28 - 03 - 2024

ليليان داود والمكارثية السيساوية

ليليان داود والمكارثية السيساوية

من البداية نقول إنه لا تنسجم سلطة أتت بالقوة المسلحة، وبآلة دعاية استخباراتية وبسياسة  "فرق تسد" الاستعمارية، وبتأجيج حالة الاستقطاب في المجتمع، ولعبة خداع وتضليل وترهيب للجماهير، مع بيئة مواتية للديمقراطية، وأجواء إيجابية للحريات العامة والخاصة.

فكانت ثمة أصوات عديدة تقول لا إن الوضع أختلف، وأنه بعد "ثورتين" لا يمكن أن يحدث رجوع للوراء.

وحين جرى دسترة المحاكمات العسكرية للمدنيين لأول مرة في تاريخ مصر، وحماية واسعة وامتيازات مفتوحة للمؤسسة العسكرية وجعلها فوق كل السلطات بلا رقيب أو حسيب، حذرنا من عسكرة المجتمع، وملاحقة كل المعارضين، وإهدار مبادئ الدولة المدنية الحديثة، فتحدثت هذه الأصوات التى للأسف بعضها كان يحسب نفسه على "الثورة" أو النخبة الثقافية والسياسية، أنه أعظم دستور في تاريخ مصر بل والعالم، وانه يضمن الحريات بشكل غير مسبوق، ثم كانت الوقائع على الأرض تؤشر أننا نرجع إلى الخلف أسرع مما توقع أحد، وأن الأوضاع تسوء حتى بالمقاربة مع حقبة الديكتاتور العجوز مبارك، خاصة في ملف حقوق الإنسان.

ووصل الأمر ليس فقط إلى تسميم الأجواء السياسية، وقطع الطريق على كل المبادرات المتحسمة للتغيير وبناء مصر الجديدة،  ولا حتى منع تعدد الأصوات، وإتاحة فرص عادلة لها في المشاركة في الإعلام والمنتديات العامة، بل بتكريس مبدأ "الصوت الواحد"، وإنتهاك ونهش بصورة بشعة كل من يتجرأ على انتقاد الجنرال وسياساته وأجهزته والانتهاكات الواسعة اليومية على كافة المستويات، باسأليب ولغة رخيصة لا تراعى حرمة ولا أية خطوط حمراء، بحيث يكون المنتقد أو المعارض عبرة لغيره، فلا ينطق أحد غير ما يراد تعميمه، ولا يكون ثمة صوت غير المهللين والمنافقين الذين يصنعون فرعونا جديدا، ولا يهممهم غير مصالحهم الانتهازية، حتى لو ذهب الوطن للجحيم.

فكل صاحب موقف مختلف حتى لو كان من المؤيدين سابقا، هو خائن وعميل ومأجور، وكل معارض حتى لو مستقلا ومخلصا للوطن، هو إخواني إرهابي، حتى لو كان مناهضا للجماعة التى ليست سوى الوجه الآخر لنظام مبارك.

وكل من يبتغي بالنقد الإصلاح والمصلحة العامة جزء من الفوضى والمؤامرة الكونية والمشروع الصهيوأمريكي، رغم أن السلطة الحالية في أفضل حالات الانسجام مع تل أبيب وواشنطن، والتعاون الاستراتيجي بينهم على أعلى مستوى، وتجاوز الحدود إلى دول أخرى، مع دول الخليج والأردن، ودول المنطقة الأخرى.

وحالة الإعلامية ليليان داود التى نهشتها الكلاب المسعورة لمجرد أنها قالت غير ما يريدون أن يسمعوا على صفحتها الشخصية على "تويتر"، وليس حتى في منبر إعلامي جماهيري، ليست بالأولى ولن تكون الأخيرة، في ظل هذه الحالة العبثية القمعية، وتوجه السلطة الحالية نحو تكميم الأفواه، ومصادرة الحريات العامة والخاصة بعد إغلاق كل المنابر العامة ومصادرة المجال العام.

وبصرف النظر عن تقييمنا لأداء ليليان داود الاعلامي أو مواقفها السياسية، إلا أن حملة الهجوم بوقاحة ولا أخلاقية وشوفنية لمجرد أنها قالت رأيا يخالف انصار الجنرال السيسي، هو نوع من المكارثية السيساوية، ومحاولة لقمع كل الأصوات التى لا تساير خطاب وسلوك القطيع، واستغلال نقطة انها ليست مصرية في الدعوة لترحيلها او التهكم عليها جريمة في حقنا كمصريين صنعنا مكانتنا ودورنا باعتبارنا الدولة العربية الكبرى، وبيت العرب الذي يحتوى كل العرب، ويرحب بأى مواطن عربي، بل ويمنحه فرصا، ربما لا تتوافر لنظيره المصري.
 وما نود أن نؤكد عليه أن حرية التعبير ليست فقط مكفولة لمن يؤيد أو يتجاوز أو يهاجم معارضي النظام التى لا تندرج افعالهم اصلا في باب الحريات، وانما الجرائم المعاقب عليها كالسب والقذف، ولكنها مبدأ رئيس من مبادئ الديمقراطية وعنوان قوة الدول،بينما الأنظمة الفاقدة للشرعية والمهتزة الأركان والضعيفة فقط هى من تجرم حرية الرأى والتعبير الذي هو أحد المبادئ الدستورية الراسخة وأحد القواعد المتعارف عليها دوليا.

وتحت أى ظرف لا يمكن التنازل عن هذه الحقوق والحريات، وغير مقبول تبرير هذه الانتهاكات.

فالمجتمعات القوية هي التى توفر بيئة من الحريات العامة والخاصة، وترى في النقد ميزة وليس عيبا، وتنبه للأخطاء ووسيلة للتصحيح.

------------

*كاتب صحفي

Email:[email protected]

##

مقالات اخرى للكاتب

سفير تركيا بالقاهرة يشيد بالروابط الثقافية والتاريخية المشتركة مع مصر





اعلان