رغم تقرير صندوق النقد الدولي
نمو الاقتصاد المتوقع لن يتأثر.. والخبراء يكشفون نظرات تفاؤلية بالمستقبل
أصحاب المحال التجارية: الإقبال مازال محدود والركود يزيد الخسائر
مواطنون: الأسعار والفواتير وراء عزوفنا عن الشراء
ضعف القوة الشرائية يرجع لوجود 26% تحت خط الفقر
الحكومة تعاني عجز اجتماعي في توصيل الخدمات للمواطنين
ارتفاع أسعار السلع الأساسية 13.5% ساعد على ضعف الطلب بالأسواق
نسب الشراء لا تتعدى الاحتياجات الأساسية
سالي إسماعيل - محمد صبيح
رغم أن الاقتصاد المصري ينمو بنصف طاقته الحالية، إلا أن معدلات النمو الاقتصادي المتوقعة لمصر للعام المالي 2014 - 2015 والبالغة 2.3% لن تتراجع نتيجة تخفيض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.3% ضمن تقريره، الذي أصدره مؤخرًا، كما أن توقعات النمو خلال الفترة متوسطة الأجل على مدار السنوات الثلاث القادمة لن تتأثر أيضـًا جراء هذه التوقعات، بحسب وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، الدكتور أشرف العربي.
وتوقع الوزير أن يكون الصندوق إيجابيًا في تقييمه للاقتصاد المصري - خلال زيارته نهاية العام الجاري - في ظل إصلاح منظومة الاقتصاد المتبعة حاليـًا رغم وجود العديد من التحديات تواجه الاقتصاد والمالية العامة.
وكان صندوق النقد الدولي، قد خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي للمرة الثالثة إلى 3.3% للعام الحالي بدلا من 3.4% خلال 2014 بجانب توقعه للعام القادم أن يحقق معدل نمو نحو 3.8% مقابل 4%، محذرًا من ضعف النمو في الدول الرئيسية في منطقة اليورو وفي اليابان وأسواق ناشئة كبيرة مثل البرازيل.
ويشكل ذلك تاسع خفض في 12 تقريرًا للتوقعات من الصندوق في السنوات الثلاث السابقة مع مبالغته بشكل متكرر في مدى تسارع وتيرة تعافي الدول الغنية من مستويات الديون ومعدلات البطالة المرتفعة في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2007-2009.
فيما كشف خبراء الاقتصاد عن نظرة تفاؤلية للفترة المقبلة، مؤكدين أن هناك بداية انفراجة وانتعاش اقتصادي سيشعر بها المواطن قريبـًا، محددين أولويات الحكومة لمواجهة الركود العالمي والأزمة الاقتصادية التي بدت تلوح في الأفق بدول الاتحاد الأوربى والولايات المتحدة الأمريكية،
كما أكد الخبراء أنه لابد من الاعتماد على خطة متوسطة الأجل تستهدف في المقام الأول خفض العجز في الموازنة العامة والدين المحلى والخارجى.
من ناحية أخرى، سيطرت حالة من الركود النسبي على الأسواق وعلى السلع غير الأساسية بشكلٍ خاص، حيث توقفت حركة البيع والشراء في عدد منها، مما اضطر عددًا من أصحاب المحال التجارية اللجوء إلى تقديم تخفضيات إضافية - وصلت في بعضها إلى 65% - لكن دون جدوى، فمازالت نسب الشراء لا تتعدى الاحتياجات الأساسية.
ورغم محاولات الجهات المعنية وبخاصة وزراة التموين والتجارة الداخلية في محاربة طبقة المنتفعين - والتي استغلت رفع جزء من الدعم في زيادة الأسعار بشكل مبالغ فيه - إلا أن شبح الركود مازال متحكم أساسي في حركة البيع.
من جهتهم، أكد أصحاب المحال التجارية أن الإقبال مازال محدودًا عكس توقعاتهم خاصة بعد وعود المسئولين خلال الفترة الماضية بإنعاش الاقتصاد، الأمر الذي أرجعه أصحاب المحال إلى استمرار ركود الحالة الاقتصادية وضعف القدرة الشرائية.
أضافوا أن خسائرهم أصبحت متراكمة على مر السنوات الماضية عقب ثورة 25 يناير، ولكنها تتزايد يومـًا بعد يوم، مؤكدين أنه حتى الأوكازيون فشل في جذب المواطنين.
بينما رأى عدد من المواطنين - التقت بهم "المشهد" - أن ارتفاع الأسعار خلال الفترة الماضية ساهم في عزوفهم عن الشراء، فضلاً عن أن مشترياتهم لا تتعدى متطلباتهم الضرورية فقط، مؤكدين أنهم ابتعدوا تمامـًا عن شراء السلع المعمرة أو السلع ذات مخزن القيمة كاقتناء الذهب أو الوحدات العقارية كنوع من الاستثمار نتيجة ارتفاع أسعارهم وضعف مرتباتهم.
