أتصل بي أحد الاصدقاء ليخبرني باحتجاز مواطن لأسباب غير معلومة، طالباً مني الذهاب إلى قسم الشرطة الكائن غرب مدينة الإسكندرية لمعرفة ملابسات الحادث.
أنتقلت إلى القسم في زيارة – ثقيلة على قلبي – نظراً لبطء فهم السادة المخبرين، وكم الاستجوابات منذ الوصول وحتى الرحيل، الشعور بالملل من تكرار نفس الاجابات – مش شغلك .. أنت مالك .. الباشا بتاعك فين – وبرغم التكرار يتملكني اليأس من أن يستوعب أحد ما أقول وكأنهم قد خضعوا لعملية برمجة عقلية واحدة، وكلهم نفس الفصيل – هو بعينه – بلا أي أختلاف .
وفور وصولي أمام القسم وجدته تحول إلى ترسانة مسلحة، مباني تحيطه من كل أتجاه، تبات وحواجز، وعند مروري استوقفني فرد شرطة ماسكا سلاحه الآلي لتبدأ المعركة مبكرا:
- ايوه .. عاوز مين ؟
أنا : عايز رئيس المباحث .. أنا فلان الفلاني .
- أهلا وسهلا .. هو تقريباً مش هنا .
أنا : طيب أنا هدخل أتأكد بنفسي لأن الموضوع مهم.
- وأنا بقولك مش هنا استنى كدا .
وينادي على زميله ليسأله عن رئيس المباحث فيقسم له بأنه لا يعلم، فقد كان جالساً على المقهى المجاور للقسم، ويعاود فرد الشرطة الحديث معي بكل ثقة:
- فلان باشا من هنا .. تعالى وقت تاني أو بكره أحسن.
أنا: يا أخ زميلك بيقول إنه ميعرفش هو موجود ولا لاء .. وياريت ماتضيعش وقتي أنا هدخل اشوفه بنفسي .
وبالفعل أخترقت الحواجز - الجبارة - متجهاً إلى مدخل القسم دون أي عناء وكل ما يدور بذهني سؤال – لولبي – كيف سأتحمل هذه النوعيات الفضائية؟
أستوقفني عند باب القسم فرد شرطة أخر ولكن بزي مدني – مخبر – وهنا كان علي الاستعداد نفسياً لكم من الاقاويل والاسئلة لا حدود لها، بالطبع هذا الرجل كمثل باقي الفصيل، مقتنع بأنه وزيراً لداخلية القسم وليس مخبراً – مع احترامي للسادة المخبرين .
وبدأت الاستجوابات:
- عاوز مين يا أستاذ
أنا: عايز أقابل رئيس المباحث .
- بس هو غالبا مش هنا .
أنا: غالبا مش هنا ؟ يعني حضرتك شوفته خارج ؟
- أه أنا شايفه خارج بحملة من خمس ساعات كده .
شعور بالصدمة وصداع مفاجئ وزغللة في العين، ويبدو إنها أعراض أرتفاع في ضغط الدم .
أنا: يا سيادة الباشا أنا عايز أقابل البيه رئيس المباحث ضروري .. يا توصل لحد مكتبه تشوفه موجود ولا لاء يا تسيبني أدخله أنا بنفسي .
- أنا مباخدش أوامر من حد .. أحنا اللي بندي أوامر.
وهنا شعرت باقتراب لحظة الانفجار المعتادة قائلا لنفسي – شكلها هتبقى ليلة مهببة – فحاولت السيطرة على أعصابي وتحدثت بكل هدوء للمخبر:
- أنا فلان الفلاني .. لو مادخلتش دلوقتي لرئيس المباحث هبلغ مدير الأمن وهتبقى مشكلة .. ياريت بقى تقولي مكتب سيادته فين لو سمحت .
يبدو أنه لم يستوعب الحديث جيداً أو ظن الأمر تمثيلية أو ما شابه فقال:
- طيب وريني كارنيهك .
برغم قناعتي انني لو قدمت له – كارنيه نادي – سيمرره دون فهم، حرصت أن أظهر له ما طلبه حتى أنتهي من هذا – الهري – اللعين .
نظر إليه المخبر ونظر الى وجهي بدقة وكأنه يتحقق من الصورة فأبتسمت قائلاً :
- أنا بضحكلك أهو علشان تقتنع أني صاحب الصورة .. لاحسن تقولي دا بيضحك وأنت مكشر.
فأشار المخبر الى مكان مكتب رئيس المباحث من مكانه، طالباً مني الدخول بشرط عدم التأخر داخل القسم لأجراءات أمنية مشددة، وأنا كالعادة لم أبالي بالحديث وأنصرفت متجهاً إلى سلم القسم .
وصلت إلى مكتب السيد رئيس المباحث فوجدت مخبراً أخر جالساً أمام مكتبه – يادي اليوم الأسود .. هو القسم دا مافيهوش غير مخبرين؟ – فسألته أنا هذه المرة :
- رئيس المباحث موجود لو سمحت؟
فأجاب المخبر :
- أيوه موجود .. عايزه في ايه؟
أنا : انا فلان الفلاني .. عايز أقابله في موضوع مهم .
- ماشي هقوله .. بس لو ليك حد ممسوك أنا ممكن أتوسطلك وأخرجه وأنت كلك نظر .
أنا : أنت واقف على مكتب رئيس المباحث تخطف الزباين؟ بقولك دخلني لرئيس المباحث لو سمحت.
- براحتك بس خللي بالك أنا كنت هخدمك .. الباشا بتاعنا ما بيخدمش حد .. وهتطلع من عنده أيد ورا وأيد قدام وتقولي كان عندك حق يا ناصر .
انا : ماشي يا ناصر .. أدخل بقى للباشا وقوله أننا عايز أقابله.
وبعد جلسة مع رئيس المباحث ومعرفة أسباب أحتجاز المواطن والتي كانت بناءًا على تحريات خاطئة من المخبرين وأنه تم اطلاق سراحه قبل حضوري للقسم، سردت له ما رأيته منذ قدومي للمكان وحتى مقابلته، ومغامراتي مع السادة المخبرين، أخبرني بأنه عرف أخيراً لماذا لا يقابله أحد منذ قدومه للقسم.
الأمر لم يكن غريب بالنسبة لي، خاصة وأنني أعلم جيداً ما لا يعلمه السادة – البشوات – عن مخبرين وافراد شرطة يستغلون – الميري – في جني المزيد من المال – الاتاوات – والاعمال الغير مشروعة، والتي قد تصل إلى تجارة السلاح والمخدرات والتستر على البلطجية، تحت مسمي – المرشدين- هذه اللقب الذي كثيرًا ما يسعى إليه المجرم لتخليص أموره.