05 - 05 - 2025

أزمة علاج "المدمنين" تصطدم بمعوقات التمويل وعجز "الأسرّة"

أزمة علاج

"العباسية" تعلق المجانية العلاج.. ومستشفى الإسماعيلية كلمة السر

صندوق مكافحة الإدمان خصص الجزء الرئيسي من الدعم لمستشفى القوات المسلحة!

2.5% من شباب مصر يعانون الإدمان.. ونحو 30% منهم سيدات

"الشباب والرياضة بالصحة": 50% نسبة النقص في علاج الإدمان

"مكافحة الإدمان": 79% من الجرائم في مصر سببها المخدرات

عدد أسرة الطب النفسي العام في المستشفيات الحكومية لا تسع لأكثر من 35%

 

"احنا المدمنين ملناش حق نتعالج طالما مش معانا فلوس.. لا عارفين نتعالج ولا عارفين نبطل".. لسان حال فئة من الشباب تأمل في منحها حياة جديدة، لم تطلب بأكثر من حقها في علاج مجاني قد منحته لهم الدولة سابقا عبر ما يعرف بنظام "الخط الساخن"، الذي ملأت إعلانته أرجاء الشوارع، منذ أن أنشأته الدولة من قرابة 15 عاماً ويموله صندوق مكافحة الإدمان، والذي مهمته تمويل المستشفيات والمراكز الحكومية والجامعية الخاصة بالعلاج النفسي والإدمان.

والصحة النفسية ليست رفاهية، فهي قد تُعيق تنمية أمم وقد تكون قوة دافعة وبناءة في المجتمع، بسواعد شبابه المُتعافي.. فماذا لو كان نحو 2.5% من شباب مجتمع يعانون الإدمان، و12% مضطربون نفسياً بسبب الضغوط الاجتماعية المُكبِلة لحياتهم؟-حسب الإحصاءات الرسمية-.

ونشرت "المشهد" في أعدادها السابقة سلسة تحقيقات تطرقت خلالها إلى الكثير من الفئات المرضية التي تعاني ومازالت من نقص حاد في توافر الدواء، إلى أن لحق بهذا الركب المنكوب فئة لم تكن جديدة، ولكن فاحت رائحة معاناتها مع العلاج المجاني مؤخراً.

ومازالت تتلقى "المشهد" شكاوى من ذوي مرضى يعانون الإدمان، يستغيثون فيها للحاق بما تبقى لهم من أثاث منازلهم، وما تمسكوا به من أرواح كادت تُزهق في محاولات انتحار وقتل عمدي يشرع فيها ذويهم ويقدموا عليها مرات متكررة بسبب فشلهم في النجاة.

منذ قرابة عام، بدأ "الخط الساخن" لعلاج الإدمان بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية، يتقاعس عن تقديم خدماته المرجوة وتوفير العلاج، حتى أصبح مؤخرا، غير متاح وخارج نطاق الخدمة لكل من يطلبه، وإذا حدث وإن كانت هناك إجابة تأتي دائما بأنه لا يوجد مكان شاغر وانتظر دورك الذي لم يحن بعد.

مصادر من داخل مستشفى العباسية، أكدت لـ"المشهد"، أن الخط الساخن للعلاج، أصبح مؤخرا لا يقبل حالات كالسابق، فبات يدخل حالة أو اثنين على الأكثر وخاصة من السيدات، في حين أنه يوجد أماكن شاغرة في قسم الإدمان الخاص بهم والذي يضم 30 سريرا، ولكن يوجد أزمة في العلاج، ناهيك عن تعطل 42 سريرا داخل أقسام الإدمان لعدم صلاحية المكان، من أصل 150 سريرا مخصص للإدمان بالمستشفى.

وكان مسبقا تتعامل وحدة الإدمان مع المرضى في النظام الاقتصادي بقبولهم مقابل مبلغ مالي بسيط في الشهر الأول، على أن يحولوا مع استمرارية العلاج إلى نظام الخط الساخن ويعاملوا بالمجان، مُشيره إلى أن وهذا النظام تم إلغاؤه الآن ولم يعد له وجود.

ولوحت "المصادر"، إلى أن صندوق مكافحة الإدمان المتولي، دعم "الخط الساخن" وعلاج الإدمان بالمستشفيات الحكومية والجامعية، قد وجه معظم دعمه بالعلاج إلى إحدى مستشفيات الإدمان الذي تم افتتاحها منذ قرابة عام في محافظة الإسماعيلية وهي تتبع القوات المسلحة، وأصبح يتخاذل تدريجياً عن توافر العلاج والدعم لمرضى مستشفى العباسية، وذلك في صورة برتوكول تعاون وشراكة فيما بينهم، كافشه إلى أن المريض في هذه المستشفى يسدد 6 آلاف جنيه شهرياً مقابل تلقي العلاج.

وتابعت المصادر، أن هذا أحد أهم أسباب نواقص العلاج في المستشفى، والذي انعكس على النظام المجاني وتسبب في عجزه عن قبول الحالات، مُشيرة إلى أنه حتى الحالات التي يتم متابعة علاجها خارجيا عبر العيادات الآن، وأصبح يقدم لهم العلاج وبه نواقص بنسبة 50%.