كما فضل عدد من المواطنين العاديين، الابتعاد عن شراء الأشياء الثانوية، نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة التزاماتهم من فواتير الكهرباء والغاز والضرائب الباهظة، وارتفاع تكلفة النقل والمواصلات.
من جانبه، قال الدكتور عبدالمنعم السيد الخبير الاقتصادي، إن هناك عدة عوامل ساعدت على تقليص حجم التبادل السلعي في مصر، يأتي على رأسها زيادة أسعار السلع الأساسية بنحو 13.5% وزيادة معدلات التضخم بالتزامن مع تخفيض الدعم، لافتـًا إلى أن مصر تشهد خلال المرحلة الراهنة، بداية انفراجة وانتعاش اقتصادي، لامست أثره الشريحة المتوسطة وما فوقها من المجتمع المصري.
أوضح أن نسبة المصريين تحت خط الفقر في مصر تقدر بنحو 26%، لافتـًا إلى أن تلك النسبة هي الرسمية، وإنه هناك 25% من المصريين يتأرجحون بين الشريحة المتوسطة وشريحة الفقراء في مصر وهم الحرفيين والذين يعملون بشكل موسمي.
كما اعتبر الخبير الاقتصادي، أن تلك العوامل من أهم أسباب ضعف القوى الشرائية للمصريين بجانب ما تعانيه الدولة من عجز بالموازنة وما يعانيه المجتمع من عجز اجتماعي بسبب سوء توزيع الدخل.
تابع: المشكلة في مصر ليست في معدلات النمو، وإنما في التوزيع العادل بحيث يصل لمستحقيه، أي أن هناك عجز اجتماعي بجانب عجز الموازنة، فنجد بند التعليم في الموازنة العامة للدولة زاد من 65 مليار جنيه إلى 107 مليار جنيه دون أن نلاحظ أى تغيير ملحوظ في مستوى التعليم في مصر أو في استقبال المدارس والجامعات للعام الدراسي الجديد.
كما أوضح أن أي زيادة في مخصصات الوزارات الخدمية يتم إهدارها على شاكلة مكافآت وزيادات رواتب ولا تطرق إلى أساليب التطوير الحديثة أو تفعيل آليات تكنولوجية لخدمة المجتمع.
قال الدكتور عبد الرحمن عليان الخبير الاقتصادي، إن خطة التحفيز الاقتصادى التي اعتمدتها الحكومات السابقة تعد الحل الأمثل لمواجهة الأزمات الحالية، موضحـًا أن الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية لجأت إلى مثل تلك الخطوة لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية التي مرت بها خلال عام 2008.
تابع: أن أوربا تسعى إلى إقرار تطبيق الرقابة المصرفية في دول منطقة اليورو وفى الوقت نفسه تسير اليونان على الطريق الصحيح للخروج من أزمتها من خلال عدة حزم تحفيزية والمساعدات الأوربية، وعلى جانب آخر فإن مصر إحدى دول حوض البحر المتوسط يجب أن تنتهج خططـًا تحفيزية تمكنها من تعويض الخسائر التي أصابتها منذ ثورة 25 يناير 2011، وسد الفجوة التي تسبب فيها تراجع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
أكد أن الأحداث الأمنية والسياسية التي مرت بها مصر ساهمت في انخفاض الإيرادات الحكومية نتيجة تخوف الاستثمار الداخلى المحلى وتراجع الاستثمار الأجنبي بشدة.
أضاف أن الجهات التي يمكن أن تتوجه إليها الاستثمارات الحكومية كثيرة لكنه يمكن بشكل سريع وعلى المدى القصير إعادة تشغيل نحو 4 آلاف مصنع معطل بسبب ظروف التمويل وإعادة جذب الآلاف من فرص العمل والأيدي العاملة، بالإضافة إلى الاستفادة من مصادر التمويل المتاحة وهى المصادر الطبيعية كالصكوك أو البنوك وشهادات الاستثمار بالإضافة إلى الأموال التي تضخها الدول العربية لمساندة مصر على الخروج من الأزمات الاقتصادية.
أكد الدكتور شريف دلاور الخبير الاقتصادي، أنه نحو 25% من الموازنة العامة للدولة موجهة في الأساس لسداد مرتبات وأجور 6 ملايين موظف بالجهاز الإداري للدولة، بالإضافة إلى أنه لا يمكن تخفيض تلك المرتبات في ظل التضخم التي يتزايد بشكل متسارع ويعانى منه جموع الشارع، موضحـًا أن الموازنة العامة للدولة لا زال بها العديد من الأزمات والمشكلات على الرغم من الخطوات التي اتخذتها حكومة المهندس إبراهيم محلب مؤخرًا.
أكد - دولار عبر تصريحاته - أن الأسس والضوابط اللازمة لمواجهة الركود الاقتصادى العالمي وحماية الاقتصاد الوطنى في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية والأوربية، ستكون عبر خطة متوسطة الأجل تستهدف في المقام الأول خفض العجز في الموازنة العامة والدين المحلى والخارجي، موضحـًا أن خطته لإصلاح الاقتصاد المصري تقوم على إصلاح الجهاز الإداري للدولة من خلال تحقيق درجة عالية من اللامركزية مع إمكانية تحقيق حق التمويل المحلى والتشريع المحلى بالأقاليم الاقتصادية السبعة.
