04 - 05 - 2025

عودة الروح .. من جديد !!

عودة  الروح .. من جديد !!

كانت رواية " عودة الروح " لتوفيق الحكيم ,  من الروايات التي ألهمت أجيالا متعددة من الوطنيين المصريين . وقد ألهمت هذه الرواية – ضمن من ألهمت - الرئيس خالد الذكر " جمال عبد الناصر " . 

ولعل ذلك يعود الى التصوير الدرامي الواقعي للروح المصرية في وحدتها المصيرية منذ أن عرفت التاريخ وكتبته . وقد ظهر ذلك واضحا في الحوار الذي يدور بين مفتش الري " المستر بلاك " ..الإنجليزي  المتعجرف  .. وبين " المسيو فوكيه " .. مفتش الآثار  الفرنسي  المفتون بالتاريخ المصري . الحوار يتم  وقت القيلولة  .. بعد أن تمتع الأثنان بوليمة  شهية " مفتخرة " على شرفة منزل  والد " محسن " .. وهو أحد أعيان الريف  المصري  .. والشرفة  مفتوحة على فضاء أخضر لا حدّ له .. وسكون ساعة الظهيرة التام حيث الفلاحون في دورهم يستريحون .. أو تحت ظلال أشجار السنط واللبخ .. أو بجوار السواقي . 

وحين سخر " المفتش الانجليزي " من "أسراب " الفلاحين ذوي الجلاليب الزرقاء الجهلاء معدومي الذوق !! 

انطلق  مفتش الآثار الفرنسي يعطيه  درسا في تاريخ وطبيعة المصريين .. قائلا : " ان هؤلاء الجهلاء .. يا مستر بلاك .. أعلم منا .. ان هذا الشعب الذي نحسبه جاهلا .. ليعلم أشياء كثيرة .. ولكنه يعلمها بقلبه لا بعقله .. ان الحكمة في دمه ولا يعلم .. والقوة في نفسه ولا يعلم .. هذا شعب قديم . جيئ بفلاح من هؤلاء .. وأخرج قلبه .. ستجد به رواسب عشرة آلاف سنة .. من تجاريب ومعرفة رسب بعضها فوق بعض .. وهو لا يدري .. نعم هو يجهل ذلك .. ولكن هناك لحظات حرجة .. تخرج فيها  هذه المعرفة  وهذه التجاريب   .. هذا ما يفسر لنا .. نحن الأوروبيين .. تلك اللحظات من التاريخ التي نرى فيها مصر تطفر طفرة مدهشة في قليل من الوقت .. وتأتي عجاب في طرفة عين .. كيف تستطيع ذلك إن لم تكن هي تجاريب الماضي الراسبة وقد صارت في نفسها مصير الغريزة .. تدفعها الى الصواب وتسعفها في الأوقات الحرجة .... " 

وهكذا لخص توفيق الحكيم على لسان  مؤرخ الآثار الفرنسي  الروح المصرية  وعبقريتها .. انها مصر التي تمر بفترات انحطاط  , فيظنها الجميع وقد ماتت وشبعت موتا .. فإذا بها تنتفض كالبركان في ثورة عارمة تدهش خصومها .. وتدهش العالم .. 

وقد استدعي عقلي وفكري مشاهد المصريين ينتفضون في 25 يناير  وفي 30 يونيو  فيبهرون العالم  بخروجهم الأسطوري  في منظر حضاري غير مسبوق في العالم كله ..  كما أبهروه بالأهرامات وبحضارتهم  القديمة .. 

ثم أبهروه .. مجددا .. وهم يقفون في طوابير مكتظة تحت لفح الشمس والهجير , يتسابقون لشراء شهادات استثمار  " القنال الجديدة " .. ويجمعون المبلغ المطلوب في زمن قياسي .. ثمان أيام !!! 

تالله .. ما هذا الشعب العظيم ؟!

كيف قدّ معدنه ؟!!!

انها غريزيته تسعفه وقت اللزوم .. كما قال " المسيو فوكيه " . لقد شعر شعب مصر بالخطر على بلده وعلى مستقبل اولاده .. فذهب يعطي ما يملك  للمستقبل .. 

