(مؤشرات)
أتبكون كالنساء على القدس؟!
محمود الحضري
عندما سلَّم ملك غرناطة "المسلم أبو عبد الله" مفاتيح آخر دولة إسلامية للملكين الكاثوليكيين سنة 1492 وهمّ بمغادرة "غرناطة" مع عائلته وحاشيته صعد ربوة تطلّ على غرناطة و حمرائها ثم زفر زفرة ألم و تحسّر على ضياع ملكه و انقراض دولة الإسلام بالأندلس على يديه.
وكانت أمه ذات لسان فصيح، ورغم أنه كان في حالة يُرثى لها، فخاطبته بكلمات قاسية و قالت جملة شهيرة "ابك كالنساء مُلكا لم تدافع عنه كالرجال" لتنتشر هذه المقولة الشهيرة انتشارا واسعا وأصبحت ملاصقة لصورة هذا الملك المهزوم، وكل مهزوم.
وإقرأ أيضا ما جاء في حوار الخليفة العباسي المستعصم بالله وهولاكو، عندما سقطت بغداد وهدم تراثها وحرق كُتبها، وذبح أبنائها، فيما كان "المعتصم" غارقا في الملذات، مدعيا أن الله يحمي بغداد، بعدما استمع لمستشاري السوء وسرَّح الجنود.
بينما "هولاكو" - وللأسف - كان عادلا بين جنوده وشعبه، ويتمتع بحب بين جنوده وبقوة شخصية ودائماً يتصدر المهاجمين وبجيش منضبط بأوامر حديدية.
لكني أورد هنا دروس حوار دار بين هولاكو والمستعصم بالله ينكره كتاب العرب بفعل الخوف من السلطان أو الشعور بالعار القومي دون أن يكون درسا للطغاة.!!!
سجن هولاكو الخليفة المستعصم بالله في أحد غرف قصره التي سكنها هولاكو الذي وزع جواريه هدايا على قواد جيشه، جاع المستعصم بالله فطلب طعاما من الحرس، فأمر هولاكو أن يجلب له طبق من الذهب مملوء بالذهب وأمره أن يأكل، فرد الخليفة "كيف يؤكل الذهب؟"، فرد هولاكو "اذا كنت تعرف أن الذهب لايؤكل فلماذا احتفظت به ولم توزعه على جندك وشعبك ليحولوه الى سيوف ورماح ويمنعوا غزوي لبغداد وتهديم اسوارها الحصينة؟ .. ويرد الخليفة "إن ذلك هو من إرادة الله "، .. فيرد هولاكو "اذن غزوي لبغداد واسقاط حكمك هو من ارادة الله فيكم" أو "إذن أنا إرادة الله فيكم".
أردت أن أقص هاتين الواقعتين ونحن، نتباكي اليوم على "القدس" التي اعترف بها "دونالد ترامب" عاصمة للمحتل الإسرائيلي، .. فيما سيظل قادة العرب والدول الإسلامية "جلاليب فراغة"، ومن الواضح أن التاريخ يعيد نفسه من جديد، فالقدس وقبل سنوات طويلة تحت الإحتلال وتعبث إسرائيل بمقدساتها، ونحن العرب نقف في موقف المتفرجين والمنددين مرات عديدة.
والأخطر في هذه القضية، فإن جزء من الأجيال الجديدة غير عابئ أو مهتم لا بالقدس ولا بالقضية الفلسطينية، لأسباب إما تربوية، أو تعليمية، أو لأسباب تتعلق بمواقف سياسية، كما أن الكثير من تاريخ القدس اختفى من مناهجنا العربية، .. فمن يعرف من الأجيال الجديدة أهمية القدس ومكانتنا فينا ولنا وبيننا؟، ومن يعرف أن القدس هي "أولى القبلتين وثالث الحرمين"؟، وكم أية في القرآن الكريم ذكرت القدس، أو فسرها المفسرون والعلماء بأن المقصود بها في بعض الآيات، أنها القدس؟.
أليست القدس هي التي أسرى إليها الرسول "ص"، كما وصفها الله تعالى بأنها "الأرض المقدسة"، وهي مهبط الديانات، وفيها عاش المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وبيت المقدس قال رسول الله "ص" فيها "لمن يصله ويصلي فيه خير له من الدنيا جميعاً"، والصلاة في المسجد الأقصى تعادل مائتين وخمسين صلاة، وفيها يقتل سيدنا عيسى عليه السلام "المسيح الدجال، وتحديدا في باب "لد"، وهي قربية من بيت المقدس.
وهناك العديد من الآيات القرآنية التي فسرها العلماء، بأنه القرية أو المدينة والقرى المحيطة بها التي وردت في القرآن الكريم، .. وللاسف لا يتم تعليم الأجيال الجديدة بكل هذه المعاني، وفقط نثرها في المناسبات، مثل هذا الوقت من الأزمة التي نواجهها.
واليوم تثار أزمة جديدة بقرار "ترامب" بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بينما يعود التاريخ نفسه لتتكرر مقولة أم "المسلم أبوعبد الله " ملك غرناطة، أخر معاقل المسلمين في الأندلس، لنقولها للجميع "أتبكون كالنساء على القدس اليوم"... فيما لسان حال ترامب يكرر مقولة "هولاكو" .. أنا إرادة الله فيكم"، فعجباً أيها الزمان!.