لفت إلى أنه لابد من تعديلات تشريعية وتقييم للثروات وفرص الاستثمار بالمناطق الاقتصادية من خلال جدوى اقتصادية مع إيجاد فرصة للتمويل البنكى والمصرفى للمشروعات وتوفير فرص السداد على أن يكتفى كل إقليم بموارده وثرواته بينما تكفل الدولة الأقاليم الفقيرة من خلال إعانة لسد العجز، مؤكدًا أن خطة اللامركزية بالأقاليم السبعة ستتكفل بأجور 3 ملايين موظف بالمحليات يمكنهم الحصول على مرتبات عالية مناسبة.
تابع بأن الخطة تضع في الاعتبار عدة أهداف قومية منها هدف الأمن القومي وتلبية الاحتياجات العاجلة للمواطنين وهدف استمرارية النمو، أي الخطة التي تستهدف إحداث التوازن الصعب بين العناصر الثلاث الخاصة، بالدفاع والاستهلاك والاستثمار.
من جهة أخرى، قال سعيد السماط تاجر بسوق الجملة للخضروات بالسادس من أكتوبر، إن الوضع العام من نواحي البيع والشراء منذ ثورة 25 يناير 2011 أصبح يرثى له، فلم يعد هناك إقبال كسابق العهد من تجار التجزئة للحصول على كميات كبيرة من الخضروات وبيعها للمواطنين.
أضاف: أصبحت بعض أصناف الخضروات لا نجد زبون لها بالفعل ومن ثم يتأخر بيعها يوم على يوم حتى تدخل ضمن الهوالك، موضحـًا، أن الحركة ضعيفة ًجدا ومعدل دوران السيولة أصبح بطئ جدًا في السوق وهو ما يكلف التجار تحمل عبأ المزيد من الخسائر اليومية.
لفت إلى أن تجار التجزئة يشكون دائمـًا من ضعف القدرة الشرائية لدي المواطن المصري، وتناقص كميات الاستهلاك عن ذي قبل مشيرًا إلى أن المواطن الذي كان يشتري كميات من بعض الخضروات القابلة للتخزين، لم يعد يشتري نفس الكميات وإنما يشتري احتياجاته الضرورية فقط.
أرجع السماط هذا الركود في حركة البيع والشراء، إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خاصة بعد تخفيض الدعم عن المحروقات الذي رفع تكلفة النقل وساهم في زيادة جشع بعض التجار باتخاذه ذريعة لزيادة الأسعار بشكل كبير مبالغ فيه.
أضاف أن هناك احتكار في مصر من قبل بعض رجال الأعمال على استيراد البذور والسماد والكيماويات المعالجة للزراعة، وبالتالي يتحكمون في زيادة أسعارها عام عن عام، وفي بعض الأحيان يطالبون أصحاب المزارع شراءها منهم بالعملة الصعبة "الدولار" شريطة الحصول على تلك الأنواع من البذور، ما يدفع المزارعين إلى رفع أسعار الخضار في محاولة منهم لتعويض تكلفة الإنتاج وتحقيق هامش ربح.
وأوضح سعيد السماط أن حل تلك المشلكة يستوجب تدخل الحكومة في اتجاهين متوازيين، وهما ضرورة توفير كافة الإمكانات والمساعدات المحلية للمزارعين بجودة جيدة وأسعار مناسبة للحد من تحكم المستوردين في رفع أسعار السوق، إضافة إلى تفعيل الدور الرقابي على الأسواق لضبط الأسعار ومواجهة معدومي الضمير.
على نفس السياق، قال ياسر عمار مسئول أحد فروع أولاد عمار ماركت، إن حركة البيع والشراء أصبحت تتحسن عن فترات سابقة ولكنها لا تزال محدودة، خاصة بعد زيادات الأسعار المتتالية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وما زاد الأمر سوء هو اتخاذ الحكومة قرارات مست الشريحة الأكبر من المجتمع وساعدت في التضييق عليهم فيما يخص خفض دعم البنزبن والسولار الذي تستخدمه الناقلات فساهم في زيادة أسعار غالبية المنتجات.
أضاف: أن الزبائن لم تعد لديهم سعة شرائية كبيرة إلا في حالة العروض التي توفرها الشركات لدينا، أما الاستهلاك العادي أصبحت الزبائن تلبي حاجة يومها بالكاد دون التطرق إلى تنوع المنتجات أو الحصول على المزيد من المنتجات التكميلية.
أوضح عمار أن الدخول أصبحت أكثر من الفترة الماضية، ولكن قيمته قليلة بجانب أسعار المنتجات، قائلاً: "الفلوس مبقاش فيها بركة"، على حد تعبيره.