13 - 05 - 2025

عثرةٌ في طريق النهضة: شعوبٌ تسبقُ حُكّامها

عثرةٌ في طريق النهضة: شعوبٌ تسبقُ حُكّامها

Arabs-agreed

الحصيلة الأساسية التي يُمكن استنتاجها اليوم من ثورات "الربيع العربي" هي الاعتراف بأن معظم الشعوب العربية تسبقُ حُكوماتها، ليس فقط في الرؤية وإنما في تحديد الأولويات وتصنيف الأعداء والتطلع إلى التغيير كسمة من سمات النظام الدولي المُعاصر الذي حاولت العديد من الأنظمة العربية مُصارعته والاصطدام به بدلاً من احتواء مساره. فيما استبق الأفراد حكوماتهم واتخذوا من التغيير فرصة للنهوض بمستقبلهم تماماً، كما اتخذوا من تطور منظومة الاتصالات وسيلة ناجعة للتأثير على حكوماتهم، وانتزاع حقهم في المشاركة في القرار السياسي.

وما إصرار الشعوب المُستمر على حقها في تقرير مصيرها -كما هو الحال في سوريا والعراق ومصر وليبيا- إلا دليل على عدم ثقة الجيل الحالي بالعقلية الحاكمة الغير قادرة اليوم على الاستجابة للتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية وحتى الثقافية.

وفي هذا الشأن، يختلف المراقبون على أن الحكومات العربية باتت تواجه تحدياً حقيقياً في ظلّ ما يُمكن أن نقول عنه "توافق عفوي" في الآراء والمواقف بين الآلاف من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي وما يتبعه ذلك من حملات الكترونية سُرعان ما تتحوّل إلى تحرّكات ميدانية مُطالبة بحق تقرير المصير في أي قضية عجزت النُخبة الحاكمة عن معالجتها بالطريقة التي ترقى إلى تطلعات وطموح الشباب.

هذا التباين بين الفرد والحاكم يعدّ من المعوقات الرئيسية التي تعيق مسار التنمية في الدول العربية، كما أنه جزءٌ لا يتجزأ من منظومة التهاون العربي التي انكفأت على نفسها عن الاهتمام بشؤون الفرد ومصالحه، وانشغلت بإدارة الثروات الخاصة وتحقيق المصالح الذاتية، ما أشعل فتيل الثورات ودفع بالكثير من الشباب إلى استخدام العنف كوسيلة لتحصيل الحقوق الأساسية كـ(الحق في الحياة، الحق في كسب الرزق، الحق في التعليم، والحريات العامة) وما إقدام الشاب التونسي محمد البوعزيزي على إضرام النار في نفسه إلا دليل على ذلك، مع ما تبع ذلك من موجة عنف أطاحت بزعماء عرب غلّبوا منطق القبيلة على منطق الدولة وإدارة شؤون الشعب.

إن تطور الاتصالات وسُرعة التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي كشفت عن تقدّم الشعوب العربية فكرياً على النُخبة الحاكمة، ما يُمكن أخذه بعين الاعتبار كأحد أهم أسباب تعطيل مسيرة التطور في نصف القرن الماضي، حيث أن هشاشة التمثيل الشعبي في مؤسسات الدولة واختلاف إرادة الشعوب عن إرادة الحُكّام الشخصية أفرزت أولويات مختلفة بين الحاكم والمحكوم وتسببت في نشوء رغبة في القصاص والانتقام من الفاسدين والمُفسدين الذين لم يخضعوا يوماً للمساءلة وللمحاسبة، فكانت نهايتهم وخيمة على أيدي شعوبهم.

لقد فقد الفرد العربي حقوقه الإنسانية لسنوات طويلة، وإذا كان سبب فقدان تلك الحقوق يعود في العقود الماضية إلى ارتباط الأنظمة الحاكمة بالاستعمار القديم وبالشرعية المُستمدة من المُستعمر، فإن الفرد اليوم بات يتمتع باهتمام متزايد من قبل القانون الدولي العام، حيث لم يعد الفرد ينتمي حصرياً إلى الدولة التي يحمل جنسيتها بقدر ما بات انتماؤه عالميا ككائن إنساني يتسلح بجميع الوسائل المشروعة حيناً والغير مشروعة احياناً لانتزاع حقوقه من نُخبة حاكمة لا تُمثّله ولا تضمن حقوقه، ومن سلطة لم تعد قادرة على حمايته من التحديات العالمية المعاصرة كالإرهاب، والكوارث الطبيعية، والأوبئة، والأفكار المتطرفة، ومن حكومات ما زالت تستخدم في خطابها الإعلامي الموجه لشعوبها لغة التخوين والمؤامرات والعمالة، كُلّما رُفع في وجهها مطلبٌ اجتماعي، أو إنساني.

لم تفلح الطبقة الحاكمة في الدول العربية من استباق تطلعات الشعوب، أو على الأقلّ من احتوائها على الرغم من التزام العديد من الحكومات بالمواثيق الدولية والاتفاقيات الحقوقية التي تُنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وفي حال تذرّع البعض بعدم انسجام هذه الاتفاقيات مع روح التشريع الإسلامي فأين نحنُ اليوم من العدل الذي أمرَ به الله كأساسٍ بين الطبقة الحاكمة وبين الشعب:" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ " [سورة النساء : الآية 58] ، ويقول – سبحانه – " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ". [سورة المائدة : الآية 8] .

ومن حديث لرسول الله- صلى الله عليه وسلم – : « كلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ".

أن تكون مسؤولاً.. يعني أن تكون عادلاً.. وليس من العدل أن يكون ممُثلي الأُمّة علّة تخلّفها!

 

 

The post عثرةٌ في طريق النهضة: شعوبٌ تسبقُ حُكّامها appeared first on IslamOnline اسلام اون لاين.