03 - 05 - 2025

تحية إلى معلمي

تحية إلى معلمي

صرتَ سرا في الأعماق ؛ أشتهي ابتسامتك الحانية ، أتوق لعينيك المحفزتين ، أُقدر حزما وحرصا وخوفا صادقا ترك في حنايا القلب ذكرى عطرة ، أصبحتَ طيفا جميلا يسكنني ، كلما عدت لمدينتي أنعم النظر إلى الأسوار القديمة ، أتذكر كيف كانت مدارسنا تحوي كنوزا خوالد من معلمين جليلين ؛ أحبوا مهنتهم وأخلصوا فحفروا في الوجدان مكانة سامية تليق بهم ، إليك معلمي إليك معلمتي رسالة حب في عيدكما كم تمنيت أن تصلكما .

تحية إليك أبلة نعيمة معلمتي في المرحلة الابتدائية ؛ أتذكروأنت تشيدين بي أمام الفصل لأني استطعت حفظ جدول الضرب وفي نفس الوقت تعاقبين ابنتك لتقصيرها كي لا تتوهم أن كونها ابنة المعلمة سيعفيها من العقاب ، كنت بذلك تلقيننا أن الجميع سواسية كما لو كنت تذكريننا بعمر ابن الخطاب وهويصر على جلد ابنه حتى ولو كان ابن الخليفة .

تحية إليك أستاذي إسماعيل حين صفعتني على وجهي لدخولي الحصة بعدك بلحظات ؛ فشكوتك لوالدي كي يثأر لكرامتي التي أهينت أمام زملائي - وحدثتني نفسي كيف تفعل بي ذلك وأنا التلميذة المتفوقة التي طالما شرفت مَدرستها بالمراكز الأولى ؛ فكيف أُعاقب واُهان بدلا من أن اُعامل معاملة خاصة بها بعض التجاوز حتى لو تأخرت عن الحصة – فتوعدتك في قرارة نفسي بوالدي الذي سيجيء ليجفف ماء وجهي الذي أريق ؛ فإذا به يشد على يديك قائلا " اكسرها وأنا أداوي في المستشفى " وقتها نكست رأسي خجلا منك ، فإذا بروعتك تربت على ظهري بحنو بالغ تعلمني أن العقاب أحيانا هو الوجه الآخر للحب والحرص عليّ .

تحية إليك أبلة عايدة معلمة التربية الفنية وأنت تعاقبين كل من ينسى كراس الرسم أو الألوان بوضعه على " كرسي السعادة " كما كنا نتندر ونسميه سرا ؛ وتنادين عم سيد الفراش ليخلع أحذيتنا وجواربنا ويرفع أقدامنا عارية لتنهالي عليها بالخيزرانة ، فتعلمنا منك الحرص أن نأخذ كل الأمور بجدية ، فلا فرق بين مادة دراسية وأخرى سواء أكانت تضاف للمجموع أم لا، وكأن لسان حالك يقول أن العلم والفن الراقي صنوان . 

تحية إليك أستاذي عبد الوهاب مدرس اللغة العربية عاشق الفصحى فلا تنطق إلا بها حتى أثناء الفسحة المدرسية ، ويتبدى عشقك وأنت تملي علينا قواعد النحو بطريقة ألفية ابن مالك ، لتفتننا بلساننا العربي وهويتنا . 

 تحية إليك أستاذتي منى معلمة الفلسفة والمنطق ؛ حين أفاجأ بك تزورينني مهنئة حصولي على المركز الثاني في الثانوية العامة على مستوى المحافظة ، ولم تنتظري أن أتيك بيتك أحمل لك هدية ، فتعلمت منك تواضع الكبار، صرنا بعدها صديقتين حميمتين ولم تُلق بالا لفارق السن بيننا .

تحية إليك أستاذ حمودة الموجه بالمنطقة التعليمية لحرصك على زيارة المدرسة منذ بدء الطابور الصباحي لتستمع لفقرات الإذاعة المدرسية التي كنت أعدها وأقدمها كل يوم ، فإذا بك تثلج صدري وتمسك " الميكروفون " تشيد بي أمام أكثر من ألف طالبة وجميع الأساتذة ، وقبل أن يتملكني الزهو والغرور لم يمنعك تقديرك لي أن توجه لي لوما أمام الجميع لأني تجاوزت وانتعلت " صندلا " بدلا من الحذاء الأسود مخالفة بذلك قوانين المدرسة ، فعلمتني حينئذ أن القدوة ومن تولى أمرا بيده أحق أن يكون أكثر التزاما ، وأن المناصب لا تضع صاحبها فوق مستوى المساءلة .

إليك معلمي إليكِ معلمتي كم تمنيت أن تصلكما رسائلي ، كم أحس ندما لتأخري طوال السنوات الماضية أن أوفيكما شكرا وامتنانا وتقديرا ، لكني أدعو ربي أن يشملكما برحماته أحياء وأمواتا ، وأن يغفر لي تقصيري تجاهكما ، وتحية تقدير ومحبة للمعلم في عيده .

##

 

مقالات اخرى للكاتب

(اعترافات قرصان اقتصادي)