وأكد الدكتور محمد محمود جاد رئيس قطاع الرياضة والشباب بوزارة الصحة، وجود عجز كامل في أسرة الإدمان بمستشفى العباسية، مُشيراً إلى أنه تلقى العديد من الشكاوى حول "الخط الساخن" الخاص بالعلاج، وأنه أغلق أبوابه على الحالات المتواجدة بالمستشفى ولا يقبل المزيد بسبب نقص في العلاج، في حين يعاني من يتلقون العلاج من عدم صرف أدويتهم كاملة.

وقال "جاد" لـ"المشهد"، "خلال الجولات الميدانية على المستشفى نجد المئات من الحالات التي تفترش الأرض في حالة يرثى لها دون أن تجد لها مكان للعلاج"، موضحا أن الحل السريع لإنقاذ هؤلاء الشباب هو سرعة الانشاء والانتهاء من المشروعات الخاصة بالصحة النفسية في أسرع وقت تحت إشراف وزارة الصحة، بالإضافة إلى استغلال أراضي المستشفى الفضاء في بنايات جديدة، فضلا عن استغلال مستشفى الخانكة المقامة على نحو 400 فدان، وأكثر من نصفها أماكن شاغرة.

ومن جانبها، كشفت جبهة الدفاع عن مستشفى العباسية للصحة النفسية، أن وزارتي الصحة والتخطيط قلصا الميزانية المرصودة للإنشاءات والتطوير والتجهيزات لمستشفيات الصحة النفسية ومشروعاتها إلى 50 مليون جنيه فقط خلال العام المالي الحالي، مقارنة بالعام المالي السابق والتي تعدت به 127 مليون جنيه.

وأوضحت "الجبهة"، أن عدد أسرة الطب النفسي العام في المستشفيات الحكومية لا تسع لأكثر من 35% وعدد أسرة علاج الإدمان لأكثر من 20% من المرضى المحتاجين لتلقى الخدمة، موضحه أن قطاع الصحة النفسية يضم 18 مستشفى ومركز تابع للأمانة العامة للصحة النفسية يقدمون الخدمة على مستوى الجمهورية، إضافة إلى عدد مستشفيات ومراكز جاري إنشائها، وأخرى جاري تطوير البنية التحتيه بالمستشفيات القائمة.

وأشارت "الجبهة"، إلى أن نسب انتشار تعاطى المخدرات فى مصر بلغت 7% فى الفئة العمرية من 15 إلى 65 عاماً، كما بلغت نسبة الإدمان فى مصر نحو 3.9%، موضحاً أن نحو 10% من هؤلاء يحتاجون إلى دخول للمستشفى، ويصل مدة التعافي فيها لـ3 أشهر.

ولفتت، إلى وجود عجز شديد في عدد أسرة الصحة النفسية، مُشيرًا إلى أن متوسط عدد الأسرة، يصل إلى 6650 سريرا، في حين نحتاج إلى ما يتجاوز الـ16 ألف سرير، لتسع استقبال المرضى المترددين على العيادات وعددهم 472859 ،-وفقا لاحصائيات 2015-.

ولا تتجاوز عدد الاسرة في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة الـ1000 سرير لعلاج الإدمان، في حين تحتاج مصر إلى 5780 سرير لعلاج الادمان، موضحا أن أبرز  المواد الإدمانية المستخدمة هي "الحشيش، البانجو، الكحوليات، المواد الافيونية "الترامادول".

ولفتت الجبهة إلى أن عدد العاملين في مستشفيات الصحة النفسية، يصل إلى1073 طبيبا و2931 ممرضاً و354 أخصائي نفسي واجتماعي، و2007 من العامليين الإداريين، مُشيره إلى أنه وفقا للمعدلات العالمية، فإن مستويات الانفاق العمومي على الصحة النفسية منخفض جدا في البلدان المنخفضة والمتوسطة، ويتم إنفاق نسبة كبيرة من هذه الأموال على رعاية المرضى الداخليين وخصوصا المصحات النفسية.

وأوضح الدكتور عبدالرحمن حماد مدير وحدة الإدمان بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية السابق، أن الاحصاءات الرسمية رصدت نسبة الإدمان في مصر بـ 2.5%، وثلت هذه النسبة سيدات، بينما بلغت نسبة التعاطي إلى 10%.

وأشار "حماد"، لـ"المشهد"، إلى أن مستشفى العباسية تشهد إقبالا كبير لعدد المرضى المدمنين، في حين أنها تواجه عجزاً في عدد الأسرة، وبعض المعوقات التي تحول دون حل هذه الأزمة، ناهيك عن صعوبات التمويل الذي تواجهها المستشفى التي يجب حلها والنظر إليها.

وأشار  إلى أن عدد كبير من ما يعانون الإدمان يحتاجون إلى الحجز الفوري، لأن نسبة كبيرة منهم يعانون إضطرابات ومشاكل نفسية، مما تدفعهم إلى ارتكاب الجرائم بحق من حولهم أو في حق أنفسهم، وهو ما يعجز الأهالي عن التعامل معهم، ووجه بضرورة حل هذه المشكلات وإزالة المعوقات التي تحول دون علاج هولاء الشباب.