النقطة الاْولى: ذكرتم إجماع الصحابة على قتل من يعمل عمل قوم لوط بعد قيام البينة بالشهود الاْربعة، وهناك روايتان: أن حده كحد الزنا بسند ضعيف، الاْولى الخاصة بسيدنا عثمان ـ رضي الله عنه ـ أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتي برجل قد فجر بغلام من قريش معروف النسب، فقال عثمان: ويحكم أين الشهود؟ أحصن؟ قالوا: تزوج بامرأة ولم يدخل بها بعد، فقال علي لعثمان رضي الله عنهما: لو دخل بها لحل عليه الرجم، فأما إذا لم يدخل بأهله فاجلده الحد ـ والثانيه: شهدت ابن الزبير أتي بسبعة أخذوا في اللواط: أربعة منهم قد أحصنوا، وثلاثة لم يحصنوا.... بجانب التابعين للصحابة. النقطة الثانية: بالتحريق بعد القتل بسند ضعيف جدا: أن سيدنا أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ اْمر بحرقه، وكان الفجاءة السلمي كما ذكر اْهل العلم، ولكن كان فجاءة مرتدا ويقاتل المسلمين، وطبعا تعرفون قصته كاملة، أما إذا كان ليست له علاقة بالفجاءة السلمي فقد ذكر اْهل العلم أنه قتل ثم حرق وهو ليس بحي مع اْن الاْثر ضعيف جدا، قال ابن وهب: لا أرى خالدا أحرقه بالنار إلا بعد أن قتله، لأن النار لا يعذب بها إلا الله تعالى، وأيضا هناك اْثر يثبت ذلك، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الرَّجْمُ، وَتَابَعَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ... مِنْ عَارِ الْمِثْلِ وَشُهْرَتِهِ، أَنْفًا لَا تَأْنَفُهُ مِنَ الْحُدُودِ الَّتِي تَمْضِي فِي الْأَحْكَامِ فَأَرَى أَنْ تُحْرِقَهُ بِالنَّارِ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ أَبُو الْحَسَنِ، وَكَتَبَ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَنْ أُحْرِقَهُ بِالنَّارِ. النقطة الثالثة: الخاصة بالرمي من بناء عال ثم يتبع بالحجارة على من يثبت عليه ذلك، اْليس فعل ذلك بقوم لوط، لاْنهم كفار وقطاع طريق ياْتون المنكر بجانب محاولة الاغتصاب وباقي الجرائم، ولا يحل سفك دم يهودي أو نصراني من أهل الذمة، نعم، ولا دم حربي بمثل هذه الروايات، فكيف بدم فاسق أو تائب؟ ولو صح شيء مما قلنا منها لقلنا به، ولما استجزنا خلافه أصلا، فصح: أن الرجم الذي أصابهم لم يكن للفاحشة وحدها، لكن للكفر ولها: فلزمهم أن لا يرجموا من فعل فعل قوم لوط، إلا أن يكون كافرا، وإلا فقد خالفوا حكم الله تعالى فأبطلوا احتجاجهم بالآية، إذ خالفوا حكمها، وأيضا: فإن الله تعالى أخبر أن امرأة لوط أصابها ما أصابهم، وقد علم كل ذي مسكة عقل أنها لم تعمل عمل قوم لوط، فصح: أن ذلك حكم لم يكن لذلك العمل وحده، بلا مرية ـ ص: 395 ـ فإن قالوا: إنها كانت تعينهم على ذلك العمل؟ قلنا: فارجموا كل من أعان على ذلك العمل بدلالة أو قيادة، وإلا فقد تناقضتم وأبطلتم احتجاجكم بالقرآن، وخالفتموه، وأيضا: فإن الله تعالى أخبر أنهم راودوه عن ضيفه، فطمس أعينهم، فيلزمهم ولابد أن يسملوا عيون فاعلي فعل قوم لوط، لأن الله تعالى لم يرجمهم فقط، لكن طمس أعينهم، ثم رجمهم، فإذ لم يفعلوا هذا، فقد خالفوا حكم الله تعالى فيهم، وأبطلوا حجتهم، ويلزمهم أيضا أن يطمسوا عيني كل من راود آخر ويلزم أيضا: أن يحرقوا بالنار من أنقص المكيال والميزان، لأن الله تعالى أحرق بالنار قوم شعيب في ذلك، من كتاب المحلى بالآثار لابن حزم. النقطة الرابعة: هذه الآية بعض المفسرين ومنهم الشعراوي على اْنها الخاصة بحد اللواط: والذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً ـ فعلى هذا أن حكمها باق إلى اليوم، وبها يصح أنها حد اللواط اْم نسخت بالاْثر وهو أن عليا رضي الله عنه رجم لوطيا وهو ضعيف أيضا بجانب حديث العقوبة بالقتل الذي ضعفه بعض أهل العلم، وهذا الحد موضع خلاف كبير وليس إجماعا. النقطة الخامسة والاْخيرة: يقول البعض بوجود فرق بين فاحشة والفاحشة، بينما كلمة: الفاحشة ـ جاءت في كثير من الأماكن، منها قصة سيدنا يوسف.
