03 - 05 - 2025

بلقيس .. يا وجعي

بلقيس .. يا وجعي

تفقد الطير ولم يجده فتوعده بعذاب شديد؛ فمكث غير بعيد يتيه بعذره الجميل؛ بعد أن أحاط بنبأِ سبأٍ ومليكةٍ جليلةٍ ترافقها طواويس وتتبعها أيائل، ألقى الهدهد على عرشها المكين بمكتوب الحكيم؛ فتألق ذكاء الجميلة تجمع قومها فما كانت قاطعة أمرا دون مشورة، فأعلن الجبارون بأنهم أولوا بأس شديد، فبصرت عرشها بخيلاء وجنانه الغناء وتساءلت الأنثى بدهاء: أين فطنتكم؟ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، انظروا لمملكتي المكللة بالياقوت والزمرد والذهب والفضة، ولبساتين سبأ وجنات عدن وعروس الزمان صنعاء ربة العرفان وسيدة الإنس والجان، انظروا ليمننا السعيد بهوائه الأعذب من الماء، ومائه الأصفى من السماء، وسمائه الأجمل من حلم الشعراء؛ مالكم لا تفقهون؟! تأنقت المليكة في حلتها اليمنية الحريرية وتعطرت بطيب سبأ وزينت ساقيها بخلاخل فضية من حضر موت، وتهادت تحمل هدايا الملوك للملوك من بخور وعطور وجواهر ودر نفيس وذهب وحرير وعطارة من أرض الأصالة؛ فأقبلت في وقار وحشمة تفصح عن تفرد بلادها وشرف نسبها وملاحة بناتها وطيب طعامها وبأس رجالها في أنشودة سطرها الزمان في تواضع وخجل مبتهلا لبريق عينيّ صنعاء قائلا "استغفري أنت مما تفعلين بنا .. هذا الجمال اليمني يقتل العربا" يَعجب النبي سليمان بفطنة ورقة قلب الجميلة ولين عقلها، فيُتَوِجُها ملكة على قلبه، ويدوم سعد اليمن بقدوم من خضعت له الإنس والجان ولسان حاله يقول" لابد من صنعا .. وإن طال السفر".

 ياأيها اليمن السعيد بأنعمه ومناقبة؛ يشهد القلقشندي بأنك صفحة تاريخ عبقة مازال الزمان يتنفسها؛ يا من تشرف بالأنبياء والصحابة، يامنبت العرب وقحطان ولسانهم، وأسطورة سالت قوافيها على لسان الشعراء والأدباء، يانبع الحكمة والبداهة والخطابة والبلاغة، يا صاحب الفقه والاعتبار ومأوى الأولياء والأبرار ومنك كانت الأنصار، يا من امتلك بلاغة الأقوال وسلامة الصدور والبعد عن الغرور، وصفك العدنان عليه الصلاة والسلام بالحكمة ولين الفؤاد، وأرسل سلاما على همدان قائلا أنتم منه وهو منكم وأنتم السحاب وخيار الأرض، وأول من يرود حوضه الشريف، وفيكم قال علىّ" لوكنت بوابا على باب الجنة لقلت لهمدان ادخلوها بسلام "، يامن تشرفتم بنوح وابنه وأيوب وهود وصالح وشعيب عليهم السلام فأبوا الفراق ورقدوا في ترابكم بسلام، ياثالث مسجد في الإسلام، يامن دعا لك المصطفى عليه الصلاة والسلام بالبركة وتَسمى الركن اليماني تيمنا بك وباسمك نزلت سورتا سبأ والأحقاف، وَوُصِفت بالجنة والبلدة الطيبة، وأَبَى النجم سهيل إلا أن يُولى وجهه شطرك فتبعته العرب، وكان منك الشاعر حسان والملك النعمان وخطيب الدنيا سبحان وسيف بن يزن في غمدان، يا جنة بلقيس وأسماء بنت عميس يا قبائل الخزرج والأوس وعاد وثمود والمقداد بن معد يكرب، يامن اشتق اسمك من سرعة إيمانك وميمنة جنودك، يا أهل النجدة والفطن والأقيال- الملوك - والجبال والجمال والجلال كما وصفك المختارعليه الصلاة والسلام.

يا يمن الحضارة والعروبة والإسلام، يا أول كيان سياسي وموطن الجنس البشري، يا قصة أصحاب الجنة والأخدود وإرم ذات العماد والسيل العرم وفيل أبرهة وسد مأرب ومملكة سبأ، يا أول من تحلى بتيجان الملوك، يا من شهد لك الأعداء؛ فعنك قال هتلر "أعطني جنديا يمنيا وسلاحا ألمانيا وسوف أجعل أوربا تزحف على أناملها" والفيلسوف الفرنسي العاشق رينان يعلن "لكل إنسان وطنان، وطنه الذي ينتمي إليه واليمن" يا من آمن بالحكم وكفر بالوطن وعزفت يا- السعيد - لحن الشقاء؛ صدق فيك قول نزار" قبائل أكلت قبائل .. فهل البطولة كذبة عربية ياعرب العجائب أم مثلنا التاريخ كاذب؟ ندخل مرة أخرى لعصر الجاهلية .. ندخل في التوحش والتخلف والبشاعة والوضاعة .. ندخل مرة أخرى عصور البربرية .. حيث الكتابة رحلة بين الشظية والشظية .. بلقيس .. ليست مرثية ..لكن على العرب السلام .. إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عرب .. ويأكل لحمنا عرب .. ويبقر بطوننا عرب .. ويفتح قبرنا عرب .. أقول إن نضالنا كذب .. وأنه لا فرق بين السياسة والدعارة ".. ومازالت بلقيس تبكي صنعاء.

##

##

  

مقالات اخرى للكاتب

(اعترافات قرصان اقتصادي)