16 - 04 - 2024

حنان البدري تكتب : ذكريات لها معني

حنان البدري تكتب : ذكريات لها معني

زمان زمان منذ اكثر من 25 عاما حدث و ان كنت احد أعضاء وفد صغير مكون من تسع طالبات و طلاب يمثلون الطلبة المثاليين من جامعات مصر الي رحلة تثقيفية و تعليمية الي إيطاليا - ارجو ان يكون هذا التقليد مازال معمولا به - الرحلة كانت بالتنسيق بين وزارت التعليم العالي و الثقافة و الشباب و الدعوة من الحكومة الإيطالية- و كان المشرف علينا دكتور فاروق حسن ملحقنا الثقافي السابق في روما و لاحقا مستشارناالثقافي في واشنطن و هو غير وزير الثقافة فاروق حسني

- المهم ان الرحلة التي قاربت الشهر كانت من اهم الرحلات التي تركت بصمتها في نفسي حتي الان رغم انه قدر لي بعدها ان اجول مشارق الارض و مغاربها،   وماتزال رحلة إيطاليا تلك و التي كانت نافذتي الاولي علي العالم و لم تزل إيطاليا بعد كل تلك السنين في عيني و قلبي من اجمل بلاد العالم التي لا أمل زيارتها بعد مصر طبعا، لقد زرنا معالم مدن كثيرة و تعرفنا علي النظم التعليمية و الثقافية و التاريخية و الحرف من صناعة الخزف و الجلود و حتي السيارات ، و في الأسبوع الأخير من الرحلة كانت وقفتنا في روما و كانت إقامتنا في صرح مصري و هو الأكاديمية المصرية ب فيللا بورجيزي التي تقف و مازالت رمزا لتقارب الحضارتين و الصداقة بين البلدين و ليس بعيد عنها مازال تمثالا أقيم منذ عقود لشاعر مصر و أمير الشعراء احمد شوقي بك كنت اقف   بخيلاء بجواره  لتلقط لي صوره .

و قبل ان نغادر بيوم اتيحت لنا فرصة لقاء لورد الصحافةالمصرية في أوروبا الاستاذ عبد الحليم اسماعيل الذي قرر ان يبرز علي ألسنة مجموعة الشباب هذه- ثلاث فتيات و ستة شبان - نتاج تجربتهم في تلك الرحلة في صورة تحقيق صحفي ، كان سؤاله الأساسي عن اكثر الأشياء التي استلفتتنا . و بالفعل قام بنشر تحقيق حمل صورنا - علي ما اعتقد نشره وقتها في جريدة الجمهورية، و اذكر انه من ضمن ما قلته انبهاري بقيمة و احترام العمل لدي الجميع بغض النظر عن ماهية الوظيفة او حجمها و تمنيت ان نهتم بذلك في بلادي، فلم انس مشهد وقوفي فترة طويلة امام عامل بأحد مصانع الخزف كنا نزوره ضمن جولتنا بمقاطعة بورجيا/ اسيسي كان العامل يبدع و الجد و الاهتمام علي ملامحه، رسما جميلا علي إناء فخاري و عند قيامه بوضع اللمسات الاخيرة نظر الي الاناء و يبدو انه وجد خطأ ما فقام علي الفور بالتخلص منه في المهملات ! فأنخلع قلبي حزنا علي تحطم هذه القطعة الفنية ، و أبديت اندهاشي!!

فشرحت لي مرافقتنا الإيطالية السبب و كيف ان الجودة مهمة للعامل و لأسمهم التجاري و ان اي تهاون و لو بسيط سيقلل من قيمة اسمهم في السوق و من حجم المبيعات و قيمتها و بالتالي من الربح النهائي و اجر العمال ! المهم ان الموضوع نشر و فوجئت بعدها بفترة طويلة بمن يبلغني ان هناك كتابا اصدره صحفي معارض - وقتها - أخذ ما جاء علي لساني كدليل علي نظريته بأن الدولة تدفع بشبابها الي السفر في رحلات يجري فيها تلويث عقولهم و غسيلها بواسطة الغرب الكافر!!!

و لم اسكت و قمت بالبحث عن الكاتب و كنت ساعتها صحفية ناشئة بالوفد المعارض ،و وصلت اليه و كان يعمل بجريدة الشعب آنذاك و قدمت نفسي ، هأنا من اتهمتها و زملائها ، واجهته و شرحت له عدم اقتناعي بما قال، في الحقيقة هو اعتذر وقتها - شفهيا طبعا- و المفارقة انه و بعد سنوات طويلة وجدته اكثر تطرفا في آرائه بل كان اول من انشأ قناة تلفزيونية للمنقبات بعد الثورة ! عن ابو اسلام احمد عبد الله اتحدث.. قد يتساءل بعضكم عن سبب سردي الطويل و ربما الممل هذا و استدعاء هذه الذكريات البعيدة!!

