا في إقامتها في سوريا والعراق، فرأت في سيناء المكان المناسب.
وطيلة تلك السنوات لم نسمع صوتا، على مدى السنوات الأربعة الماضية من أي منظمات تحمل لواء حقوق الإنسان، يتحدث ويحلل ويحذر من عبث وأفعال الدواعش ومن على شاكلتهم في سيناء، وقتلهم جنود مصر واستهداف المدنيين الأبرياء وترويع الأمنين في المدن والأحياء وفي المساجد والكنائس.
لم تتحرك شفاه وأقلام وأصوات هؤلاء، رافعي ما يسمونه براية حقوق الإنسان والحريات، عندما هاجم الدواعش المصلين في المساجد والكنائس، وهم ركعاً سجداً ومبتهلين ومتضرعين للرحمن، وكذلك المحتفلين في بيوت الله خلال الأعياد، وبدى موقف منتسبي تلك المنظمات مؤيداً للقتل والترويع.
فجأت استيقظت منظمات حقوق الإنسان والعفو الدولية على ما يحدث في سيناء، لحماية وطن من مرتزقة ومأجورين ومنحرفين دينياً، لتقول "الجيش المصري يستخدم أسلحة محظورة دوليا في سيناء"، بل الأكثر من ذلك تستشهد في رواياتها بكلام الدواعش والإرهابيين، وكأن هؤلاء يزرعون ويصنعون ويسكنون في أوطانهم، وكأن هؤلاء أمنين ومستأمنين، والأسلحة والقنابل والمدافع التي يحلونها هي مجرد ألعاب أطفال.
هل انقلبت الآية بهذه الصورة، وأصبحت حماية القتلة وحاملي السلاح ضد الدولة هم من يستحقون الحماية والتأمين، بل الأكثر من ذلك ما تردد عن مطالبات من دول بخروج "آمن للإرهابيين" من سيناء على غرار ما تم في سوريا والعراق، دون أدنى تدقيق حول أين سسينتقل هؤلاء ومن سيقتلون ويحاربون بعد ذلك.
وعلينا أن ندقق في كلمات "العفو الدولية" جيداً حيث قالت المنظمة في بيانها "في يوليو 2017، أصدرت وكالة أعماق الأخبارية، وهي وسيلة الإعلام الرسمية لتنظيم داعش، شريط فيديو يدعي بأن طائرة مقاتلة من طراز F16 أسقطت قنبلتين عنقودية في سيناء، أي على مواقع التنظيم الإرهابي الذي يتخذ من سيناء مقرا لنشاطه ضد الدولة.
والغريب أن العفو الدولية اعتبرت معلومات داعش هي الأدق، بل اعتبرت أن محاربة داعش وقصف مواقعهم عمل غير مبرر، ويجب التوقف عنه، وكأن حالها يقول تعاملوا مع هؤلاء القتلة برفق ولين، واتركوهم يرتعون فساداً وقتلاً في كل مكان يحطون فيه، بل وفروا لهم الحماية، واعتبرت العفو الدولية معلومات داعش هي الأساس في اعداد تقريرها.
ولماذا لم تتساءل هذه المنظمات الحقوقية عما يفعله أفراد التنظيمات الإرهابية - والذين جاءوا من أماكن مختلفة- من أعمال قتل وتدمير وتعطيل لحركة الإنتاج وترويع المواطنين في مساكنهم وقراهم، وتهديد كل شخص بالقتل يرفض التعاون معهم، ثم بأي حق تطالب المنظمات الحقوقية الدفاع عن هؤلاء القتلة من الإرهابيين ومنحهم حق الحصول على مسار أمن للخروج خلال الحرب اليت تخوضها الدولة ضد القتلة.
بل الغريب أيضا أن تهبط الإنسانية فجأة لتقول أن حماية "القتلة" عمل انساني، يجب أن يراعى في الحرب ضد "الإرهاب"، وكأن الدولة تحارب جيشاً منظماً ودولة أخرى، فيما أن الواقع أن الحرب تتم ضد تنظيم وأفراد مجهولين جاءوا إلى سيناء أو حتى في سوريا والعراق من كل مكان في الأرض، بهدف اقامة دولة "الخلافة المزعومة"، على أي أرض يتمكنون من السيطرة عليها.
ويظل السؤال الأول قائماً، ما هي حقوق الإنسان التي يجب أن ندافع عنها، وتظل ضمن قناعاتنا الأساسية، أعتقد أن الحق الإنساني هو الذي لا يستهدف ترويع البشر بحمل السلاح واسقاط الدولة.
ودعونا هنا ندعو الولايات المتحدة، صاحبة الضغوط على دول المنطقة للخروج الآمن لهؤلاء القتلة، بأن تخصص لهم قطعة من الأرض من مساحاتها الشاسعة وتوفر لهم الأمان والحرية لاقامة دولتهم عليها، على أن اعتبار أن الولايات المتحدة هي راعي الحريات والإنسانية في الكوكب الأرضي!!!، ليرتاح العالم وترتاح أمريكا نفسها وكل المدافعين عن حقوق "القتلة".
-------------
المقال منشور في المشهد الأسبوعي