إن اتهام المعارضين لما يُسمَّى «الحلم النووى» بأنهم «عملاء اللوبى الصهيونى» هو نموذج فج على همجية التفكير، فكأننا بين همجيتين، همجية ادعاء البعض بأنهم محتكرو دين الله فى الأرض، وهمجية ادعاء آخرين بأنهم محتكرو الوطنية فى بلادنا. وهذه الهمجية النووية تعكس نزقاً يجعلنا نتساءل: هل هؤلاء يصلحون حقاً لصدق وموثوقية التبشير باستقدام تقنية عالية المخاطر كالمحطات الكهرونووية؟ ناهيك أن يكونوا المشرفين عليها أو على مُشغليها أو حتى مُستشاريها؟ ومن الزاوية النفسية، فإن تقنية مركبة وعالية المخاطر كالمفاعلات النووية ثبت أن أشهر كوارثها كانت بسبب أخطاء فى الأداء البشرى، نتيجة الثقة المبالغ فيها لدى ضيقى أفق التخصص المغلق على ذاته، ونتيجة لنمطية اعتياد العمل فى مرافق تدير نفسها بنفسها، ببرمجة شبه كاملة، ومن ثم تتطلب ردود أفعال عميقة الحكمة والمعرفة، لا متسرعة، ولا متأخرة، فى اللحظات الحرجة المنذرة بالكوارث، لهذا أقول بأن هذا النزق الذى تكشفه همجية الاتهامات للمخالفين يقطع بأنه حتى لو كان فى المفاعلات الكهرونووية خلاصنا من أزمة الطاقة- وهذا غير صحيح- فإنه لابد من التريث إلى حين ميسرة ومقدرة، ميسرة اقتصاد واستتباب أمن وتماسك مجتمعى وهدأة جوار ومحيط، ومقدرة علم وتقنية وقيم عمل محترمة وعالية الانضباط، النفسى والمهنى معا، ومن ثم- على الأقل- علينا أن ننتظر صعود جيل نووى جديد، غير مثقل بالهمجية والنزق الناتجين عن الركود الطويل لمن عاشوا «موظفين» نوويين، خاصة فى المنظمات «الدولية»، يومها سيكون الحوار موضوعيا ومحترما، لهذا أقول لنفسى ومن أُماثلهم: قل كلمتك وامض ولا تلتفت.
هذا المحتوى من «المصري اليوم».. اضغط هنا لقراءة الموضوع الأصلي والتعليق عليه