30 - 04 - 2024

دور المشرع في ظل غياب الحياة النيابية

دور المشرع  في ظل غياب الحياة النيابية

إن المشرع الدستوري وضع المادة 156 بالأساس لتسرى على القوانين التي تصدر فى الفترة التي سيغيب فيها البرلمان مثل الإجازة البرلمانية أو فى حالة حل البرلمان. أما الآراء التي تقول غير ذلك غير دقيقة و سطحية فى قراءة المادة 156من الدستور المعدل حيث لان المادة تتحدث عن برلمان كان موجودا وحدث شئ عارض مثل حالة حله توجب إعادة التصويت على القوانين التي صدرت فى غيابه.

 أن الدستور المعدل لم يتطرق  إلى الحالة المماثلة التي تعيشها مصر الآن، مصر منذ 3 يوليو 2013 وحتى انتخاب البرلمان المقبل تعيش فى فترة تسمى دستوريا غياب الحياة النيابية؛ وبالتالي لا ضرورة أو إلزام ولا يوجد نص يوجب عرض القرارات بقوانين التي صدرت عن الرئيسين السابق عدلي منصور أو الحالي عبد الفتاح السيسى على مجلس النواب”. لرئيس الجمهورية صلاحيات دستورية عريضة في المجال التشريعي ، على ضوء ما كان مقررا في الدساتير السابقة ، وما قرره الدستور الحالي بدءا بسلطة اقتراح القوانين ، والاعتراض عليها بالإضافة إلى الحق في الإصدار والنشر إلى غاية تعديل الدستور ، وكلها امتيازات تجسد مكانة رئيس الجمهورية في الدولة .

إن القانون هو تعبير موضوعي عن روح الدولة، ولكنه مهما علا في درجة تعبيره يظل دائما دون المجرد المطلق ألا وهو الدولة وفي هذا تكمن سيادتها.وعليه فان القواعد التي تنظم ممارسة السلطة لا يمكن إن تكون إلا من عمل الدولة نفسها، فالدولة هي التي أوجدت القانون، وهي تخضع له لتحقيق أهدافها.

 إن القاعدة في الأنظمة الحديثة تقوم في حكمها على الإرادة الشعبية ، حيث نجد على جانب البرلمان رئيس المؤسسة التنفيذية أيضا منتخب مباشرة أو بطريقة غير مباشرة ، الأمر الذي جعل الدساتير الحديثة ، جاءت بقاعدة جديدة مفادها توزيع الوظيفة التشريعية بين جهات ثلاثة ، يتماشى والتغيير الذي حدث في مفهوم السيادة التي أصبحت ملكا للشعب مما يسمح بتجزئتها ، وبالتالي تعدد ممارستها ، فقد تمارس من قبل الشعب بالاستفتاء ، أو بواسطة البرلمان عن طريق التشريع أو رئيس الجمهورية بواسطة الأوامر ، يساعده في ذلك عامل التشريع بكل حرية في حالة حل المجلس النيابي أو بين دورتيه ، وكذلك شرط الموافقة التشكيلية التي تقلل من دور المجلس في مجال التشريع وتدعم مركز رئيس الجمهورية إلى جانب ذلك نتائج هذه الموافقة عد عملية التشريع المحور الأساسي والمجال الحيوي لتحريك وتفعيل العلاقات الدستورية الوظيفية بين سلطات ومؤسسات الدولة ، ولضمان استمرارية هذه الحركة التشريعية

برزت ضرورة أن يتصدى رئيس الجمهورية لأي خلل قد يعيق هذه الحركة ، بوصفه الراعي والحامي لمصالح الدولة ، هذا من خلال تدخله ولو بصفة استثنائية في الوظيفة التشريعية لتسيير أمور الدولة إلى غاية انقضاء المانع الذي منع السلطة التشريعية من ممارسة دورها يمارس رئيس الدولة سلطة التشريع وفي ظل الظروف الاستثنائية والمراحل الانتقالية يمارس رئيس الجمهورية سلطة التشريع ولا يجوز له عرض هذه التشريعات علي المجلس النيابي لان سلطة عرض هذا الأمر تفرض في الظروف العادية وليست الاستثنائية وهي غيبة المجلس سواء قائم وفي إجازة برلمانية أو منحل أو انتهي دورته وفي مرحلة إجراء انتخابات جديدة