لقد لجأ الزعيم الوطني  " عبد الفتاح السيسي "  للرأسماليين .. يطلب منهم  أن يقفوا مع الشعب .. أن ينحازوا للمستقبل .. فأطرقوا برؤؤسهم ولم ينطقوا .. ولم  يتبرعوا بأكثر من مليار ونصف جنيه مصري .. وخرجوا يشيعون الإشاعات والأوقاويل حول رئيس الجمهورية  .. وأنه يمارس عليهم الإرهاب والإبتزاز .. وأنه سيدمر الطبقة الوسطى .. كما قال أحد رموزهم من الذين " شفطوا "  خير الشعب وعمله . ولم يكتفوا بذلك , بل نظموا أتباعهم في الأعلام لشن حملة تشويه ضد الدولة ورئيسها واتهامه بالقضاء على الحريات والإعتداء على الديمقراطية !! 

ذات اللعبة القديمة التي مارسها الاستعماريون واتباعهم من الرأسماليين المصريين  مع " جمال عبد الناصر " .. 

هل تذكرون كيف حارب الشعب في بورسعيد عام 1956 .. وكيف وقف الشعب كله مع قيادته ضد قوى الإستعمار .. بينما كان الرأسماليون يحبذون الاستسلام وقبول الإنذار والتخلي عن تأميم قناة السويس ؟ 

كان    "جمال عبد الناصر "   قد أمم كل الشركات والبنوك التي تملكها دول العدوان فور خروجه من الأزهر واطلاق صيحته الشهيرة " هانحارب " !!

وبعد النصر على قوى العدوان .. ذهب الرأسماليون المصريون  يعرضون شراء   المصالح الأجنبية المؤممة  .. فكان رد عبد الناصر الرفض .. فالشعب هو الذي حارب .. وهو الذي ضحى .. وهو الذي  حقه  .. وحده .. إمتلاك تلك الشركات والمصالح . 

واليوم : بعد أربعين عاما من النهج الرأسمالي .. انتهت  بالخراب  والفساد .. وبيع القطاع برخص التراب .. وتهريب أموال البنوك للخارج .. والتهرب من الضرائب .. وشراء أراض مصر بملاليم .. اليوم .. تعاود الرأسمالية المصرية سيرتها  المشئومة ..التي  لم تتغير : نكصت بكل أهداف الوطن .. وأمتصت دماء الشعب .. وهي تحاول مجددا التهرب من واجباتها . 

ان درس " قنال السويس الجديدة " .. هو  درس للحاكم .. ودرس للنخبة .. درس يثبت ان شعب مصر هو صاحب الأرض ..  وهو المعجزة  الوحيدة على هذه الأرض .. وهو وحده الذي يستحق الولاء ويستدعي الثقة فيه . 

وتذكر يا سيادة الرئيس المثل القائل : من العظيم أن يعطي الشعب ثقته للزعيم .. لكن الأعظم أن يعيد الزعيم للشعب ثقته في نفسه . 

هذا الشعب به طاقات عظيمة  يا سيادة الرئيس .. وقادر على  اجتراح كل المعجزات . 

أنهي مقالي   بذات ما قاله " المسيو فوكيه " عالم التاريخ  والآثار الفرنسي  " للمستر بلاك " مفتش الري الإنجليزي  " المتعجرف "  حين أرتاب فيما يقوله عن المصريين .. إذا يبادره " المسيو فوكيه "  قائلا : " انك ترتاب في قولي يا مستر بلاك .. ولكني أكتفي بأن أقول لك .. إحترس !! إحترسوا من هذا الشعب .. فهو يخفي قوة نفسية هائلة .. يخفيها في هذا البئر العميق الذي خرجت منه تلك الأهرامات  الثلاثة " !!

في النهاية : أستعيد ما قاله الزعيم الوطني  الكبير " مصطفى كامل " :  لو لم أكن مصريا .. لوددت أن أكون مصريا !!

##

##

مقالات اخرى للكاتب

عبد الناصر.. وحكم العسكر .. الحقيقة والوهم !!!