(مؤشرات)
العشوائيات قلب فساد المحليات
محمود الحضري
فساد المحليات وتنمية المحافظات والصعيد بصفة خاصة هو أخطر وأهم تحد يواجه أي وزير للتنمية المحلية، ولاشك أن واقع "صناعة العشوائيات" في مصر هو أحد أبواب الفساد، وقدرة الوزير هي المعيار الأول والأخير على مواجهة التحدي والتغيير، في مجتمع يحتاج إلى تنظيف نفسه من الفسدة والمفسدين وكل من يحميهم، أو يساعدهم، وكل من يُقصر في التدقيق حول سيرة المرشحين للمناصب العليا.
وأستطيع القول أن من يخفي معلومات أو يدقق في سيرة من يترشح أو يتولي منصبا كبيراً ورئيسياً في الدولة، لا يقل فساداً عن الفاسد نفسه، وكلاهما سواء في المساءلة.
أقول هذا بمناسبة التغييرات الوزارية الأخيرة، والتي جاءت بوزير جديد للتنمية المحلية، هو اللواء أبوبكر الجندي، والذي قوبل في أول يوم لمهام منصبه بالكشف عن قضية فساد كبيرة، تخص محافظ المنوفية "هشام عبد الباسط" والمتهم بالرشوة لتمرير تخصيص أرض لصالح رجلي أعمال "فاسدين" هما الأخران.
وقد ألقت الرقابة الإدارية القبض على المحافظ ورجلي الأعمال لتورطهم في وقائع فساد بالمحافظة، وتورط المحافظ في واقعة تخصيص قطعة أرض لأحد رجال الأعمال، حيث تم رصد القضية من الرقابة الإدارية، وتسجيل المكالمات الهاتفية التي تمت بين المحافظ واثنين من رجال الأعمال، إلى أن تم إلقاء القبض عليهم متلبسين.
وقضية عبد الباسط، ليست الأولى ولا الأخيرة في عالم فساد المحليات، فكل العشوائيات في المدن، علامة عن فساد نعيشه، فكلنا نتذكر قبل شهور قليلة قضية القبض على سعاد الخولي، نائبة محافظ الإسكندرية، داخل ديوان عام المحافظة، لتورطها في وقائع فساد ورشوة وإضرار بالمال العام والتربح.
بخلاف تقاضيها مبالغ مالية، وعطايا مادية، ومصوغات ذهبية، قيمتها تعدت المليون جنيه من بعض رجال الأعمال مقابل استغلال سلطاتها والإخلال بواجبات الوظيفة وإيقاف وتعطيل تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة لمبانٍ أقيمت بدون ترخيص أو على أرض ملك الدولة، وإعفائهم من سداد الغرامات المقررة عن تلك المخالفات، مما أضر بالمال العام بحوالي 10 ملايين جنيه.
وكلنا نتذكر قضية فساد مديرة الشئون المالية بإدارة 6 أكتوبر التعليمية، "هدى أحمد حسين" باختلاس 300 مليون جنيه، خلال الفترة من 2012 وحتى مارس 2015، وذلك من أموال مصروفات المدارس، والتي لم يتم اكتشافها إلا بعد ثلاث سنوات.
وملف الفساد في المحليات ملئ بالألغام، ومنه القبض علي سكرتير نائب محافظ الجيزة؛ لاتهامه بقضية رشوة جنسية، مع احدى السيادات مقابل استصدار قرارا بإزالة المباني "عشوائية" مقامة على قطعة أرض متنازع عليها قضائيا بينها وأشقاء زوجها بطريق مصر أسيوط الزراعي.
ولأن الفساد في المحليات علامة تجارية، فقد طال الكثيرين، فقد تم ضبط حازم القويضي محافظ حلوان الأسبق، لحصوله على سيارة مرسيدس موديل إس 350 قيمتها مليون جنيه، على سبيل الرشوة، من رئيس مجلس إدارة شركة بالمعادي، مقابل تسهيل الاستيلاء على قطعة أرض أملاك دولة، بالاشتراك مع مدير إدارة الأملاك بالمحافظة، وتخصيص قطعة أرض مساحتها 800 متر بشارع 9 بالمعادي لشركة سيارات، بدلا من طرحها بالمزاد.
وملفات الفساد عديبدة، ناهيك عن مخلفات صغار الموظفين في الأحياء ودواوين المحافظات بلا استثناء، والذين هم أحد أسباب العشوائيات في ربوع مصر شرقا وغربا، فالفساد أصبح سمة من سمات تسهيل أعمال الناس في هذه المرافق الخدمية، أو قل "تسليك" قضايا المتعاملين مع المحليات من السؤال عن خدمة إلى استصدار ترخيص وقرار هدم.
ومكافحة الفساد في المحليات مهمة ثقيلة، لا تقف عند حدود وزير التنمية المحلية فقط، بل تمتد إلى مختلف وزارات الدولة والمحافظين، فالأمر لا يتوقف عند حدود جهود الرقاية الإدارية والأجهزة المعنية الأخرى، ولن يتوقف الفساد بالقاء القبض على وزير أو محافظ أو حتى رئيس وزراء، بل الأمر بحاجة إلى جهود لا تتوقف.
وإذا كان البعض غضب من تصريحات اللواء أبوبكر الجندي عندما تحدث عن التنمية في محافظات مصر وخصوصا الصعيد، لمنع العشوائيات، فقد كان غضبهم في معظمه عاطفي، فالتنمية ومنع العشوائيات الباب نحو مكافحة الفساد المتعشش في المحليات، والذي استشرى في ربوع مصر شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ولا يتوقف عن حدود العاصمة.
فإن صدق الوزير الجديد وصدقت نواياه، فلا تغضبوا فتنمية ربوع محافظات مصر بالصعيد وبحري، أحد خطوات منع العشوائيات، والتي بها نسد النوافذ التي يتسلل منها الفساد.