لعلنا نتذكر تلك الحالة التى خلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى " قمة المناخ" أثناء كلمته التى القاها أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، وذلك الحضور الثرى لسيادته الذى أعاد التاريخ للورا، وبهتافه الصادق والرزين "تحيا مصر ..تحيا مصر" أهتزت أروقة القاعة من تصفيق حميم يستنفر كل مشاعر الوطنية والإنتماء، وبنفس الكاريزما البِكر التى يتمتع بها الرئيس السيسى والمنبعثة من شخصيته الحازمة التى تحمل بين طياتها مرونة ذكية، يمكنه أن يضفى دائماً وأينما حَل أجواءً مختلفة تعيد لكل المصريين "هالة وإطلالة الزعماء" .
وما يثير الفضول حقاً هو تسلل تلك الكاريزما الى مدى بعيد يصعب تخيله...انها تسللت الى الأعداء .. فماذا عن خصمك عندما يحترمك ويدرك حجم ذكاءك ويتيقين من قدراتك، فتتحول معه اللعبة لجولة ممتعة ؟ هذا حقاً ما حدث ، كل الأطراف الدولية التى كانت ترفض واقع أن يحكم مصر من جديد حاكم يُحسَب على المؤسسة العسكرية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تراجعت خطوة للوراء .
وبعد ان تحققت النبوءة التى طالما قرأها السيسى للعالم وفحواها مدى خطورة الإسلام السياسى الذى يمكن أن ينسحب أثره على العالم بأسره ، أذعن الجميع ثقةً فى رجاحته سياسياً.
وكان لكلمة الرئيس السيسى التى القاها فى مؤتمر إعادة إعمار غزة الذى استضافته القاهرة فى الثانى عشر من الشهر الجارى أثراً غير متوقعاً على الشعب الإسرائيلى ذاته ، فعلى الرغم من أن كلمته كانت من مصر - وليست من الكنيست الذى القى فيه الزعيم الراحل انور السادات كلمته التاريخية - الا انها حظيت بلهفة مماثلة واهتمام من جانب المواطن الإسرائيلى الذى صار ينصت فىى خشوع لخطابات الرئيس المصرى، حيث أبهر الجميع عندما وجه كلمته فى الأساس للشعب وليس للحكومات مناشداً كل ام واب وطفل وشيخ يعيش على تلك الأرض الممزعة بصرف النظر عن هويته فلسطينية كانت أم اسرائيلية، ان يتعايشوا بصيغة يرتضونها سوياً ويوصدوا أبواب التناحر وكفاهم استنشاق لغبار الموتى ...
وصار يقدم لهم بمنتهى السلاسة ثقافة السلام وليس السلام ذاته ، ملوحاً بفرضية تستحق التأمل ألا وهى ....ماذا لو لم تعد اسرائيل عدواً وخصماً للعرب ؟ ماذا عن حق التعايش السلمى لكلا الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى ؟ ماذا عن حقن الدم الفلسطينى والإسرائيلى على حد سواء ؟ ماذا لو أن تحيا اسرائيل بصورة طبيعية مع جيرانها العرب دون الإنحسار فى دور المحتل واللجوء للأروقة المظلمة؟ وأخذ يفترش بساطاً بلون الحرية فى مخيلة كل فلسطينى واسرائيلى بديلاً للأكفان المخضبة بالدماء، فالشعب هو الأقرب للنداء والمناجاه لأنه من يدفع الأثمان الغالية، وما فعله السيسى هو محاكاة لإنسانية هذا الشعب الذى يتطلع فى المقام الاول إلى حماية حقوقه الأساسية، وجاءت رسالته واضحة لكلا الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية لتؤكد على ضرورة أن يعلم الجميع أن الوجبات المجانية غير متاحة فى عملية السلام ، فلكل طرف التزامته وحقوقه المتساوية دون إجحاف أو أفضلية، وعلى اسرائيل ان تعلم ان طريقها الأقصر والأسرع فى تطبيع دبوماسى عربى لا يتأتى إلا مروراً برام الله .
وقد امتلأت الصحف الإسرائيلية بإمتداح الرئيس السيسى واعتباره يتمتع بملكات وهِبات ربانية تؤهله أن يكون زعيماً ليس فقط لمصر ولكن للعرب أجمع ، فهو لا يهوى سياسة الصمت كالأخرين ويتحرك من منطلق بصيرة ورؤية ويمتلك من الجرأة ما يجعله يسير قُدماً ولا يلتفت خلفه ، وتلك هى مواصفات قائد الأوركسترا ، فلكى يضبط ايقاع عازفيه لابد وان يدير ظهره للجميع ، ليس فى استعلاء ولكن استغراقاً فى مهامه دون صخب الإعجاب أو الإنتقاد !