حاول معى كثيرا ولم ينجح فتخمرت فى ذهنه فجأه فكره عرضها علىً ساعه صفا فوافقت عليها دون تردد قال هات كتبك وصحفك ودفترك وقلمك واذهب الى الارض بعدصلاه الفجر لتحرس "شجره الجوافه" واقرأ على راحتك احسن من قعدتك هنا ولعب الكوره الذى لم يعد يجدى وخصوصا وقد خربت الاخلاق وزادت الخناقات واعمال الشغب ، راقت لى الفكره وشرعت فى تنفيذها صباحا واخذت امشى الى ارضنا التى تبعد عن البلده مسافه طويله حتى وصلت مع شقشه الصباح وزقرقه العصافير وحبات الندى تتساقط كحبات اللؤلؤ المتناثر واوراق الشجر المتساقط على الارض يضئ عندما تلمسه قطرات الندى وتغسله من الاتربه العالقه به ، اخذت اتحسس مكانى و فرشت بقطعه قماش قديمه اعطتها لى امى وهى توصينى عندما مغادره البيت وتناولنى الفطور بان ليس لى علاقه باحد ...... لا اقول لكم على عبق المكان ورائحته الفواحه التى تخطف الالباب شجرتا توت على راس الارض كانهن الحارسان الامينان للارض واحده واقفه على الجانب الايمن من الارض والاخرى بالجانب الايسر
ومن امامهم السكه الزراعيه وامامها قناه لسقايه الاراضى على الجانبين
وخلف الاشجار بالوساده مزروع بعض الخضروات الصيفيه باميه وباذنجان بانواعه وجرجير و..... ثم تجد صف بعرض الارض به شجر الجوافه ومن خلفه صف آخر ايضا
متنوعه منها المستديره كالقمر ليله تمامه ومنها الطويله الشامخه ومنها الوسطيه لاهى الى ذلك ولا الى تلك ومنها من تفتحها تجدها ملونه ومنها العاديه التى نعرفها
الرائحه تغمر المكان وثمرات الجوافه ناضجه تقع لوحدها على الارض ومنها ما ان تلمسها حتى تجدها بيدك كانها تناديك وتقول لك اين انت من زمان ؟
ومنها من فى شرخ الشباب عليك بانتظارها حتى تكتمل على نهايه اليوم
ومنها الخضراء العجفاء التى تحتاج رعايه وحمايه حتى تستوى
افردت صحيفتى وقد صارت رطبه من جراء الندى المتساقط ووضعت الفطور امامى وتناولته و بعضا من ثمرات الجوافه وانتهيت من الفطور والصحيفه فشرعت فى قراءه كتاب معى ... سمعت وقع خطوات من بعيد حيث بدا قدوم بعضا من الفلاحين الى اراضيهم هذا يمشى ومن خلفه بهائمه و..........وذلك يركب عربيه حديديه وبالخلف تقبع زوجته واولاده............
عندما اشرقت الشمس بنورها الآخاذ وبدأت رويدا رويدا تقترب وتزداد جمرتها بدا النوم يباغتنى وانا احاول التملص منه لكن هيهات وقعت فريسه له وانا اسمع وقع الاقدام واصوات الفلاحين وعواء الحيوانات و الكتاب بحضنى ومن فوقه الصحيفه تخروش يضرب الهواء صفحاتها المغلقه فتطاير وتعاود الركود مره اخرى ......
لم اصحى الا على صوت الشجره تأز منه وتشتكى مندهشا شبه صاح وشبه نائم وراسى تلف فاذا باحد الفلاحين يعافر لحصد بعض الثمرات التى على وشك النضوج فيقتلعها قسرا وهى تأبى الا تكون له وكأنها تستغيث بى وتسألنى هلا جئت هنا حارسا ام نائما ؟!!!..قبل ان انبث بكلمه قال (انت جاى تنام هنا انا باخد كم جوافه كده للعيال معى هنا )...ليس بالطويل ولا القصير وسطى بينهما اسمر البشره ويغطى راسه بمنديل يشف عن صلعه باعلى جبهته ويرتدى جلبابا يرفعه لوسطه حتى يسهل له الحركه والسعى على الرزق والحرث بالارض
ما ان انتهى حتى باغتنى وهو يستدير للطريق مغادرا "كمل نومك وخللى بالك من اولاد الشياطين الذين يقتلعون الجوافه قسرا ليس امامهم الا قليلا ويأتون"
وضعت يدى تحت راسى وتربعت واغمضت عينى فاذا بكلماته ترن باذنى فهرب النوم فاعتدلت حتى قدم ابن عمتى واخى وهم يصيحون ويقهقهون فاحضرا بعض عيدان القطن الجافه المتناثره واعواد حطب الذره وجمعاها وعملا لنا شاى بنكهه الارض المصريه الطيبه ..مع غروب الشمس جمعنا سويا الجوافه الناضجه فى "غلق كبير" وحملناها للدار ، سعد الجميع بتلك المهمه الناجحه التى قمت بها واصبحت ذا فائده من وجهه نظرهم بدلا من القراءه ووجع الدماغ
ظللت هكذا طوال الصيف حتى جاء صيف وتركتهم الى بورسعيد تلك المدينه الباسله التى لها مكانه خاصه بنفسى قضيت بها فتره الصيف ورجعت فلاحظت عندما تأتى سيره شجره الجوافه يخفت صوتهم وينظرون لى خلسه عندما اسال يغيرون الموضوع
حتى صممت يوما لازم اعرف فاخبرونى ان اخى الذى يراعى الارض لايهتم بها وقد تعب من المتعدين عليها وانها تشغل مساحات على الفاضى وتظلل الارض وتمنع النباتات من النمو صرخت كيف تتركونه يفعل ذلك ؟
لم يجاوبنى احد
قلت لعلهم يقولون مجرد كلام
تركتهم واسرعت
واخذت اسير مسرعا الى ارضنا
حتى وصلت الى هناك
فوجدتها كالملكه العاريه
من تاجها
ومن غطاء راسها
وبلا عطر يغمر المكان
وشجرتا التوت ذابلتان منكسرتان
كأنهما اعلنتا الحداد
حزنا على شجره الجوافه واخواتها
روحت الشمس وتركتنى وحدى فى ظلام دامس
اتحدث مع نفسى
اذ لماذا لا نبنى ؟
هل لاننا لانريد ان نبذل المجهود الكافى
ام اننا نستسلم للمعوقات التى تقابلنا
ام ترانا نستسهل الهدم والقلع من الجذور؟
حتى لا نوجع دماغنا
وندعى اننا ابطالا
بينما انا كذلك
سقطت دمعه اختلطت بماء الارض المتسرب من القناه التى تشقها نصفين.