إذا تعطلت الحياة النيابية لأيّ سبب من الأسباب، لا يكون البرلمان - جهاز التشريع الأصيل - عندئذ موجودا. وفي هذه الحالة وتجنبا لحصول فراغ تشريعي لابد من وجود سلطة تتولى مهام التشريع تكون عادة رئيس الدولة أو الحكومة. فهذه نتيجة حتمية قد تتوقعها الدساتير وتنص عليها صراحة وتنظم كيفية ممارستها

قد لا يكتفي المشرع الدستوري بفرض الرقابة البرلمانية على أعضاء السلطة التنفيذية، وتقرير مسؤوليتهم وإنما يبسط هذه الرقابة إلى بعض أعمال هذه السلطة، بحيث يكون للبرلمان إذا رأى عدم مشروعيتها، أو عدم ملاءمتها سياسياً، إن يقرر إلغاؤها أو الحد من آثارها، وكل ذلك وفقاً للدستور.

ورقابة الملائمة تستهدف التحقق من وجود الوقائع التي تدخلت على أساسها السلطة التنفيذية ومدى توافر حالة ضرورة فعلياً أي الوجود المادي لهذه الوقائع. لقد خلصت المحكمة الدستورية إلى إن «المجلس التشريعي يختص أساساً بالتشريع، أي بإصدار قوانين ذات قواعد عامة مجردة وفقاً للإجراءات المرسومة دستورياً، لأن الدستور قد خوله بالإضافة إلى ذلك اختصاصات أخرى يطلق عليها اصطلاح الأعمال البرلمانية، وهي جميع الأعمال القانونية التي ليس لها صفة العمومية والتجريد والتي تصدر من المجلس التشريعي أو من إحدى لجانه أو أحد أعضائه وهم بصدد القيام بوظائفهم المخولة لهم بموجب الدستور خارج نطاق وظيفة التشريع، ومن ثم فلا تعد أعمالاً تشريعية مما يبعدها عن مفهوم القوانين أو المراسيم بقوانين أو اللوائح، وعلى ذلك فهي تخرج عن رقابة المحكمة الدستورية المحدد نطاقها على نحو ما سلف، ولما كان ذلك وكان قرار مجلس الأمة بإقرار أو عدم إقرار المراسيم بقانون الصادر في غيبته لا تتوافر فيه عناصر القاعدة القانونية الملزمة من العمومية والتجريد ولا تدخله في زمرة القوانين التي يصدرها المجلس لعدم إتباع الإجراءات الدستورية بصدده والمقررة لسن القواعد، ومن ثم فان قرار مجلس الشعب بعدم إقرار المرسوم بقانون لا يعد من التشريعات التي حددها الدستور والقانون وبالتالي إخضاعها لرقابة المحكمة الدستورية». فالدستور هو ابتداء قيد على إرادة السلطة التشريعية

 يمنعها من سن تشريعات تتعارض مع المبادئ والقواعد التي تضمنها الدستور، وهو أيضا قيد على إرادة الحاكم وأعوانه يمنعه من تجاوز سلطاته أو التعسف في استعمال تلك السلطات ، ويحترم القضاء الدستور ويتولى الرقابة على السلطات الأخرى ويبطل تصرفاتها المخالفة للدستور .

