نظم "كابيتال كلوب" دبي - نادي الأعمال الرائد في دبي وعضو مجموعة شركات إنشاء-، جلسة حوارية استعرضت الواقع الحالي في العراق، وإمكانات إيجاد مخرج لأزماته المختلفة في القطاعات كافة، وبشكل يدعم نمو واستقرار العراق والمنطقة، وأجريت الجلسة في مقر النادي لدبي، وذلك بحضور نخبة من الخبراء البارزين.
وبين المحللون أهمية حل الأزمة العراقية الحالية سياسياً وترجيح ذلك على الحل العسكري، وذلك لما للحل السياسي من قدرة على استيعاب المشكلات بشكل أكبر وأكثر تأثيراً من الحل العسكري الذي تبقى آثاره لفترة طويلة، مع م ينجم عنها من خسائر هائلة في الأموال والمقدرات والتفكك الشعبي، اضافة الى الخلل في الإستقرار الأمني للمنطقة ككل.
وضمت الجلسة الحوارية كلاً من: روبين ميلز كبير الإستشاريين في شركة منار لإستشارات وإدارة مشاريع الطاقة، وجعفر الطائي العضو المنتدب لشركة منار لإستشارات وإدارة مشاريع الطاقة، وعلي الخضيري، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة "دراغومان بارتنرز"، وأدارالجلسة الإعلامي فرانسيس ماثيو وحضرها شخصيات كبيرة ومتخصصون بشؤون المال والأعمال والإقتصاد في الإمارات والشرق الأوسط والعالم.
وشخص روبين ميلز ملامح الأزمة العراقية بالقول: "العراق بلد غني بموارد النفط لكنها لم تعد بالرفاه أو حتى بضمان مستوى مقبول من المعيشة للمواطنين، وذلك ناجم عن خلل في عمل الحكومة، وهو السبب الرئيس لهذا الخلل، فعندما لا يتم إستثمار موارد النفط من خلال مشاريع تنمية وطنية، فإن هذه الموارد ستؤدي إلى سياسات طائفية مقيتة، وتدفع الناس إلى التقوقع الطائفي أو القبلي، حتى باتت اللعبة السياسية منافسة للإستيلاء على هذه الموارد بدلا من العمل على خلق إقتصاد فعال ومستدام، وإعداد خطة تنمية وطنية تسير في موازاة ذلك، وهذا ما تحتاجه البلاد لتجاوز الأزمة".
ونوه ميلز إلى مدى تأثير الوضع في العراق على صناعة النفط في المنطقة، وقال: "من الملفت للإهتمام أن نلحظ مدى ضآلة التأثير الذي أحدثته الأزمة المتصاعدة في العراق على صناعة النفط، ومدى ضآلة ردة فعل صناعة النفط في العالم على هذه الأحداث الدراماتيكية. على سبيل المثال، عند سقوط الموصل لاحظنا ارتفاع سعر النفط بنحو دولارين للبرميل، وهي ردة فعل خجولة جدا. ولقد رأينا هبوط مزيج برنت إلى ما دون مئة دولار للبرميل للمرة الأولى منذ العام الماضي رغم كل ما يحصل في العراق، والأزمة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا. فكل هذه العوامل لم تهز ثقة الأسواق، ولم تؤثر على أجواء التفاؤل، والشعور السائد بأن هذه الأحداث لن تنعكس سلبا على إمدادات النفط، وبأن الأسواق قد تجاوزت حالة الذعر الأولية بعد الوصول إلى قناعة بأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لن يسيطر على بغداد أو يستولي على حقول نفط كبرى في العراق".
وسلط علي الخضيري الضوء على ظاهرة تنظيم "داعش"، قائلاً: "لكي نفهم أين نحن مع "داعش" اليوم، وإلى أين نمضي، يجب فهم جذور المشكلة، والتي تتلخص في جوهرها بسوء حكم بشار الأسد في دمشق ونوري المالكي في بغداد خلال السنوات الأربع الماضية. فما نراه اليوم هو بعبارات بسيطة نتيجة للحرمان والإقصاء والإحباط الذي يعاني منه نحو 20 إلى 25 مليون مواطن عربي سني في سوريا والعراق. فهذه ظاهرة بشرية تحدث مرارا في كل مكان نجد فيه نزوح للسكان وتحولهم إلى اليأس ومن ثم إلى التطرف. ولسوء الحظ، وكما تبين في العديد من المناسبات في تاريخنا الحديث، فإن المتطرفين يتحولون إلى جهاديين".
