20 - 04 - 2024

الثقافة ليست ترفا وتثويرها ليس اختيارا

الثقافة ليست ترفا وتثويرها ليس اختيارا

"المثقف ليس مهنة وإنما هو موقف" كثيرا ما يستعير المثقفون العرب هذه العبارة من المفكر الفرنسى الشهير جان بول سارتر، الذى كان يرى أنه لا يوجد طائفة من الناس يمكن أن نسميهم "المثقفون" وإنما هناك مواقف يتخذها أولئك الذين قر فى ضمائرهم وعقولهم وقلوبهم أنهم مثقفون.

أقول إننا كثيرا ما نستعير هذه الكلمات من جان بول سارتر ونرددها، لكنها أبداً لا تغادر أفواهنا إلى ما هو أعمق، إلى ضمائرنا وعقولنا وسلوكنا فى الحياة، لأننا قررنا أن نتعامل مع الكلمات باعتبارها حلية توحى للسامعين بأننا واسعو الاطلاع من ناحية، وأننا نفهم حقيقة الدور الذى على المثقف أن يلعبه من ناحية أخرى، نتعامل مع الكلمات إذن، كما نتعامل مع الثقافة ذاتها،  باعتبارها حلية يمكن أن تزين الرجل أو تخلع عليه وجاهة اجتماعية أو حتى أخلاقية، هذا بالطبع إذا لم نكن قررنا ما هو أسوأ: أن تكون الثقافة باباً رحباً للرزق اليسير الوفير وطريقاً أكثر أناقة للتسلق الاجتماعى إلى مهنة أعلى أو مكانة أقرب من مانحى الهيبة والمال والمكانة.

عليك أن تبحث بحثاً مضنياً حتى تعثر على ذلك المثقف الذى يؤمن بحتمية الثقافة الحقيقية فى الأوقات كافة، وفى الأوقات المفصلية الفارقة بصفة خاصة، ومن ثم يؤمن بأنه هو شخصياً ينبغى أن يؤمن بقدرته على اتخاذ موقف وإحداث تغيير.

ومصر تمر اليوم بأكثر أوقاتها احتياجاً إلى حضور الثقافة بمعنها الحقيقى وجوهرها الأصيل، وبوجود أولئك المثقفين الذين يمتلكون مواقف مبدئية، بل الذين يمثلون هم أنفسهم مواقف مبدئية.

الثقافة ليست ترفا نستكمل به وجاهتنا يا عباد الله بعد أن نطمئن إلى وجود رغيف الخبز ووقود السيارة وأمن الشارع وصحة المواطن وتعليم الأولاد وفرصة العمل.

الثقافة الحقيقية تسبق هذا كله، أو على الأقل تتوازى معه؛ لأنها هى بذاتها سوف تكون إحدى ضمانات أن يتحقق هذا كله على وجهه الكريم وصورته العادلة.

وإذا كان قطاع كبير منا يصرخ : إن الثورة كما كشفت عن أنقى ما فينا وأنبل ما فينا ، قد أتاحت الفرصة لإظهار أسوأ ما فينا، فإن هذا يؤكد الحاجة الماسة إلى استحضار المعنى الحقيقى للثقافة والدور الحقيقى للمثقف لإيقاف هذا الهبوط المريع فى المستوى الحضارى العام فى مصر، وإعادة رأس السهم إلى أعلى لتستعيد مصر وجهتها الصحيحة وتسترد وجهها المشرق وسمتها الكريم.

الثقافة ليست ترفاً يا عباد الله، وتثوير الثقافة ليس اختياراً يمكن أن ننحاز له أو ننصرف عنه أو حتى نؤجله قليلاً، لأن البدهية الساطعة تؤكد أن من أفسدوا وأعانوا المفسدين وقبلوا بالفساد والإفساد لا يمكن أن يكونوا هم صناع الإصلاح، يصدق هذا على الأشخاص، والمؤسسات والقيم الحاكمة لعمل هذه المؤسسات.

##

مقالات اخرى للكاتب

اليوم..بنات عين شمس تعقد مؤتمر





اعلان