بعد أن أصبح فيروس "إيبولا" وباءً قضى على أكثر من 4500 شخص في جنوب إفريقيا وتم تسجيل إصابات منه في إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، بات من الطبيعي أن يخشى الصحافيون تغطية المناطق التي ينتشر فيها الوباء أكثر من خشيتهم تغطية الحروب، خصوصاً أن الوباء ينتقل من شخص إلى آخر من طريق العدوى بسرعة.
وأكدت الصحافية كلير أيدون التي عادت من غينيا في مهمة تابعة لـ"راديو فرنسا الدولية" هذه الفرضيّة، موضحة ان "الحصول على صحافيين مستعدين للذهاب إلى العراق أو إفريقيا الوسطى أسهل من العثور على من هم مستعدون للذهاب إلى غرب افريقيا"، معزيةً ذلك إلى "هواجس وأوهام حول الوباء".
وأوضحت مساعدة رئيسة التحرير لفرع أوروبا وإفريقيا في وكالة "فرانس برس" صوفيا بودربالة أن "بعض الصحافيين المعتادين على تغطية النزاعات لم يتطوعوا لتغطية "إيبولا" لدواعٍ عائلية"، مضيفةً أن "إيبولا" "خطرٌ غير مرئي فيما في ساحة الحرب يمكن تفادي المناطق الأكثر خطورة فيها".
وأكد رئيس تحرير القسم الدولي في وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية جون دانيزوسكي أن "هذه المواضيع تثير حالة توتر حادة لأن الصحافيين لا يرون العدو".
الوقاية في التغطية
بعد وصولهم إلى المناطق التي ينتشر فيها الوباء، يتجه الصحافيون مع الطاقم الصحي وعاملي الإغاثة الى أخطر بؤر انتشار الفيروس ويتبعون الإجراءات الصحية التي تشمل استخدام القفازات والأقنعة والغسيل المتكرر لليدين بالكلور وإجراء المقابلات من مسافة آمنة.
وروى الصحافي في "فرانس برس" مارك باستيان إثر عودته من تغطية الحوادث الناتجة من الوباء في مونروفيا أن "القاعدة الرئيسة تنص على أن لا نلمس شيئاً أو أحداً لمدّة أسبوعين"، وأوضح: "أخذنا معنا ليترات من المواد المطهرة حين غادرنا وقمنا برش أحذيتنا بماء الجافيل وغسلنا يدينا 40 أو 50 مرة في اليوم".
وأضاف باستيان أن "المصورين الصحافيين استخدموا عدسات يمكن تشغيلها من بعد لتصوير المرضى"، وقال: "أجريت مقابلة عن بعد ثمانية أمتار واضطررت لرفع صوتي إلى حد الصراخ".
وشرح باستيان أن "العمل في مناطق انتشار "إيبولا" ممكنٌ تماماً"، مؤكداً أن "الأمر يضعك أمام مأساة ويشعرك بضغوط كبيرة، لكن يمكن القيام به من دون التعرّض للخطر".
وأكد مساعد مدير قسم إفريقيا في إذاعة "راديو فرانس" الدولية ايف روكل أنهم يسجلون الصوت عبر استخدام ميكروفوناً مركباً على عصا، ونتجنب الاحتكاك".
وأكد غيوم لوتيلييه الذي ذهب إلى غينيا في مهمة لشركة "إيليفانت" للإنتاج أنه "عند العودة، ينبغي المواظبة على قياس حرارة الجسم على مدى 21 يوماً، وهي فترة حضانة الفيروس. وفي هذه المرحلة يثير أي عارض قلق الصحافي".
ولا تقتصر الصعوبات التي يواجهها الصحافي إثر تغطيته مناطق انتشار "إيبولا" على تعريض نفسه للإصابة بالوباء، بل تتعداها إلى مواجهة بعض المواقف المربكة مع بعض الأصدقاء أو الزملاء الذين يخشون الاقتراب ممّن كانوا في منطقة انتشار الوباء.
وروت مقدمة البرامج في قناة "بي بي سي" فيونا بروس لصحيفة "تيليغراف" أن "خبيرات الماكياج يخشين العمل مع ضيوف عادوا من غينيا".
المراسلين
اختلفت مؤسسات الإعلام الكبرى في التعاطي مع فكرة وضع صحافييها العائدين من إفريقيا تلقائياً في الحجر الصحي لمدة 21 يوماً، فوكالة "فرانس برس" وقناة "بي بي سي" عارضت هذا الإجراء.
وصرحت مديرة الأخبار في "فرانس برس" ميشال ليريدون أن "صحافيينا اتبعوا إرشادات الحماية الصارمة على الأرض، لذلك هم لا يشكلون أي خطر على محيطهم نظراً إلى غياب عوارض المرض".
وقال الناطق باسم "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) إنه "لم تفرض المؤسسة حجراً على الصحافيين ويمكن لمن لم تبدُ عليهم عوارض الوباء دخول مكاتبنا".
في المقابل تطلب وكالة "أسوشييتد برس" تلقائياً من صحافييها العائدين من إفريقيا أن يلزموا المنزل لمدة ثلاثة أسابيع، وفق رئيس تحرير القسم الدولي في الوكالة الذي أكد أنه على المراسلين العائدين البقاء في منازلهم منعزلين"، موضحاً أن "من لا تبدو عليه الأعراض غير معدٍ، لكننا نريد تجنب أي خطر".