هل تحولت جامعات مصر الي مؤسسات عقابية !! يجري فيها ترويع وترهيب للطلاب والأساتذة ، مع قوانين خربة ..عفنة ، صدرت في غفلة من الزمن ، وفي غياب أي سلطة تشريعية للدولة !! قوانين تسمح بالفصل النهائي من الجامعة ، للطلبة او الأساتذة ، دون حتي التحويل لمجلس تأديب !! وهو ما يتعارض مع كل القوانين والأعراف ...
هل اصبح رؤساء الجامعات جلادين يستتخدمهم النظام ، داخل مكان له حرمته ومكانته التنويرية علي مر العصور!
تساؤلات تفجرت خلال الأسابيع الأخيرة مع موجة تغييرات في لوائح وقوانين تستبق بداية عام جامعي جديدة تصادف أن يتزامن مع عهد جديد ، خيبت بوادره آمال وطموحات كثيرين ممن تلاحمت أرواحهم بزخم الثورة ، ذكرني ذلك بما اكتبه الآن من وقائع حدثت معي بالفعل..
نشرت من نحو عامين تقريبا ، حوارا مع رئيس النيابة الادارية في الأهرام .. تناول فيه كثيرا من قضايا الفساد التي يقوم الجهاز بالتحقيق فيها أو جمع المعلومات عنها.. قضايا فساد كبيرة ظهرت علي سطح الأحداث بعد ثورة يناير ..
من بين تلك القضايا .. قضية شركة "البحر الأحمر للفوسفات " والتي توصل الجهاز الفني للنيابة الادارية بعد بحث وتحقيق ، وتدقيق – أن من يملكها من الباطن " "حسين سالم " الذي ارتبط اسمه بكارثة العبارة وكارثة تصدير الغاز لإسرائيل ، ورجل الأعمال المقرب من الرئيس المخلوع حسني مبارك!! ..
يوم نشر الحوار في الأهرام ، والذي تصدرت قضايا الفساد عناوينه ، مع تنويه عن الحوار في الصفحة الأولي ، جاءني اتصال تليفوني علي مكتبي في صالة التحرير .. وكان المتصل استاذا جامعيا كبيرا ، تصدرت أحاديثه الفضائيات وبرامج التوك شو ، دفاعا عن الثورة والثوار ، وضرورة القضاء علي الفساد المستشري في جميع اجهزة الدولة خلال عهد مبارك .
عندما سمعت اسمه ، اندفعت كالعادة ، فأنا ممن يتابعونه ويعجبون بجرأته وشجاعته في الدفاع عن ثورة 25يناير وعن شباب الثورة الرائعين ، وعن روعة كل من ينتمي لها .. وكانت الصدمة .. حين جاء الحوار كالتالي ..
الاستاذ : حضرتك نشرت حوار النهارده... وذكرت فيه ان حسين سالم يملك شركة ... من الباطن .. ودا كلام غير صحيح..
أرد قائلة : حضرتك دا حوار مع رئيس النيابة الادارية وأكيد هو اللي قال المعلومات عن القضايا اللي فيه.. والجهاز الفني الموجود معاه إداني أوراقا عن قضايا كتير ، انا ليه انشر ان حسين سالم يملكها من الباطن ! ايه علاقتي بيه ، واشمعني يعني اخترت حسين سالم بالذات ، دا حوار عملته ونشرت اللي اتقال فيه..
الاستاذ: علي فكره بقي انا المحامي بتاع رئيس النيابة الادارية ، وكمان صديقي جدا ، ولما سألته بيقول انه ماقالش كدا !
أرد : لا هو قال كدا.. وبعدين حضرتك علاقتك ايه بالموضوع اصلا ..
الاستاذ : انا المحامي بتاع شركة البحر الأحمر للفوسفات !! وكلام ان حسين سالم يملكها من الباطن يؤثر في موقف القضية في المحكمة طبعا...انا كل اللي بطلبه بس ..تعملي نفي بسيط للمعلومات يقول انه لم يثبت ان حسين سالم يملك الشركة من الباطن !!
انا: حضرتك ماينفعش أكتب كدا وانا متاكدة من المعلومة وإنها اتقالت من مين في الحوار ...
الاستاذ : علي فكره انا مؤمن بحرية الصحافة جدا، ومش بأحب أبدا ارفع قضية علي صحفي لأي سبب !! انا بطلب سطر بس ينفي المعلومة ...
