05 - 05 - 2025

العميان يبصرون بعيون غيرهم

العميان يبصرون بعيون غيرهم

وقع الحكام العرب فى فخ المخابرات الأمريكية، التى أدعت كذبا أن العراق يمتلك اسلحة دمار شامل، وبعد تدمير العراق، وقتل أكثر من مليون عراقى، وإشعال حرب أهلية لا تزال مستمرة على أرضه، وتقسيمه، بعد كل ذلك تعلن المخابرات المركزية الأمريكية أنها أخطأت وأن العراق لم يكن به أسلحة دمار شامل، نضرب بذلك مثلا على من يرى بعيون الآخرين، وهو ما يطرح سؤالا حول الكيفية التى يرى بها الرؤساء أحوال الشعوب، والكيفية التى ترى بها الشعوب حكوماتها.

عندما يجلس الرئيس على كرسى العرش بعد صراع على السلطة، يحرم هذا الرئيس من نزول الشوارع، ولا تكون لديه القدرة مهما أوتى من قدرة على التحقق من جميع الملفات التى تحتاج إلى عنايته، ومن ثم يبدأ فى اختيار معاونيه ليساعدوه، فتعمل تقارير المخابرات باعتبارها عيون الرئيس على الشعب، وعلى قضاياه ومشاكله، ولا شك أن أجهزة المخابرات تتكون من بشر لهم نزوعهم وانتماءهم، واختياراتهم، التى تتدخل بنسب متفاوتة فى التقارير التى تصل إلى الرئيس، وبذلك تصل التقارير مغموسة بصياغات شخصية، قد تنحرف أحيانا وبدرجات متفاوتة عن الصواب، وبهذا يرى الرئيس صورة منحرفة وغير حقيقة أو منقوصة  بصورة أو بأخرى، وربما أراد الرئيس أن يتعرف على الصورة عن قرب فيلجأ إلى الصحف أو وسائل الإعلام لمتابعة المواقف، لكنه فى هذه الحالة سيرى بعيون الإعلام الذى توجهه الحكومة والمخابرات وأجهزة الأمن وأصحاب هذه الوسائل الإعلامية.

شيئا فشيا ينعزل الرئيس، وتعمل أجهزته على عزله عن الناس وقضاياهم الحقيقية، وربما يفسر هذا البدايات الجيدة للرؤساء، التى تتحول بعد أن يزمن الرئيس فى السلطة إلى نهايات مؤسفة، برغم نواياه الطيبة، وتطلعاته إلى عالم أفضل.

لقد لف الغموض المشهد المصرى منذ 25 يناير وحتى هذه اللحظة، فقد شاهدنا مقاطع فيديو فى التليفزيونات والنت لكثيرين يطلقون النار على المتظاهرين، وتم تبرئة الجميع، دون توجيه اتهام لآخرين، وسمعنا وعودا عن العدل سرعان ما تلاشت، وعودة الأموال المنهوبة، ووعودا عن النظافة، وتطوير المستشفيات، والتعليم، والإعلام، والكهرباء، وغيرها من المرافق لكن شيئا من تلك الوعود لم يتحقق، وربما كان الدليل البسيط الواضح على صدق ما أطرحه تراكم اكوام القمامة تحديدا أمام مدارس محافظة الجيزة، ولا أدرى إن كان هذا مقصودا أن يقترن التعليم بالزبالة!

لف الغموض المشهد المصرى وبرغم ما شاهدناه بأم أعيننا لم تتطرق الحكومة إلى كشف حقيقة واحدة، لا حكومة عصام شرف، ولا الجنزورى، ولا شفيق، ولا قنديل ولا حتى محلب، الذى تصور أن وظيفة رئيس الوزراء تشبه وظيفة ملاحظ الأنفار، فبين يوم وآخر يفتعل مشوارا إلى مكان ما لكى يظهر باعتباره متابعا لكل صغيرة وكبيرة فى البلد، وهى حيلة يلجأ إليها المحافظون ذوى الخلفبات الأمنية، الذين يتخفون فى جلابية وينزلون إلى السوق، وسرعان ما يكتشف أحدهم أنه المحافظ "متخفى فى نضارة" فيشيع فى المحافظة أنه المحافظ المنتظر الذى قد يأتيك متخفيا فى أية لحظة، والسؤال البسيط هو: هل نزل محلب أمام مجمع مدارس العمرانية الذى يستخدم مقلبا للزبالة، هل تجول فى شوارع بولاق والعمرانية، هل دخل ستوديوهات ماسبيرو القذرة والخربة، هل رأى الشحاذين يتكاثرون كالبيكتيريا فى كل مكان، وهل لاحظ جهاز المخابرات المصرى أن رصيد القيادة يتآكل لأن الناس تسمع كلاما وضجيجا ولا ترى طحينا، لماذا لا تعلنون الحقائق، هل لأنكم تجهلونها، أم لأنكم تخافون منها!

