07 - 05 - 2025

خطابُ جلد الذات.. هل هو الخطاب الأمثل؟

خطابُ جلد الذات.. هل هو الخطاب الأمثل؟

بمناسبة القرار الباطل الذي أصدره ترامب باعتماد القدس عاصمة للكيان الغاصب المسمى بإسرائيل، فقد لوحظ أن معظم المنشورات والتغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي تحمل على العرب والمسلمين تخاذلهم في نصرة القدس الشريف، وتصمُ الشعوب بصفات الجبن والتخاذل، وأنهم لا يملكون غير النواح والبكاء دون القدرة على اتخاذ أي موقف حقيقي لنصرة الأقصى.

والسؤال المطروح هُنا: هل يخدم خطاب التوهين وإلصاق صفات التخاذل والانحطاط القضية؟ وهل هو الخطاب الأمثل في مثل هذه الحالة التي تمر بها الأمة؟

والجواب الذي أراه هو: بالتأكيد.. لا، لأن مثل هذا الخطاب المُحبِط المليء بإلقاء اللوم والتُّهم بالتخاذل والانحطاط والضعف لدى الأمة لا يُفيد سوى أعدائها، ولا يستنهض الهمم؛ بل يُكرِّس الحالة التي ينحو إليها؛ ويعتبرها صفةً لا يمكن التخلص منها؛ ويشيع روح اليأس والهزيمة.

لقد تطرف البعضُ فذهبَ إلى وصف العرب والمسلمين -وهو منهم- وكأنهم أشد ضعفاً وتهافتاً من البعوض والدواب! ووصمهم بالعجز التام والخور وفقدان النخوة والعزة والكرامة ! فهل هذا صحيح؟ لقد سبق وأن وقع المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس برمّتها تحت الاحتلال الصليبي لفترة تقترب من التسعين عاماً (585 - 493 هجرية) (1099 - 1187 م) وتم استباحة المدينة وإراقة الدماء بغزارة في أكنافها التي باركها الله؛ ثم قيض الله لها رجالا وأأبطالا قاموا بتطهيرها من دنس العدوان، وردها إلى الأمة جزءاً عزيزاً منها وعليها.

 وعندما حاصر المشركون والمتحالفون معهم من القبائل واليهود المدينة في غزوة الأحزاب (الخندق) وبدا الخطر واضحاً وصريحاً على الإسلام والمسلمين في المدينة؛ واستحكم الحصار؛ واستفحل الخطر؛ وبلغت القلوب الحناجر؛ وظهر جلياً ريبُ المنافقين وأرجافُ المرجفين في المدينة؛ في هذه الظروف الصعبة تبدّى الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه في أبهى مشاهد البشارة والتفاؤل، وبشَّر المسلمين بأنهم قد أُعطوا مفاتيح إيوان كسرى، وتملكوا ما تحت قدمي هرقل من أرض، فكانت هذه البُشرى الآتية من قلب الظلام المحيط بهم والخطر الماثل بين أيديهم بمثابة شحذٌ للهمم، وبعثٌ لرُوح التفاؤل والثقة بنصر الله الذي هو آتٍ لا ريب فيه.

إن خطاب التيئيس وجلد الذات لن يُحييَ مواتَ الأمة، ولن يشحذَ لها سلاحاً، ولن يُعيدَ لها حقاً مُغتصباً، وإن ما تُمليه ظروف الواقع وتجلياته تقتضي منا جميعاً بث روح الأمل في الغد لدى أبنائِنا بأن لنا وطناً سليباً هُم من سيُعيدونه، كما أن صناعة المستقبل المشرق تقتضي منَّا الإيمان بأن هذا المستقبل لا شك له فجرٌ مهما سبقهُ من ظلامٍ يبدو حالكاً فإن بزوغه لا ريب فيه؛ وأن التاريخ والحقوق لا تسلبها القرارات الجائرة ولا تمحوها قرارات الأعداء ولا تخدمها خطاباتُ التخاذل والضعف وجلد الذات (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ).

مقالات اخرى للكاتب

خطابُ جلد الذات.. هل هو الخطاب الأمثل؟