إنقطاع الكهرباء ولو لدقائق عن معظم مناطق الجمهورية وليس لساعات كما حدث ليل الأربعاء وصباح الخميس الماضيين، حدث خطير، لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فما حدث ليس أمرا سهلا، فهي ووفق المفاهيم الاقتصادية "كارثة"، لأن الأضرار الناجمة كبيرة، فكم ساعة عمل تم هدرها، وكم من الخسائر وبالملايين مُنى بها إقتصاد الدولة، بسبب توقف عجلة الانتاج في إقتصاد أساسا مُنهك.
محاولة تبرير ما جرى من المسؤولين، ومن وزير الكهرباء أن ما حدث مفاجئ، ولاسباب غير معروفة، وأن يخرج الوزير ويقول بالحرف "لا نعرف السبب وراء إنقطاع الكهرباء المفاجئ" قول في منتهى الخطورة، ولا يجب أن يخرج مثل هذا القول من وزير في موقع المسؤولية.
صحيح هناك أزمة في الكهرباء، أو قل أزمات متراكمة في البلاد، وقضية الكهرباء جزء من أزمات الدولة على مر السنوات، ولكن أن يصل الأمر إلى إنقطاع الكهرباء بالشكل الذي شهدته البلاد فجر وصباح الخميس، أمر يستحق وقفة، ليس من الحكومة فقط بل من رئيس الجمهورية، والمجتمع المدني، لفتح تحقيق مُحايد وليس من وزارة الكهرباء فقط، كما أعلنت.
وليس من المقبول أن يكون المسؤول عن إنقطاع الكهرباء، ومن يدير هذه المرفق الحيوي، هو من يقوم بالتحقيق في قضية هو بالأساس المسؤول عنها، أو قل هو المتهم فيها، قد يكون هذا تحقيقا داخليا للوزارة، وليس هو "مربط الفرس"، فانقطاع الكهرباء بسبب محاولة "مناورة صيانة" أمر مضحك، وعيب قوي ان يقال في مصر التي لديها أجيال من أفضل مهندسي الكهرباء، "لا نعرف سببا موضوعيا" لسبب لانقطاع الكهرباء.
في مثل هذه الحالات وغيرها يجب أن تكون الشفافية هي السمة العامة للتعامل مع الجمهور، فاي محاولة للتضليل والتمويه على الأخطاء لن يقبلها الشعب، الذي "إنفطم" على قبول الكذب والتضليل، وبغض النظر عن الثقة في شخص الوزير من جانب رئيس الوزراء أو من رئيس الجمهوية شخصيا، ليس هناك سوى بديلين، إما أن يتحني الوزير ويبتعد خجلا، أو يتم تجميد نشاطه لحين أن يتم الكشف عن حقائق ما جرى، سواء كان السبب صغير بحجم "حبة رمل"، أو بحجم "جبل عتاقة".
ففي كلا الحالتين هناك إنقطاع للكهرباء وقع، ولم يتم حصر خسائره، بغض النظر عن الخسائر اليومية للانقطاع المستمر للكهرباء عن المنازل والمصانع والمرافق العامة، ويبقى السؤال الرئيسي معلقا، "كم من الخسائر وقعت؟، فهل سيظل سرا عسكريا، لا يجب الكشف عنه لاسباب تتعلق بالأمن القومي، أم ستكون الأمور أكثر شفافية.
لا يمكن أن يقال أننا هنا نتصيّد الأخطاء، بل نطمح الى تصويب الأخطاء، قبل أن تستفحل، اكثر مما هي قائمة، ويكفي البلاد ما فيها من ازمات، ولا نريد أن نفتح باب "جهنم" أمام الشامتين في الوطن ومواطنيه، وعلى يقين أن رئيس الجمهورية وبخلفيته في الإدارة التي تتسم بالصرامة، لن يقبل إهمالا من صغير او كبير، وأتمنى ذلك فعلا.
وقفات:
*ما حدث في معسكر معهد ضباط صف المعلمين الأسبوع الماضي، والذي أسفر عن مقتل 9 من أهالي طلبة المعهد، نتيجة التدافع خلال زيارتهم للطلبة، يستحق وقفة وتوضيح حقيقي، وصحيح أن الموقع عسكري، وله خصوصيته، إلا أن ما جرى، فيه شبهة إهمال تستحق في النهاية، تقديم تفسير مُقنع للجميع، ويشّفي ما في قلوب أهل الضحايا، ومحاسبة المسؤولين عن اي تقصير أو إهمال، ووضع قواعد للتعامل في مثل هذه الزيارات، والتي كنت شاهد عليها لسنوات طويلة خلال عملي محررا عسكريا.
*ما جرى من إقبال في اليوم الأول لطرح شهادات الإستثمار لقناة السويس، مؤشر مهم على إقتناع وقناعة الناس بفكرة وجود مشروع قومي، يجتمع حوله الجمهور، ليفيد الوطن ويستفيد منه المواطن، وأتمنى إستمرار هذا التدفق من جمهور مشتري الشهادت، حتى تتأكد تفاؤلاتنا بإلتفاف المصريين حول مشروع يرون فيه أملا كبيرا، وستبقى المهمة الأصعب على التنفيذيين ليحققوا طموحات شعب ذاق الأمرين في كل العصور، وليس زيادة الدين.