انا : طيب حضرتك بقي اذا دا تهديد .. أتفضل ارفع قضية واسمي بالكامل هو ..... وأرجوك ارفعها وبسرعة جدا..
الاستاذ : لا انا مش قصدي ، انا بس باقول انه ممكن تراعي ان في قضية في المحكمة وان النشر بالشكل دا يؤثر جداً...
انا: حضرتك انا باعتذر ، انا مش ها انشر اي نفي لمعلومة صحيحة آسفة جداً ...
وانتهت المكالمة وانا صدمتي كلها تنحصر في ان الراجل دا اللي بيتكلم في الفضائيات بكل هذا الحماس عن الثورة ! وبيقول كلام كبير اوي ، لدرجة اني استناه واسمعه باقتناع شديد- ازاي يكون محامي لشركة بها وقائع فساد ويملكها من الباطن "حسين سالم" ! ازاي في ناس عندها كل هذا القدر من الخداع !!!! ازاي في ناس عندها موهبة الازدواجية في التصرفات بالبراعة دي !!!
بعد ايام قليلة وأثناء مرور الاستاذ "عبد العظيم حماد "رئيس التحرير وقتها بمكتبي بعد اجتماع الديسك ، وقف عندي وأعطاني خطابا موجها من رئيس النيابة الادارية ، لرئيس التحرير .. يقول فيه ، ان مانشر بخصوص شركة البحر الأحمر للفوسفات، في الحوار المنشور بالجريدة ،بان حسين سالم يملكها م الباطن ، هو لم يقله لي وقد يكون اجتهاد ا من الاستاذه.....التي أجرت الحوار!!
حكيت لرئيس التحرير مكالمة الاستاذ الجامعي ومحامي الشركة ، وصديق المستشار رئيس النيابة الادارية .. فقال ببساطة خلاص ننشر سطر نفي وخلاص نقول (تصحيح) .. ولاني اعرف الحقيقة ، وملابسات الفساد الموجود في القضية ، قلت لرئيس التحرير بإصرار ، لا مش هاننشر حاجه .. أرجوك بلاش .. وأمام إصراري ، وافق علي عدم نشر أي نفي وانتهي الكلام وقتها..
بعد أسبوع من خطاب المستشار رئيس النيابة لرئيس التحرير ، فوجئنا بقضية مرفوعة من الاستاذ الجامعي محامي الشركة ، علي جريدة الاهرام ورئيس التحرير وانا طبعا...، واتصلت الشئون القانونية بالأهرام برئيس التحرير وبي ، لنقل رغبة الاستاذ المحامي في نشر تصحيح سريع وإلا الاستمرار في القضية !!
طلبت من رئيس التحرير عدم نشر اي نفي للمعلومة ، وأعطائي فرصة لمعرفة قصة هذه الشركة العجيبة ، وإصرار الاستاذ المحامي علي تغيير الوقائع ...
كانت بداية البحث في هيئة قضايا الدولة ، والمنوط بها رفع قضايا كممثل للحكومة ، وبعد قراءة تفاصيل القضية من ملفات قضايا الدولة ، والتي ساعدني في الحصول عليها مجموعة من مستشاري الهيئة الشرفاء ، ممن يعرفون حجم الفساد في هذه الشركة ، وعرفت خبايا كثيرة عن الشركة ومالكيها، وطريقة حصولهم علي عقود البحث والتنقيب والمليئة بالفساد والمحسوبية والرشوة الواضحة !!!
اجريت حوارا مع المستشار رئيس الهيئة ، عن شركة البحر الأحمر للفوسفات فقط .. كتبت فيه كل بلاوي الشركة وفسادها، بالتفصيل الممل ، علي لسان رئيس هيئة قضايا الدولة ...
عرفت من مستشاري قضايا الدولة، تاريخ الحكم في القضية من مجلس الدولة التي تحكم في هذه النوعية من القضايا...وكان قد تبقى يومان بالظبط علي الحكم .. بمعني ان ما بيدي من معلومات لابد من وجوده عند رئيس التحرير بعد ساعات وموافقة مجلس التحرير ، في اجتماع الصباح علي تخصيص الصفحة كاملة للحوار ! ..
ذهبت مبكرة لمكتب رئيس التحرير ، ومعي الحوار والملفات كلها ، وطلبت منه صفحة اليوم ، لان جلسة الحكم غداً .. الحقيقة الاستاذ عبد العظيم حماد كان متفهما ، وكان يشعر بحماسي وتاكدي من الحقيقة ، قال لي ضاحكا "اوعي قضايا الدولة ترفع علينا قضية هي كمان" رديت بثقة ، ضاحكه "ماتخافش وانت معايا"..
