رصد موقع مجلة "نيوز ويك" الأمريكية، نقلا عن الموظف السابق في أرشيف الأمن القومي الأمريكي جون برادوس، مجموعة من الخرافات الكبيرة التى تتعلق بجهاز الاستخبارات الأمريكية CIA، تضمنها كتاب جديد له بعنوان "أشباح لانغلي..من قلب الظلام داخل المخابرات المركزية".
وأورد الكاتب في مقدمته أنه فضل تفنيد تلك الخرافات، نظرا لأن الكثيرين ينظرون إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية باعتبارها أهم وأكبر أجهزة المخابرات في العالم، فيما يراها آخرون جهازا مخابراتيا لايقهر، إلا إن هذه الصور النمطية الكلاسيكية عن هذه المؤسسة الأمريكية بعضها مضلل وخاطئ. الوكالة لا تصنع السياسة رغم إنكار رؤساء المخابرات الأمريكية لأي دور سياسي للوكالة منذ أيامها الأولى، فإنها تشارك في صنع السياسات العامة للدولة في بعض الأحيان.
ففي الربيع الماضي، قال الرئيس الحالي لـ"سي.اي.إيه" مايك بومبيو، للجمهور، إنه "يترك للأخرين الإجابة عن بعض الأسئلة الصعبة بشأن التفاصيل حول السياسة"، لكنه أشار خلال مشاركته في فعاليات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في 13 أبريل 2017، إلى تقديمه مقترحات عملية للرئيس ترامب بشأن العمليات الأمريكية في أمريكا الوسطى.
في صيف وخريف عام 2017، اقترحت وكالة المخابرات المركزية توسيع دورها التشغيلي في العراق وأفغانستان، ووافق "ترامب" على هذه الاقتراحات، فربما لا تملك الوكالة صلاحية الموافقة وتنفيذ مقترحاتها، ولكنها بطبيعة الحال تشارك في صنع السياسة.
الوكالة خارجة عن السيطرة في يوليو 1975، وخلال التحقيق الذي أجرته اللجنة في وكالات المخابرات الأمريكية، وصف السيناتور فرانك تشورش وكالة المخابرات المركزية بـ"الفيل المارقة"، مشيرا إلى خروجها عن السيطرة، وهو الأمر الذي يناقشه المواطنون وعملاء الوكالة منذ ذلك الحين.
ويبدو أن هذه الاتهامات بعضها صحيح والأخر خطأ ففي قضية "إيران كونترا" في الثمانينيات، نفذ مدير الوكالة بيل كيسي عملية سرية يحظرها القانون، أما في قضية اختراق وكالة المخابرات المركزية للكونجرس خلال تحقيق لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بشأن برنامج الاعتقال والاستجواب للوكالة، لم تكن هناك ادعاءات تمت الموافقة عليها من قبل سلطة أعلى.
دحضت تقرير مجلس الشيوخ عن التعذيب في مقدمة نشخة منشورة من وثيقة رد الوكالة عن تقرير التعذيب، ذكر رئيس الاستخبارات جورج تينت، إن أغلبية لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ أفادت بـ"فشل سعيها للتوصل إلى الحقيقة أو تجسيد الأحداث بأمانة".
وتظهر السجلات الوثائقية بالإضافة إلى تقرير مجلس الشيوخ أن المدير تينيت نفسه أوقف برنامج التسليم والاستجواب مرتين على الأقل، و سعى للحصول على موافقة صريحة أكثر من البيت الأبيض خلال الفترة الزمنية من 2002إلى -2003 ومحاولة تنظيم التدريب والإجراءات المعنية. ويوضح تقرير مجلس الشيوخ أن هذا الأمر كبير.
ودعم تفنيد رسالة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) خطابا من الرئيس حينها آنذاك جون برينان اعترفت صراحة بـ"الهفوات الأولية" التي نتجت عن "فشل الإدارة على مستويات متعددة".