سيادة الرئيس سد الفجوة بينك وبين الناس، وتحقق من متابعة القرارات وتنفيذها، فأنتم تقولون كلاما، ونحن نرى العكس يتحقق.

سيادة الرئيس، لا أمن دون عدل، حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر، وعندما نراك نائما تحت شجرة، ولو فى القصر الرئاسى، يومها سنعرف أن شيئا ما تغير.

سيادة الرئيس الجيش والشرطة مؤسسات يعمل بها بشر، يصيبون ويخطئون، فحاسبوا المخطئين، وكافئوا المصيبين، فهم يفترض بهم أن يكونوا القدوة فى تطبيق القانون لا كسره.

سيادة الرئيس، الإعلام الموجه غير الحر أكثر شرا من الإعلام الحر بالنسبة لكم، فالأول يخدع الشعب، والثانى يخدع الشعب والرئيس.

سيادة الرئيس، لا تتخذوا من الجيش فحسب بطانة لكم، ولكن أبحثوا عن المخلصين لله والوطن ولكم، وهم موجودون، لكى تروا بعيون المخلصين، والمنتمين للحق، وللشعب وللوطن.

أما الشعوب، فهى لا ترى إلا ما يتحقق على الأرض، فلقد فقد الناس الثقة فى وسائل الإعلام، بعدما شاهدوا المذيع يقول الكلام فى عصر، وعكسه فى العصر الذى يليه، وربما فى اليوم الذى يليه، وعرف الناس الصحفى المتلون بلون الصحيفة التى يعمل بها، وبعدما عرفوا أن ولاء وسائل الإعلام تابع لمن يملكونها، وليس إلى مصلحة الشعب أو الوطن، الناس يرون بعيون بطونهم الخاوية، ويعرفون أن مصالحهم لا تزال تقضى بالمحسوبية أو بالرشا، أو بشق الأنفس، أو لا تقضى، وأن الفساد لا يزال يتراكم، فالحزب الوطنى قد عادت رؤوسه تطل وتتجهز للانتخابات، كما تفعل ميرفت التلاوى فى المجلس القومى للمرأة، وكما يقوم المحافظون الآن بقيادة عادل لبيب بمتابعة التنسيق مع الحزب الوطنى.

هكذا يجب أن نسوق الأشياء عارية، ونقول "اللهم قد بلغت اللهم فاشهد"، فلا وقت للمجاز ولا المجاملة، فلقد وصل الانحطاط والتسطيح مستويات عليا فى استبلاه الناس، ومنعهم حتى من الحلم.

إن الشعب المصرى لم ينزل بالملايين فى 25 يناير لكى يسلم السلطة إلى طنطاوى، ولم ينزل بالملايين فى 30يونيو لكى يخلع الأخوانويولى السيسى، لقد نزل فى المرتين ليقوم بثورة على القهر والفساد والظلم، والمحسوبية، والفقر، وسوء استخدام الموارد وتوزيع الثروة، وعدم استقلال القرار السياسى السيادى، ثار على تردى التعليم والصحة والإعلام، والجامعة، والبنية التحتية، وكل ما يتعلق بتفاصيل حياته اليومية، ثار الشعب على الإخوان لأنه أراد استكمال ثورته، وليس التوقف بها عند حملة أمنية ضد الإخوان، لم تترافق مع العدالة بكل معانيها، فكأنما ثرنا ضد الإخوان لكى تتوقف ثورة العيش والحرية والعدالة.

أنتم تعرفون أن الأمم تنهض عندما يلتحم الشعب بقيادته، ولكى يحدث هذا لا بد أن يصدق هذه القيادة ويثق بها، ولا بد ان تكون وسائل الاتصال بينهما لا تشويش عليها.

أنتم تعرفون أن مصر غنية بأكبر عشرين منجم للذهب فى الصحراء الشرقية، يمكنها أن تحول مصر خلال سنتين إلى دولة غنية قادرة.

أنتم تملكون نصف آثار الدنيا، ومقومات سياحية لم يعطها الله لبلد آخر.

أنتم تملكون شعبا عانى كل الصعاب، قدرته عظيمة على التحمل، فاستخدموه فى تحمل مشاق العمل، وليس تحمل ويلات الظلم والفساد.

##

مقالات اخرى للكاتب

العميان يبصرون بعيون غيرهم