عندما سمعت الأغنية التى يغنيها جمهور نادى ليفربول الإنجليزى العريق للاعب المصرى محمد صلاح ويتمايلون على نغماتها ارتفع رأسى لعنان السماء، وأدركت أن هذا الشاب الأسمر ذو الخامسة والعشرين ربيعاً لم يعد مجرد لاعب كرة قدم محترف بالدورى الأوربى لكنه تحول إلى أهم سفير ودبلوماسى مصرى يجبر العالم كله على احترامه واحترام بلاده .
لقد استطاع صلاح أن يحقق فى سنوات قليلة شهرة عالمية وضعته فى منافسة قوية مع أشهر لاعبى كرة القدم فى العالم وأكثرهم مهارة وأعلاهم سعراً، كما استطاع فى لحظات أن يصنع ما عجزت عنه العديد من الجهات والمؤسسات فى سنوات لتحسين صورة مصر فى الخارج، فبعد النجاحات العديدة التى حققها محمد صلاح مع نادى ليفربول كتب الصحفى الإنجليزى ديف أوكوب على حسابه على تويتر قائلاً " سأتقدم بطلب للحصول على الجنسية المصرية .. صلاح جعلنى أتمنى أن أكون مصرياً" .. ولعل هذه الرسالة من الصحفى الإنجليزى قد حركت مشاعر الوطنية الراكدة لدى الشباب المصرى وجعلتنا جميعاً نفتخر بمصريتنا، وهو ما يحتم علي المسئولين وصناع القرار فى مصر ضرورة إعادة التفكير فى ترتيب القوى الناعمة التى تمتلكها مصر واستغلالها على الوجه الأمثل.
فعلى مدار سنوات طويلة كانت القوة الناعمة المصرية، ترتكز على اللغة، والتاريخ، والثقافة، بالإضافة إلى المؤسسات الدينية التى تمنح مصر مكانة دينية وروحية متميزة حول العالم كالأزهر والكنيسة، ولمدة تتجاوز النصف قرن اجتاحت اللهجة المصرية كافة الدول العربية بفضل الدراما المصرية الإذاعية والتليفزيونية والسينمائية، حتى اصبحت اللغة الوحيدة التى تجيدها كل الشعوب العربية .. وكان صوت أم كلثوم خير سفير لنا فى الخارج ويكفى أن نعرف أن نادى الوداد المغربى أطلق عليه هذا الإسم تيمناً بفيلم "وداد" للسيدة أم كلثوم والذى كان يعرض وقت تأسيس النادى فى ثلاثينيات القرن الماضى، وأن الجزائر أطلقت اسم الفنان "محمد فوزى" ملحن النشيد الوطنى الجزائرى على المعهد العالى للموسيقى بالجزائر، أما عن الثقافة المصرية فقد احتلت مكانة متميزة بين شعوب المنطقة العربية بل والعالم أيضاً، كما تمتلك مصر حضارة ضاربة فى جذور التاريخ نتفاخر بها أمام العالم كله كما أن آثارنا الفرعونية سواء المهداة أو المهربة أو المسروقة أو حتى المقلدة تحتل أماكن بارزة فى أكبر متاحف العالم بل وفى الشوارع والميادين أيضاً، وتشكل جزءاً هاماً من قوة مصر الناعمة.
وعلى الرغم من تراجع هذه القوة فى السنوات الأخيرة وإهمالها بشواهد عديدة أولها محاولات طمس الهوية المصرية بإغراق الفضائيات بالدراما التركية والهندية والسورية، وانتاج أفلام ومسلسلات تصدر للخارج صورة سلبية عن مصر وتظهرها علىدأنها عبارة عن حوارى ضيقة فقيرة يملأها البلطجية والدعارة والشذوذ، وثانيها عدم مشاركة أى فيلم سينمائى مصرى فى مهرجان القاهرة السينمائى الذى عقد منذ أيام رغم عراقة المهرجان وتاريخه ورغم أننا الدولة المنظمة، وثالثها إعلان وزارة الآثار عن اختفاء 33 ألف قطعة أثرية من مخازن وزارة الآثار دون محاسبة المسئولين عن هذا الإهمال .. على الرغم من هذا التراجع لكن ما زال هناك بصيص من الأمل أرسله إلينا من الخارج اللاعب المحترف محمد صلاح الذى أصبح قدوة ومثال للشباب المصرى والعربى بأخلاقه واجتهاده ومهنيته وولائه الشديد لبلاده، وما علينا فى مصر سوى التقاط هذا الشعاع من الأمل وتنميته، فماذا ينقصنا كى يصبح لدينا فى مصر ألف "محمد صلاح" نصدره للخارج ونصنع به قوة ناعمة مصرية جديدة تؤثر بشكل غير مباشر على الرأى العام ؟ ولماذا لا نجعل هذه الفكرة مشروعاً قومياً يلتف حوله الشباب ويحميهم من مخاطر الانزلاق إلى عالم المخدرات والإرهاب ..