وشرح الخضيري أسباب ظاهرة التشدد السائدة في العراق، قائلا بأنها تعود إلى إخفاق الحكومات في بغداد ودمشق، والذي أدى إلى تدني الشعور بالهوية الوطنية لدى المواطنين في سوريا والعراق، والتحول نحو الهوية القبلية أو العرقية أو الدينية، وإشعال فتيل الطائفية والمعارضة.
وفي استقراء له حول ما يمكن أن يحدث خلال الفترة القادمة، قال ميلز: "السؤال الذي نواجهه اليوم هل ان حيدر العبادي قادر على فتح صفحة جديدة، على غرار ما فعل نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا؟، وهل هو قادر على اتخاذ تدابير المصالحة بدلا من المزيد من التناحر والخلاف والتقسيم؟، ولاشك، اذا نجحت فصائل المعارضة في إيجاد أرضية مشتركة ورؤية موحدة نوعا ما للعمل، فإننا سنجد فرصة للإستقرار في العراق، ولكن للأسف من المرجح أن نرى استمرار للإنقسامات الطائفية المتجذرة، بما يعني أن "داعش" وجدت هناك لتبقى في المستقبل المنظور".
واتفق جعفر الطائي مع ما ذهب إليه الخضيري، حيث أكد بأن المشاكل في العراق ليست ناجمة عن الأحداث الأخيرة، وبأن الوضع قد تعقد بسبب العدد الكبير من الفرقاء المشتركين في هذه الأزمة بشكل مباشر أو غير مباشر. وقال: "داعش ليست بظاهرة جديدة، بل هي نتيجة لتراكم الأخطاء وسوء الإدارة في كافة المجالات في الشرق والغرب، وتأتي داعش نتيجة لرفض الاعتدال، ورفض الغرب وسنوات من سوء الإدارة في العراق. الكثير من الناس يشيرون إلى الفساد كأحد أكبر المشكلات في العراق، وأنا أرى بأن سوء الإدارة في العراق أسوأ بكثير. ولهذا السبب، بالإضافة إلى إنعدام الرؤية الحقيقية للعراق، وبالتالي فإن داعش والتطرف بلا شك سيبقيان خلال المستقبل المنظور".
وعند سؤاله حول إمكانية العمل العسكري، حذر الطائي من ذلك قائلا: "وعدت قمة الناتو حول النفط، أو لمحت، بإستراتيجية عسكرية للتعامل مع داعش. والخطر هنا يمكن في إطفاء النيران بالنيران، وبالتالي لن تحصل إلا على المزيد من الحرائق. والقرار السليم يكمن في استصدار إستراتيجية سياسية نحن في أمس الحاجة إليها، وتحتاج هذه الإستراتيجية السياسية إلى عنصر اقتصادي وهو قطاع الطاقة، لأن هذا القطاع هو المحرك لاقتصاد العراق. وبدون إستراتيجية لبناء قطاع طاقة مستدام واقتصاد مستدام، ستبقى الجذور التي أدت إلى نمو داعش. والمفارقة هنا تكمن بأن قطاع الطاقة يمثل أيضا شريان الحياة لداعش، حيث تجني داعش من قطاع الطاقة العراقي أكثر بكثير مما يحصل عليه المواطن العراقي من هذه الموارد، وفي ظل هذا الوضع لن نصل إلى الاستقرار في العراق".
وقال علي الخضيري في حديث له حول إمكانية حل مشكلة داعش بأن داعش ليست كيانا واحدا، بل هي ردة فعل على الخلل الإداري في العراق، وبأنها تتكون من بنية هرمية يمكن التسوية والتوافق مع 90% من أفرادها، وتحييد المتطرفين الذين لا يشكلون أكثر من 10% منها، وأشار إلى أن جزء من مشاكل التعامل مع الفصائل المختلفة ناجم عن سوء الفهم حول من هي داعش، وقال: "للأسف، فقد أسهم الغرب في الخلط بين مختلف المجموعات التي تشكل داعش وتعامل معهم ككيان واحد، بينما الجهات التي يتطلب التعامل معها وضع استراتيجية عسكرية لا تتجاوز نسبتها 10%. وبالتالي يجب أن يتضمن الحل استقطاب الفصائل المعتدلة من ضمن الـ90% إلى الحكومة العراقية، رغم صعوبة ذلك. والسؤال هنا يتمثل بمدى قدرة الأطراف المعتدلة على الثقة بوعود الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الإقليميين، في ضوء تخليهم عن وعودهم في العديد من المناسبات في السابق".