قبل 41 عاما بالتمام والكمال وفى مثل هذه الأيام كنا قد بدأنا صيام شهر رمضان المبارك والأمور تسير بصورة طبيعية على المستوى العام فى مصر وحالة اللاسلم واللاحرب مستقرة ولا يبدو فى الأفق أى تهديد لها....وعلى المستوى الشخصى كنت فى غاية السعادة بعد نجاحى فى الثانوية العامة ووصول بطاقة ترشيح مكتب التنسيق تبلغنى بقبولى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى طلبتها كرغبة اولى( وقتها كان البوسطجى هو البشير فلم نكن نعرف التنسيق الاليكترونى ولا البريد الاليكترونى ولم نكن نعرف الكومبيوتر اصلا وأول ظهور له كان فى فيلم النداهة على يد إيهاب نافع وكان حجم الكومبيوتر يشغل حجرة كبيرة)
كان السطح هادئا بينما الأعماق تمور والاستعدادات تجرى على قدم وساق ليوم من أعظم أيام مصر...يوم الثأر وإستعادة الأرض والكرامة....يوم الحصاد ل 6 سنوات من التدريب الشاق ويوم الوفاء لمن قضوا نحبهم واستشهدوا فى كل حروب مصر وصولا لحرب الاستنزاف التى لابد أن نعترف انها لم تأخذ حقها من الاهتمام والدراسة .......كانت الاستعدادات تتم بحرفية بالغة مصحوبة برسائل تمكنت من وضع شادر بطيخ فى بطون قادة إسرائيل الذين وصلوا لقناعة مفادها مصر لن تحارب ابدا......وشارك صاحب قرار الحرب الرئيس الراحل محمد أنور السادات شخصيا فى أنجح عملية خداع استراتيجى بكل ما حباه الله من ذكاء يجسد الشخصية المصرية بكل طبقاتها واعماقها
كان الشعار الذى لم يرفع وقتها وان كان قد طبق هو قليل من الكلام كثير من العمل......الكل يعمل ويجود فى مكانه من أجل مصر دون أن يقول ذلك.......ووقتها لم يخلع أحد على الرئيس السادات اية صفات استثنائية بل وقبل السادات أن يهاجم وان تخرج المظاهرات ضده كجزء متقدم من عملية الخداع الاستراتيحى.....
وفى مثل هذه الأيام كان العد التنازلي قد بدأ فى سرية تامة......وكان التوكل على الله حق التوكل بعد أداء الواجب وبذل أقصى الجهد......وضع الجميع أرواحهم على اكفهم قبل دخول المعركة والعبور العظيم يوم السادس من أكتوبر 1973 .....نال بعضهم الشهادة وكتب الله الحياة لمن أراد وعاش البعض باوسمة الحرب أو الإصابات البالغة التى اقعدتهم ليدخلوا فى حرب متواصلة ضد اليأس والقنوط والاستسلام للظروف الصعبة.....
وها هى الذكرى تأتى هذا العام فى عيد التضحية والفداء.....مرت 41 عاما حولت شباب حرب أكتوبر إلى شيوخ....وحولت اطفال الشهداء إلى آباء وامهات....وشهدت تغييب الموت لمعظم قادة الحرب....مياه كثيرة جرت رفعت البعض إلى الذرى وألقت بالبعض إلى الثرى.....ولكن تظل الحقيقة المؤكدة التى تكشف عنها الذكرى أن مصر قادرة وتستطيع أن تصنع ما يشبه المعجزات اذا ما صدقت النوايا والتف الجميع حول هدف واحد هو مصر