وأكد المفتش العام للوكالة، الذي قدم تقريرا عن البرنامج في عام 2004، العديد من نقاط التحقيق في مجلس الشيوخ، وبحلول ذلك الوقت كانت الوكالة قد بدأت بالفعل في تقليص ذراعها الطويلة، حتى مع النظر في كيفية تسليط الضوء على المشروع. فمن الأساطير أن وكالة المخابرات المركزية دحضت بنجاح استنتاجات التحقيق.
العودة لمهمة التجسس التقليدية أشار رئيس الاستخبارات المركزية في الجنرال ديفيد بيترايوس، في جلسة الاستماع عام 2011، إلي "الدور الفريد الذي تلعبه الوكالة كجامع إنساني للمعلومات الاستخبارية".
وبالمثل، أصر رئيس الوكالة جون برينان، على أن "المسؤولية الأساسية" للاستخبارات تتثمل في تقديم أفضل معلومات استراتيجية ممكنة، فهي المهمة الرئيسية للوكالة، التييخصص لها الجزء الأكبر من مواردها.
التسيس أكبر مشكلة في التقارير الاستخباراتية حاليا ككثير من الادعاءات حول وكالة المخابرات المركزية ودورها السياسي، فإن المخاوف من تسييس الوكالة مستمرة منذ عقود، وإن كانت حقيقية إلى حد كبير.
ويحذر لانغلي المجندين الجدد من التسييس عند التدريب، فهذه الخرافة أضحت المشكلة الأولى في هذه الأيام. ويحمل الرئيس دونالد ترامب وجهات نظر ورؤى محددة إزاء بعض القضايا الموضوعية ومسألة تسيس الاستخباات المركزية، ومشاركتها بفعالية في صنع السياسية ، إذ أن تزايد الاتهامات لـ"ترامب" باختراقه سياسا على خلفية التورط الروسي في حملته الانتخابية في عام 2016 ينقص من إمكانية تسيس الوكالة بأي شكل من الأشكال.
وتبدو المشكلة الكبرى حاليا مختلفة، وتتمثل فيما يسمى بـ"المعلومات الاستخباراتية الفعالة"، وهي المعلومات التي تسمح للوكالة استهداف الأعداء في الوقت المحدد، وتحدد الوكالة "مراكز مهمات" لهذا الهدف، لاسيما أن هذه المعلومات الفعالة تقود بطبيعة الحال إلى تسليم المطلوبين واحتجازهم واستجوابهم.
الأمريكيون يعرفون النجاحات فقط في عام 1959، قال الرئيس الأمريكي الراحل دوايت د. إيزنهاور، عند وضع حجر الأساس لمبنى مقر وكالة المخابرات المركزية، لعملاء المخابرات إنه "لا يمكن الإعلان عن النجاح، ولا يمكن تفسير الفشل".
وعلى الرغم من تصريحات إيزنهاور، فإنه لم تلتزم الوكالة بهذه القاعدة الذهبية في كثير من الأحيان. في أوائل عام 1954، وبعد ما وكالة المخابرات المركزية من نجاحات في إيران وغواتيمالا، سرب رئيس الوكالة حينها ألين دولس بنفسه تفاصيل سرية لصحفي في لصحيفة "ساترداي إيفنج بوست".
وفي بداية التسعينات، حاولت الوكالة تحسين مكانتها مع الشعب الأمريكي، بعقد مجموعة من المؤتمرات والإفراج عن مجموعة متنوعة من التقارير السرية السابقة والمهمات والتكنولوجيا المستخدمة. وفي حربها على الإرهاب، أكد روساء الاستخبارات، في ردهم على محققي مجلس الشيوخ بشأن التعذيب، أنهم ناجحون وأن إدعاءاتهم غير دقيقة. فالنقطة المهمة هنا أن موظفي الاستخبارات حريصون على إخبار الجمهور بنجاحات الوكالة.