20 - 04 - 2024

الشعب يريد بعض التدليل

الشعب يريد بعض التدليل

صهوة

فى العلاقات الإنسانية يحب كل طرف أن يكون شخصا مدللا، التدليل روح الطفولة التى تسكن خبايا النفس، قطع الحلوى والبالونات والأسماء المحببة، طبقة الكريمة التى تجمل العلاقات وتخلق نوعا من الجاذبية وتفتح الشهية، فالمرأة تحب دائما أن تكون كائنا مدللا حتى تحظى بالثقة والنعومة التى تنعكس فى علاقتها مع الآخرين، التدليل ليس فعلا قاصرا على علاقة الأسرة بالأبناء والزوج مع زوجته أو العكس والبنت ووالدها وكذلك الأصدقاء بل هناك نطاق رحب يسمى تدليل الشعوب وهو علاقة الحكومات مع المواطنين.

 توجد فى عالمنا شعوب تتمتع بالدلال والغنج تحاول الحكومات بكل الطرق السعى إلى إرضاء المواطن باعتباره الخلية الأولى فى بناء المجتمع، هذه الشعوب ينعكس عليها هذا النوع من الاهتمام يظهر فى طريقة التفكير وأسلوب التعامل، لو تابعت الأخبار فى الصحف الأجنبية سوف تجد أخبارا رغم بساطتها ووقوعها فى خانة الأخبار المنوعة إلا أنها تؤكد منهج التدليل المتبع فى المعاملة.. ففى اليابان مثلا نجحت إحدى الشركات الزراعية فى إنتاج نوع من البيض بطعم ورائحة الفاكهة؛ خبر آخر يقول: "أنتجت شركة بريطانية أول آيس كريم مضيء من نوعه فى العالم، وأصبح متاحاً للعديد من مشاهدى السينما"، ثم ننتقل إلى عالم الفن،وخبر عن متحف "برادو"، فى مدريد، أحد أكثر المتاحف شهرة فى أوروبا، وأطلق أخيرا معرضا خاصا فى أروقته، لفاقدى البصر،

ليستمتعوا بـ"لمس" اللوحات الشهيرة، التى طُبعت لهم خصيصا بطريقة ثلاثية الأبعاد، ليستطيعوا رؤيتها من خلال لمساتهم، وننتقل إلى هولندا لنندهش مع خبر "مدينة هولندية تخطط 7000 موقع تحت الماء، والجزر العائمة تصلح مرآبا للدراجات التى تزداد شعبيتها فى هولندا، والخبر يعرض صورة دراجة تكسوها الثلوج فى أحد المواقف المكشوفة".

عندما أتصفح مواقع الأخبار وتقع عيناى على أخبار مشابهة ينتابنى شعور بالغيرة نوعا ما والدهشة أحيانا، وتثور فى رأسى الأسئلة التى تبدأ بكيف ولماذا ... هذه الأمور تعد ضربا من الخيال فى عالمنا العربى الذى انفردت أخباره بروائح الدخان وصور الدم ومشاعر الغضب والعنف والانتقام، وباتت عاداتنا اليومية أن نغفو ونصحو على أخبار الفواجع والمصائب، حال المواطن العربى حزين لا يعرف الدلال وعندما يضحك يستعيذ من الشيطان ويقول "خير اللهم أجعله خير".

عالم النكات لدينا ولد من رحم الأزمات والأحزان، نوع من الفلسفة الساخرة حتى لا نموت كمدا،.ربما نوع من الهرمونات الدفاعية التى تخصنا وحدنا، نضحك حتى تتساقط الدموع، مخزون من الكوميديا السوداء وملهاة المأساة .

مؤخرا دشن الشباب هاشتاج يسمى " هانضم لداعش" بعد ذيوع خبر انضمام محمود الغندور إلى            صديقه إسلام يكن المصريبن اللذان التحقا بداعش، أغلب التغريدات جاءت ساخرة تثير الضحك إلا أنها تحتاج إلى التأمل والتفكير لأنها تجسد عمق الواقع وكل تغريدة تستحق أن تصبح عنوان مشكلة وبحث يستحق الدراسة بل والعلاج، فما هى الأسباب التى تدفع شبابنا وبناتنا للتفكير فى الانضمام لداعش إليكم بعض التغريدات "أنا ثانوية عامة.. هانضم لداعش"، "مش لاقى أنبوبة غاز.. هانضم لداعش"، "السجاير غليت.. هانضم لداعش"، "لما يفتحوا روما هأكل بيتزا ببلاش.. هانضم لداعش"، وأسباب أخرى مثل النت بطيئ وانقطاع الكهرباء...والسؤال متى يعيش الشباب حياة تناسب أعمارهم، ومتى تتصدر الأخبار لدينا واقعا مختلفا شىء من البهجة يعيد إلى عالمنا البائس بعضا من الحيوية والتفاؤل، لا نريد بيضا برائحة الفواكه ولا آيس كريم مضيئا، لكننا نريد حياة سوية كريمة ننال فيها قدرا من الاحترام، نريد أن نخرج من دائرة العنف إلى فضاء الرحمة والإنسانية.. نستجدى بعضا من التدليل حتى نستطيع المواصلة ولكى لا يتحول الهاشتاج الافتراضى إلى غير افتراضى يوما ما.

##

مقالات اخرى للكاتب

اليوم..بنات عين شمس تعقد مؤتمر





اعلان