الفتوى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا خلاف أهل العلم في عقوبة اللواط، ورجحنا قول من قال: عقوبته القتل مطلقا، لحديث: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.
كما في الفتوى رقم: 1869.
وهذا الحديث قد صححه بعض أهل العلم، وأجاب على من أعلَّه، كما فعل الشيخ أحمد شاكر في تحقيق مسند أحمد والألباني في إرواء الغليل.
وقال ابن القيم في روضة المحبين: إسناده على شرط البخاري. اهـ.
وقال في زاد المعاد: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: اقتلوا الفاعل والمفعول به ـ رواه أهل السنن الأربعة وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن ـ وحكم به أبو بكر الصديق، وكتب به إلى خالد بعد مشاورة الصحابة وكان عليّ أشدهم في ذلك، وقال ابن القصار وشيخنا: أجمعت الصحابة على قتله، وإنما اختلفوا في كيفية قتله. اهـ.
وقال في أحكام أهل الذمة: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في اللوطي: اقتلوا الفاعل والمفعول به ـ ولم يعلق ذلك بتكرار، وأصحابه من بعده أجمعوا على قتله ولم يعتبروا تكرارا. اهـ.
وقال الشوكاني في السيل الجرار: قد قتل اللوطي في زمن الخلفاء الراشدين وأجمعوا على ذلك، ولا يضر اختلاف صفة القتل، وذهب إلى ذلك جماعة من العلماء. اهـ.
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: ورد قتل المسلم بغير إحدى هذه الخصال الثلاث، فمنها: في اللواط، وقد جاء من حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا الفاعل والمفعول به ـ وأخذ به كثير من العلماء كمالك وأحمد، وقالوا: إنه موجب للقتل بكل حال، محصنا كان أو غير محصن، وقد روي عن عثمان أنه قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بأربع، فذكر الثلاثة المتقدمة، وزاد: ورجل عمل عمل قوم لوط. اهـ.
وهذا القدر يكفي لاعتبار هذا القول وبيان وجهه، وأما مناقشة الأدلة، والترجيح بين الأقوال، فليس هذا محله، خاصة أننا في الفتوى المحال عليها سابقا قد أشرنا إلى مذهب ابن حزم الذي وافق فيه الحنفية بأن العقوبة هي التعزير، وأخيرا ننبه على أن ما نسبه السائل للشيخ الشعراوي ليس بصحيح، فقد قال خلال تفسيره: قال سبحانه: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت ـ أي احجزوهن واحبسوهن عن الحركة، ولا تجعلوا لهن وسيلة التقاء إلى أن يتوفاهن الموت: أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً ـ وقد جعل الله... إلى أن قال: إذن، فعدم وجود نص على جريمة، أو عقوبة على جريمة، ليس معناه ألا يوجد حساب عليها، لا، هناك حساب، فقد تكون العقوبة أفظع، وقد أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َبإلقاء الفاعل للواط والمفعول به من أعلى جبل، إن عقوبتهما أن يموتا بالإلقاء من شاهق جبل، إذن فالعقوبة أكثر من الرجم. اهـ.
والله أعلم.