05 - 05 - 2025

ما وراء مصنع الكراسي

ما وراء مصنع الكراسي

كان الانبهار سيد الموقف ونحن نخطو خطواتنا الأولى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فالبون شاسع بين جامعة القاهرة بقبتها ودقات ساعتها الشهيرة وجلالها وهيبتها ومساحتها الشاسعة بكلياتها وشوارعها وحدائقها وبين المدرسة الثانوية ....كما أن البون شاسع بين ألوان وأشكال الملابس أو بالأحرى الأزياء فى الجامعة والمدرسة.....والبون هائل بين مدرسى ثانوى وأساتذة الجامعة....ناهيكم عن كرنفال السيارات التى تقف أمام الكلية لأساتذة وطلبة وطالبات.....دخلنا الجامعة عام 1973 ونحن نعيش نشوة النصر والثأر بعد أن عبرت قواتنا المسلحة قناة السويس واهالت الساتر الترابى وحطمت خط بارليف وقطعت ذراع إسرائيل الطولى وحطمت أسطورة الجيش الذى لا يقهر...كانت فرحتنا مزدوجة بعبور الثانوية العامة والأهم عبور قناة السويس.

كان من أولى المحاضرات التى حفرت فى ذاكرتنا محاضرة الأستاذ الدكتور محمود خيرى عيسى، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية( رحمة الله عليه) والذى كان يدرسنا مادة المدخل إلى علم السياسة....فوجئنا بأن أمامنا نصف مصرى على نصف خواجة -أو هكذا خيل لنا- جاكت قطيفة لامع جدا تحته قميص متعدد الالوان وبلا كرافتة والبنطلون جينز....لهجته توحي بأنه لم يتكلم العربية منذ فترة طويلة...صوته بالغ الرقة...رحب بنا فى الكلية وقدم لنا التهنئة على نصر أكتوبر وفوجئنا به يقول يا ولاد هقولكم نكتة.....ساد الصمت المدرج رقم واحد....وبدأ صوت الدكتور محمود خيرى عيسى يجلجل ويستعيد عافيته ومصريته وهو يقول النكتة: جولدا تعبت قوى قوى وجابولها الدكتور....كشف عليها قالها جولدا لازم تخدى  حقنة فورا وفى العضل.....ورا يا جولدا...تخديها فى الضفة الشرقية ولا الضفة الغربية....ردت جولدا ممكن يا دكتور تديهالى فى الثغرة......انفجر المدرج ضحكا وتصفيقا.....وبعد المحاضرة دار الحديث حول ملائمة تلك النكتة البعض قال كل شيىء جائز ونحن نتحدث عن عدونا والبعض قال الدكتور التزم ولم يخرج عن حدود اللياقة والبعض اكتفى بإبداء الخجل والبعض عزا الأمر إلى تأثر دكتور خيرى بالمجتمع الغربى الذى عاش فيه فترة طويلة.

تذكرت تلك الواقعة التى حدثت قبل 41 عاما بالتمام والكمال وأنا اتابع الجدل حول تناول صحيفة الأخبار العريقة لتصريحات افيخاى ادرعى، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربى والذى تمطى وتمطع وصرح بأن إسرائيل انتصرت فى حرب 1973(كان من الممكن الاستشهاد بأقوال قادة إسرائيل أنفسهم الذين اعترفوا صراحة وضمنا بما حققه الجيش المصرى من مفاجأة وتفوق مذهل....وكان من الممكن الرد بصور جولدا وهى تصرخ وصور الأسرى الإسرائيليين وصور عساف ياجورى وغيره) و تصدت له الأخبار فنقلت عن مصدر عسكرى مصرى قوله: إسرائيل اعتادت تزييف الحقائق ( كلام حقيقى ومنطقى فإسرائيل مسجلة تزييف وتزوير منذ قيامها عام 1948)

اما مانشيت الأخبار الذى فجر جدلا واسعا فيتعلق برد المصريين على افيخاى ادرعى والذى جاء على النحو التالى: المصريون يردون: اخدناكوا ورا مصنع الكراسي فى 6 ساعات....فالبعض تقبل المانشيت واعتبره منسجما مع قاموس مفردات أيامنا الحالية والأهم انه ينسجم مع وقاحة ادرعى واستهباله. ..والبعض اعتبر المانشيت غير ملائم على الإطلاق ويعبر عن تدني اللغة....والبعض تساءل وهل استطلعت الأخبار رأى كل المصريين لتخرج بهذا المانشيت....والبعض قال وما ذنب الأخبار اذا كانت مفرداتنا أصبحت هكذا.

عن نفسى ضحكت كثيرا جدا وانا اتابع هذا الجدل وفى نفس الوقت بدأت اقلب فى الشبكة العنكبوتية عن حكاية مصنع الكراسي وما وراء ذلك المصنع الكائن بين إمبابة والوراق....الروايات تقول أنه يقع على مساحة شاسعة وأنه تم إغلاقه وتسريح عماله ومن ثم تحول إلى مأوى للأشياء والخارجين على القانون والمدونين والباحثين عن بقعة بعيدة عن العيون ومن ثم ظهرت عبارة( ورا مصنع الكراسى) واستخدمت فى أحد الأفلام فازدادت شهرة وانتشارا. ... ومما قرأته أيضا أن مشجعا اهلاويا توعد بايرن ميونيخ بما وراء مصنع الكراسى- عندما يلتقى مع الاهلى -ولاحظ المسئول عن صفحة الفريق الالمانى كم الإعجابات وسأل عن المعنى...ومن الغريب والعجيب طبقا لما قرأته انه بعد فوز بايرن ميونيخ على منافسه التقليدى بروسيا دوتورمند بعدة أهداف لم يجد المسئول عن صفحة الفريق على الفيسبوك عبارة تعبر عن نشوة الانتصار سوى قوله أخذنا بروسيا دوتورمند ورا مصنع الكراسى ومن الاعجب طبقا للمنشور بهذا الخصوص أن الألوف اعجبوا بالتعليق

وبعيدا عن صحة او عدم صحة المعلومات المتداولة عن نجاح مصنع الكراسى فى الوصول للعالمية ليس بانتاجه من الكراسى فهو مغلق من زمن وإنما بما وراءه......فالمؤكد أن لغتنا تغيرت واذا راجعنا افلامنا وبرامجنا الحوارية سنجد شتائم لم تكن مستخدمة من قبل....والمؤكد أن حرب أكتوبر أجل وأعظم كثيرا من أن نعبر عنها بما وراء مصنع الكراسى.....حرب أكتوبر يعبر عنها بما وراء جيش وشعب مصر من حضارة وقيم وتضحيات

ومع ذلك وللحقيقة فاننى لا استطيع إلا أن أعجب بكل ما يصفع إسرائيل ويقابل غطرستها. ..وأعتقد أن الدكتور محمود خيرى عيسى لو كان يعلم مصنع الكراسى لربما غير النكتة وجعل الدكتور يسأل جولدا مائير تحبى تخدى الحقنة فى أى مكان فترد جولدا وراء مصنع الكراسى...

##

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | الرقص فى المترو