نشرنا صفحة كاملة عن بلاوي وفساد وتزوير عقود وقصص وحكايات بالتفصيل.. وازاي كانوا بياخدوا العقود ، من الهيئة المصرية للثروة المعدنية ، والتابعة لوزارة البترول ، بملاليم ، ثمن المتر في التنقيب يقدر بـ50 قرشا !! وان الدولة تقوم بالتنقيب في مواقع معينة للبحث عن المعادن ، بتكلفة عالية جدا ، وبالاستعانة بخبراء أجانب ، لتحديد مواقع يتواجد بها الفوسفات بالفعل ، وتأخذ شركة البحر الأحمر ، تلك المواقع بعقود علي انها مواقع لم يحدث بها اي تنقيب !! وبالطبع تكون العقود في تلك الحالة بأسعار زهيدة جدا !! ومين كمان اللي بيروح وهو عضو لجنة سياسات يخلص العقود في احسن المواقع من الهيئة ... فضايح كتيرة منها مثلا ، ان الموظفة الموجودة بالهيئة ، والمسئولة عن تحديد المواقع ، تزوجت من احد الأشخاص في الشركة والذي كان يقوم بعمل العقود ، وأصبح بعد ذلك شريكا في نفس الشركة ، وتمكن مستشارو قضايا الدولة من الحصول ، علي عقد الزواج ، وضمه لملف القضية ، تفاصيل كتير اوي ، بتقول انها شركة مشبوهة تقوم علي الغش والتزوير والتدليس...
نزلت المطبعة بعد الموافقة علي النشر ، مع الحوار ، بضربات قلبي المتسارعة ، وكأنه امتحان اخر السنة ، وانتظرت حتي بعد الطبعة التانية لضمان عدم حدوث اي تعديل او تغيير في الصفحات ..قد يحدث فجأة ويضطرنا لتغيير وحذف صفحات كاملة ..
وكما انتظرت الجريدة انتظرت الحكم في اليوم التالي .. جاءني الاتصال "كسبنا القضية يا أستاذة " وكانت فرحة حقيقية ، فرحة انتصار ..فرحة كشف خبايا فساد ، في توقيت ثورة نشعر معها بالأمل في جديد قادم ، مختلف .. نقي ..طاهر...
توجهت مباشرة لمكتب رئيس التحرير ، دخلت مسرعة دون استئذان .. "كسبنا القضية استاذ حماد " وبابتسامة الانتصار قال اكتبي بسرعة الحكم .. ونشرت حكم مجلس الدولة ، الذي جاء بأبطال عقود شركة البحر الأحمر جميعها والتي ثبت انها قامت بالغش والتدليس .. ورد مبلغ 17 مليار جنيه للدولة قيمة استغلال المواقع طوال سنين ، وتصدير الفوسفات للخارج...ومرة اخري كان انتظار حكم النقض، وصدر الحكم بتأييد الحكم السابق ....
انا حكيت الحكاية الطويلة دي علشان سببين ..
الاول .. ان الاستاذ الجامعي اللي كان فالقنا كلام ، على الشاشات عن الثورة وشباب الثورة العظيم ! هو نفسه محامي الشركة الفاسدة بتاعة حسين سالم من باطن ولا من ضهر بقي مش فارقة ، وهو اللي هددني ورفع قضية كمان دفاعا عن الفساد..،ويمكن يرفع عليا قضية تاني علي كلامي ده..
وهو ذات نفسه دلوقتي "رئيس جامعة مصرية " ..يمارس الترويع والترهيب علي الطلبة والأساتذة ، اللي هو شايف إنهم ضد النظام!!
كتير مننا ينخدع في ناس بتتكلم وبتكتب عن الحق والفضيلة والشرف والثورة والثوار .. وهم بعيدين كل البعد ، إذ ياكلون خبز أعدائها وينامون في مخدعهم.
اما السبب التاني في الحكاية .. ان الشركة التي صدرت ضدها احكام نهائية من سنة او اكتر.. مازالت تستغل المواقع وتستخرج الفوسفات وتقوم بتصديره .. ولم تتوقف يوما واحدا... ولا يوم واحد ....
دولة القانون .. دولة القضاء الشامخ .. ما تزال مع عميق الأسف دولة للفساد.
##