مجتمعاتنا الشرقية مجتمعات عاطفية ، تحب بعمق وتعادي بفجور، لم تستطع سماحة المسيحية والإسلام أن تغير فيها كثيرا ، فالأديان إما على هامش السلوك البشري اليومي ، او أنها تستخدم كأدوات لتبرير سلوكيات ممقوتة للأفراد وأحيانا للجماعات ، ما أنزل الله بها من سلطان.
أن تكون إنسانا موضوعيا ، معناه أنك تضع نفسك بين شقى رحى ، ستتهم بكل ماليس فيك ، بداية من إمساك العصا من المنتصف ، وانتهاء بأنك مذبذب ولو لون لك. هذا غير أن المتطرفين على كل جانب سيصفونك دوما باعتبارك مع الجانب الآخر .
الموضوعية أو الوسطية كلمات رنانة وجذابة ، غير أن ممارستها في الواقع الحالي شيء أقرب إلى الانتحار ، او على الأقل تمثل سببا وجيها لتركك تغرد وحيدا .
رغم ذلك كله يدعوني "شيطاني الأثيم" لأن أكون موضوعيا ، ليس مهما الخسائر التي تلحق بي ، مادية ومعنوية ، فأنا أثق أن التاريخ وحده ينصف ولو بعد حين.
مهما كان الظلم الذي يحيق بي بسبب تلك الرؤية ، فإنها تجعلني حرا من كل قيد ، فلست مجبرا على قبول تخيير تيار سياسي او تيارات سياسية بأكملها بين القتل والاعتقال لمجرد أني أعادي منهجها او تجربتها في الحكم ، فظني أن هناك من تقع أفعالهم تحت طائلة القانون ويجب أن يحاكموا محاكمات عادلة ، وهناك أبرياء تم اعتقالهم على خلفية الانتماء السياسي ، وهؤلاء يجب إطلاق سراحهم فورا.
كما أنني لست مجبرا على تأييد كل الانتهاكات والتجاوزات التي حدثت من أجهزة الدولة لمجرد اني مع 30 يونيو ، فتأييدي لعزل مرسي نابع من أنه كان يقود البلاد مع جماعته ، إلى حافة منحدر كان سيهوي بالبلاد إلى المجهول ، وكنت على قناعة انها غضبة الشعب على الإخوان يمكن ان تكون بابا لمزيد من الحريات والحقوق والكرامة والمشاركة في السلطة ، ولما غابت هذه الأحلام انتقدت بغضب وسأنتقد ما حييت.
اعتبر ثورة 25 يناير أعظم حدث شهدته البلاد بعد انتصار أكتوبر وسأظل مدافعا عن أحلامها ، لكن هذا لا يجعلني مجبرا على تأييد الدعوات إلى الفوضى ، ولا على اعتبار كل مخالف لي في الرأي ضمن "الثورة المضادة" ، مع ان توفر الشرطة الأمن للناس دون أن تتجاوز وترتكب الفظائع ، مع مقاومة الإرهاب ووأده وإجهاضه ، دون أن أجد نفسي مجبرا على وصم كل "معارض" للسياسات الحالية بأنه "إرهابي أو مؤيد للإرهاب" يحل للسلطة أن تطلق النار على رأسه.
مع حرية الإعلام المطلقة ، دون أن اجد نفسي مجبرا على تبني حرية من ينشر الأخبار الكاذبة ويروج دعوات العنف والاغتيال المعنوي للشخصيات ، سواء في دائرة الحكم أو دائرة المعارضة.
ألا يدرك هذا المجتمع أن هناك شخصيات سوية بحق ومستقلة بحق تقول ما ترتضيه لنفسها ، كي تذهب للنوم مرتاحة الضمير!!
##