 وهكذا قيل إن الدستور يتمتع بسمو على إرادة الحكام وعلى جميع قوانين الدولة، إلا إن هناك استثناء يرد على مبدأ سمو الدستور. يعطل تطبيقه جزئياً لحماية الدولة والمجتمع في الأوقات العصيبة التي تمر بها ويعرف هذا الاستثناء في فقه القانون بنظرية الضرورة وتكتسب هذه النظرية أهمية خاصة في الأوقات العصيبة التي تمر بها الدولة ، واصل النظرية مقولة رومانية قديمة مفادها ( سلامة الدولة فوق القانون ) أو ( سلامة الشعب فوق القانون ) ويترتب على مبدأ السمو المادي للدستور عدة نتائج مهمة، منها: أن القواعد الدستورية ملزمة لجميع هيئات الدولة وأن أي نشاط يكون مخالفاً لهذه القواعد لا يتمتع بأي أثر قانوني لأنه يمس مبدأ المشروعية الذي يعني وجوب احترام القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية والالتزام بها وضرورة مطابقة تلك القوانين للنصوص الدستورية. وبما أن الدستور هو مصدر جميع السلطات العامة في الدولة، فهذا يعني أن هذه السلطات (رئيس دولة، مجالس تشريعية الخ…) لا تمارس حقاً شخصياً تتصرف به كما تشاء، وإنما تمارس وظيفة تحددها النصوص الدستورية وتبين شروطها ومداها، وينتج عن ذلك إن هذه السلطات لا تستطيع تفويض غيرها في ممارسة اختصاصها إلا في حالة إباحة الدستور للتفويض بنص خاص وذلك عملاً بالمبدأ الذي يقول: (الاختصاصات المفوضة لا تقبل التفويض).

هذا وان مبدأ سمو الدستور لا ينتج أثره القانوني ما لم تنظم وسائل تكفل احترامه، أي بتنظيم الرقابة على دستورية القوانين. ولا يمكن تنظيم هذه الرقابة ما لم يتحقق للدستور السمو الشكلي بجانب السمو الموضوعي.

 إن سلامة الدولة فوق كل اعتبار ويقوم جوهر نظرية الضرورة على افتراض قيام خطر جسيم وحال، يهدد كيان الدولة ومؤسساتها الدستورية ، بحيث لا تجدي القواعد القانونية التي وضعت للظروف العادية في مواجهته ، فتجد الدولة نفسها مضطرة لمخالفة الدستور والقوانين العادية من أجل مواجهة هذا الخطر الداهم الذي يهدد كيان الدولة ووفق شروط وضوابط تكاد تتفق عليها اغلب الدساتير.

 قرت الشريعة الإسلامية نظرية الضرورة في وقت مبكر سبقت فيه الشرائع الحديثة بعدة قرون حيث أشارت إليها بوضوح النصوص القرآنية الكريمة والسنة السنة النبوية الشريفة ، وتولى فقهاء الشريـعة دراسة هذه النصوص واستنبطوا منها قواعد كلية وفرعية في العبادات والمعاملات ، وبنوا أحكامها الشرعية على مستلزمات الضروريات الخمس وهي ( حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل) وذهبوا إلى أن المحافظة على هذه الضروريات الخمس تبيح مخالفة التكاليف الشرعية بعد إن اشتقوا لها إحكاما وشروطا وقيودا من مصادر الحكم الشرعي وقسموا الحكم الشرعي باعتبار عمومه إلى عزيمة ورخصة. وعرف بعضهم الضرورة بأنها ( خوف من الهلاك على النفس أو المال سواء أكان هذه الخوف علماً أي أمراً متيقناً أو ظنناً يراد به الظن الراجح وهو المبني على أسباب معقولة). وتقوم نظرية الضرورة في الفقه الإسلامي على قاعدتين هما، قاعدة المشقة تجلب التيسير وقاعدة لا ضرر ولا ضرار. وهكذا، فإن حالة الضرورة، وإن كانت تتيح صلاحيات تشريعية استثنائية للسلطة التنفيذية إلا أن ذلك لا يعني بأي حال إهدارا لمبدأ الفصل بين السلطات، وإنما مجرد استثناء مقيد أساسه القانوني في نصوص الدستور،وأساسه الفعلي في تحقيق التوازن بين ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولي كل منهما لوظائفهما في المجال المحدد أصلا،وضرورة المحافظة على كيان الدولة إزاء ما قد تتعرض له من مخاطر تفسر حتمية هذا الاستثناء.

##

مقالات اخرى للكاتب

الرئيس السيسي وأمير قطر يبحثان مستجدات الجهود المشتركة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة





اعلان