 أقول لكم، انها تعليقات البعض علي كتابات  سابقة تحدثت فيهاعن جريمة ذبح كلب وفي و ثمن إهمال تنفيذ قوانين الرفق بالحيوان امام عقولنا و اولادنا و امام العالم بعد ان باتت هذه الجريمة حديث العالم واعلان رسمي عن موات انسانيتنا  ،  وايضا سردي  لواقعة اخري و هي واقعة إهمال تعرض لها صديق عند قيامه بعمل إجراءات الفحص الطبي لاستكمال أوراق التقدم للترشح في انتخابات مجلس الشعب القادم، و كتبت تعليقي علي الفيس بوك  

حكيت في التعليق تحت عنوان فضيحة بالورقة والقلم  كيف تقدم للترشح للانتخابات و ذهب لإجراء الكشف الطبي و كانت النتيجة من المستشفي بإنه لا موانع ، و لم يعط  في البداية صورة من التقرير الطبي لأنهم ذكروا له في البداية انهم سيرسلون المظروف بالنتيجة مغلقا للجنة العليا للانتخابات، و عندما علم بأن عليه الحصول علي نسخة لترفق بأوراق التقديم للمحكمة مع بقية الأوراق ، عاد لمستشفي" الهرمل" و بعد أخذ و رد اعطوه صوره من نموذج نتيجة الكشف الطبي ، و بالصدفة وقعت عينه علي الشهادة ليفاجئ بأنه مسجل فيها ان لديه موانع صحية تمنع ترشحه.

ذهل الرجل و اصر علي مقابلة الطبيب ليستعلم عن السبب، و بعد محاولات شائكة مع السكرتيرة تمكن من مقابلة الطبيب الذي أعاد فحص الكشوفات و نتائج التحليل ليبلغه ان ليس لديه موانع! و استدعي السكرتيرة فإذا بها تبلغه بأن نسخ نموذج عدم وجود موانع قد نفذت!! فقامت بإستخدام النموذج الاخر و المعد لمن اخفقوا في الكشف الطبي.

صديقنا كاد يجن لاسيما بعد ان علم انه لم يكن الوحيد بل كان هناك خمسه غيره علي الأقل تعرضوا لنفس الامر ! و الطامة ان هؤلاء المرشحين لم يعلموا بمضمون صور الشهادة لأنهم أخذوها في مظاريف مغلقة !! و حتي تكتمل المهزلة امضيوبعد ان امضي الرجل  ما يقرب من الثلاث ساعات لتصحيح الامر عبر اقتراح فهلوي من احد الأطباء يقضي بإزالة عنوان الاستمارة بالكوريكتور ثم تصويرها ، تعرفوا ليه يا سادة يا كرام؟ لأن المستشفي الطويلة العريضة كانت طباعتها تخلو من ورق الطبع و كذلك كامل المستشفي!! و لولا  صدفة ظهور احد الأطباء الذي أبلغهم بأن لديه بضعة وريقات يمكن استخدامها في ماكينة التصوير!! المهم ان صديقنا الرجل المحترم قرر ان يعتذر عن خوض الانتخابات البرلمانية و ان ينفذ بجلده!!...

   ..

 كانت تعليقات القراء علي هذه  الواقعة سببا  اكبر لقلقي   , فبعضهم رأي  انه  لا داعي لعمل شوشرة و كيف ان البلد مش ناقصه   !

و رأي اخرون انني اخطأت في الذات الحكومية و أهنت عمدا عبدة الروتين! و كانت التعليقات الأكثر صدمة لي و من ناس يفترض انهم مثقفين تتمركز حول هيافة الامر و كيف ان المرشح المقصود كان يمكنه شراء ورق من اي مكتبة قريبة، و لم ير هؤلاء قبحا في تدليس قد يكون غير متعمد و لكنه جريمه قد يترتب عليها إلغاء انتخابات بكاملها كلفت مصر ملايين الملايين حين يطعن واحد فقط من ضحايا هذه المهزلة في نتيجة الانتخابات و القانون في صفه!!

للاسف لقد أعادت لي هذه التعليقات  مرارة الإحساس بسرطان الاهمال الذي تمكن و منذ زمن من مفاصل أمة بكاملها، و وجدتني اتذكر و أقارن رغما عني مابين عامل الخزف الايطالي البسيط الذي احترم عمله و إتقانه له و بين موظفة المستشفي المستهترة و الطبيب الذي اقترح بفهلوة استخدام الكوريكتور !! و بين هؤلاء الذين رأوا ان الامر طبيعي و عديها و حاجة بسيطة، و كأن النار لا تبدأ من مستصغر الشرر و كأن الكوارث التي تودي بالالاف من ارواح المصريين سنويا في حوادث الطرق و في البيوت و أماكن العمل وغيرها بسبب الاهمال و عدم إتقان العمل و التسيب و الفساد كلها وليدة الصدفة و اللحظة والقدر و النصيب!! و كأن "اية يعني" و "معلش" و الاستهانة بأي شئ و كل شئ كلها باتت صكوكا مقدسة لعن تاركها!

أرجوكم قولوا لي ما الذي ينقصنا لنستفيق و نزيل الغشاوة علي الأقل من اجل اولادنا و من اجل الاجيال القادمة  حتي لا نورثهم جهلا و وتخلفا وحقدا ؟

لقد وصلت الأمور بِنَا الي التعود علي رؤية القبح حولنا دون ان ننتبه! و القبح الذي اقصده هو ذلك القبح الذي تمكن من المصريين في داخلهم! كتيير علينا ان يؤدي كل منا عمله و ان يتمسك كل منا بحقه ؟ اعلم ان ذلك اصبح شبه مستحيل من دون وجود رقيب صارم و حساب فوري يتأكد من تنفيذ و تفعيل القانون علي الجميع، هذا هو الحل في رأيي حتي تستعيد الأمة رقيب الضمير الغائب منذ عقود، اذا لم يحدث ذلك فالمركب كله الي هلاك.

---------

فبراير2015.

##

مقالات اخرى للكاتب

محافظ المنيا يعتمد جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل والشهادة الإعدادية





اعلان