05 - 05 - 2025

ملحٌ ليبرأ| مرض همزة الوصل

ملحٌ ليبرأ| مرض همزة الوصل

من غير اللائق بقارئي أن أجعل مسلمة واضحة يتفق عليها أهل الأدب قراء وكتابا- نتيجة أصل إليها بعد عرض مجموعة من الظواهر على أنها فروض تؤدي بوجودها إلى اكتشاف جبار.. ببساطة.. ليس لدينا نقد، أو لأخفف الأمر: النقد مريض.

في نهاية الخمسينيات أحال العقاد قصائد عبدالصبور التفعيلية إلى لجنة النثر للاختصاص، ورفض اعتبارها شعرًا، وثارت معركة حامية الوطيس بدا فيها دفاع الناقد التقليدي (تبسيط مخل أعتذر عنه) عن ضرورة أن يكون النص عموديًا، وفي المقابل دفاع الناقد الحداثي (ليس تبسيطا مخلا) عن ضرورة التجديد، ضرورة أن يغامر القارئ، أن يتخلى عن جمود الاستماع والتلقي.

من هذه المعركة ظهرت محاولات نقدية جبارة، من معسكرات الطرفين؛ فالمدافعون عن التفعيلة يحتفون بامرئ القيس والمتنبي وأبي تمام والبحتري وشوقي والجواهري، والمدافعون عن النص التقليدي يخرج من بينهم من يترك الحكم للتاريخ، كما فعل الطاهر مكي في كتابه العمدة: "الشعر العربي المعاصر.. روائعه ومدخل لقراءته" فالرجل اعترض وأظهر اعتراضه إلا أنه ترك الأمر للتاريخ.

لكن المفاجأة المذهلة كانت في قيام الدرعمي المكين الدكتور علي عشري. زايد بإخراج كتابه "عن بناء القصيدة العربية الحديثة" مقرا في المقدمة بتواضع العلماء أن ما يقوم به محاولة قليلة - وهي غير ذلك تماما- في عرض تقنيات القصيدة التفعيلية، مع وضع نماذج شعرية والتطبيق عليها، ويشدهك قيام الرجل بالذهاب إلى مصطلحات السينما والمسرح وغيرهما والإتيان بها وشرحها في سلاسة وقصدية ووضح.  

 يضع العالم يده على جوهر الأزمة التي توزع على عناصر ثلاثة: الشاعر (السندباد المغامر)  والناقد (همزة الوصل) والقارئ (المستمع للمغامرة) وفي لفتة عبقرية يستشهد بعبد الصبور الذي يعبر عن محنة السنباد الذي يريد من يستمع إليه أن يصل لكل شيء بالاستماع: "إذا قلت للصاحي انتشيت، قال كيف؟"  

 لن أتحدث عن كتب مندور ولويس عوض ورجاء عيد، لأن اجترار الماضي مؤلم خصوصا مع ما نعانيه من غيبة لعنصر جوهري وركن ركين؟

هل لدينا نقاد نعم؟ هل لدينا نقد؟ لا.. كيف.. ببساطة لدينا أشعة الشمس وليس لدينا الليزر.. لدينا الناقد الكبير محمد عبد المطلب يكتب عن طلل حجازي: هذا كلام يسجد له. لدينا صلاح فضل يتحدث في متمترسا بدولارات النفط عن تشعير اللحظة ويصفق له جمهور بإشارة من مأجور.

أحبائي، هل نفيق؟ هل يكف النقاد عن الأقوال الجاهزة، عن الكلمات التي لا يفهمها من أعطوهم درجات الماجستير والدكتوراه، هل آن الوقت لكي ينظر الناقد للجمهور المنتظر من الجسر أن يقول له: ما هذا؟ ما خصائصه، هل آن الوقت ليقول للشاعر: لم فعلت هذا؟

هل آن للمريض أن يبرأ؟!

##

 

مقالات اخرى للكاتب

رسالة من مثقف مصري لصديقه الغزاوي: ارفق بنا