24 - 04 - 2024

أيوه أنا (لاسِع) ..عندك (مانِع) ؟!

أيوه أنا (لاسِع) ..عندك (مانِع) ؟!

بدايةً أعتذر عن كلمة "لاسِع"، لكنها بلغة قاموس الحياه اليومية اللفظ الأقرب لوصف الحالة التى أريد الحديث عنها.. قد تعصف بنا بعض اللحظات التى تبدو غريبة للأخرين، مما يدفعهم لإطلاق مثل هذا الوصف، عندما ننطلق نهذى كما لوكنا فقدنا صوابنا وتخلينا عن رسمية أغلفتنا الخارجية، ونكاد نكون ذلك (الآخر) الذى لا يعرفه أحد .

إنها (ذُروة) التشبع بالمؤثرات الخارجية والداخلية وما تعج به الدنيا من ضغوط تلفنا بإحكام.. وبعد ممارسة طويلة لذلك الدور الرصين المستوعِب لكل الضربات والعثرات وخلافه، تأتينا مثل هذه اللحظات الهاربة، التى يُطالب فيها العقل الحَمُول بـ"متنفس"، خالقًا ذلك (الآخر) الافتراضى، الذى يمضى فى هذيانه دون قيود منطقية إلى أن تُخرِج النفس كل هزاتها الأرضية وحممها البركانية ورياحها الخماسينية، فتعود الأجواء ربيعية صافية من جديد..!

ومن علامات هذا "الانفلات" الشعورى الذى يُخادع "حراس العقول"، ويطلق سراحها فى جلسة تصالح مُشبِعة، ذلك الضحِك الهستيرى الذى ينتابنا أحيانًا مع عصف أشد لحظات الألم، وكأن "الجسد" يعطى إشارات عكسية تقيه من طاقته السلبية، حتى لا يصعقه تيار الهَم، كذلك هذا "الاسترسال العميق" الذى نمارسه أحيانًا خارج السياق وكأننا نُجالس أنفسنا أمام مرآة، لنُفضى إليها بما حاولنا حجبه دومًا إما بدافع الكبرياء أو بدافع الوجع المفرط، ويحسبنا البعض فى تلك الأثناء كالمصابين بحالة انفصام لحظى عن إدراك المكان والزمان.

ويكون الحال هكذا بالفعل، لكنها نوبات آمنة نعود بعدها إلى مدارنا التقليدى وفلكنا المعتاد، ثم يساورنا ذلك الشعور بالارتياح، فلا ندرك مبعثه فى حينه، ونمضى نهمس بداخلنا قائلين: "مرحبًا بتلك اللحظات الفاصلة، التى تمنحنا مكاشفة تعيد تنقية أجوائنا"، وكأن (اللاوعى) هو ضيف الشرف الذى أدار حديثًا كاشفًا مع الذات المثقلة.

إنه خيط رفيع يفصل بين التنفيس الصحى عن تراكم الهموم والمرض النفسى الفعلى، الذى يقع أصحابه فريسة لمقاومة تلك الهزات اللامنطقية، فيكون ثمن مقاومتهم "غيبوبة" طويلة من الانفصام والانعزال عن الواقع.

لذا علينا آلا نخشى أو نسخر من حالة (اللَسعَان) التى يتهكم عليها البعض بإطلاق ذلك الوصف، فهى علامة صحية جدًا على تدارك الذات أوجاعها وتأقلمها الطبيعى مع صعاب الحياة بما يقيها من السقوط فى براثن المرض النفسى، فلو أجادت النفس ممارسة هذا الفاصل المفاجئ، فهى إذًا مُحصَنة بأسلحة لوجيستية ضد الاضطراب السلوكى العاصف.. تستحضر تارة لحظات حزينة لتجهش بالبكاء فى وقت تتجمد به الدموع فى المٌقل، فإذا بها تمطر آلامًا ظلت أمدًا تعصى التحلل، وتستحضر تارة أخرى لحظات سعيدة لتؤنِس بها فصولًا طويلة من الشجن، فإذا بها ترتسم تلك الابتسامة الخجولة على الوجه العابس الذى انتظر طويلًا موعدًا مع (السعادة) العنيدة .

فهى (مناورة) النفس لأوجاعها، وصياغة خاصة جدًا من معجم اللحظات الخاصة بكل شخص على حدة، لذا لا تخجل من لحظات خرقك للواقع ورددها بكل اقتناع ويقين: (أيوه أنا لاسِع.. عندك مانع؟!).. فهى مجرد لحظات عابرة، لكنها تجعلك أوفر حظًا من غيرك فى العبور السلس بمنحدرات الحياة الوعرة، فتستطيع تجاوزها دون التعثر بها، بل تمتطيها مُحلقًا ساخرًا عائدًا من جديد لليابسة المستوية بلا مطبات أو عراقيل مميتة... !!!

##

مقالات اخرى للكاتب

مطرانية مغاغة والعدوة: تسليم مكرسة إلي والدها والإيبارشية غير مسؤولة عنها وعن تصرفاتها





اعلان