23 - 04 - 2024

الحرب العالمية بسلاح الفوضى والاقتصاد "رؤية"

الحرب العالمية بسلاح الفوضى والاقتصاد

‏أمريكا تختلق الأزمات الاقتصادية بتدمير قيمة العملة وتضطر الدول لرفع سعر ‏الفائدة ‏

‏-‏ الحروب الاقتصادية تتركز على المقاطعة والحصار بضرب أسواق التصدير ‏

‏-‏ اتفاق روسى مع "مصر وإيران والصين والهند وتركيا" لرد الصفعة الأمريكية

المشهد الأول

يتركز المشهد الأول فى روسيا وإعلان الحرب عليها بسلاح الاقتصاد فقط، لا يمكن ‏محاربة كيان كبير مثل روسيا بالحرب التقليدية أو باختلاق الفوضى فى البلاد، لذا تم ‏التركيز على الحرب من خلال الترقيع الاقتصادى من قبل الليبرالية الجديدة بقيادة أمريكا ‏وحلفائها، عبر حرب اقتصادية - أحد مظاهر اللبيرالية الجديدة فى العالم - والتى تستطيع ‏أمريكا من إخضاع الدول المارقة على النظام العالمى الجديد، دون أن ترسل جنديـًا ‏واحدًا.‏

يمكنها ذلك من خلال اختلاق الأزمات الاقتصادية للدولة وتدمير قيمة عملتها، وتكون ‏الدول مضطرة إلى رفع سعر الفائدة للحفاظ على سعر العملة وصولاً بها إلى  التضخم ‏والركود ثم من خلال ذلك هز ثقة شعبية الرئيس، وهو ما يعرف بالحرب الاقتصادية ثم ‏دخول الإعلام والناشطين ضد النظام للتظاهر وإشعار الشعب بأن الحكومة لا تحقق ‏تطلعاته وأنها السبب فيما يحدث من أحداث.‏

هذا هو السيناريو المعد مسبقا مع روسيا، حيث قامت أمريكا والاتحاد الأوروبى بفرض ‏عقوبات اقتصادية على روسيا، بسبب قيام الأخيرة بدعم الانقلابين فى أوكرانيا وضم ‏جزيرة القرم، مع بداية عام 2014 وبالفعل تأثر الاقتصاد الروسى بهذه العقوبات، ثم ‏جاء الإعداد للعقوبة الأكبر، والتى ستهز كيان روسيا بدأت بشائعة "اقتصاد العالم سوف ‏يدخل فى مرحلة ركود  ابتداءً من العام 2014 : 2015"، وبدأت المراكز البحثية ‏التابعة لأمريكا بترويج ودعم الموضوع على الرغم من عدم وجود أى مظاهر للكساد ‏سوى انخفاض طفيف فى معدلات النمو العالمية.‏

المعروف عن الحروب الاقتصادية، أنها تتركز على المقاطعة الاقتصادية والحصار ‏الاقتصادى، من خلال ضرب أسواق تصدير سلعها وهو ما تم بالفعل، ثم الدخول فى ‏صنع الأزمات الاقتصادية، خاصةً وأن أمريكا تمتلك أجهزة قادرة على الأزمات ‏الاقتصادية من خلال انهيار البورصات وكذلك الأزمات التى تأخذ طابع الدورة ‏الاقتصادية كالركود وهو ما حدث أيضـًا.‏

ثم الانخفاض الحاد فى أسعار البترول والتى انخفضت من 107 دولارات إلى  ما دون  ‏‏48 دولارًا، وبذلك أجمعت "أوبك" وأقرت على المحافظة على كمية الإنتاج دون ‏تخفيض على عكس المتوقع، حيث بثت أمريكا أخبارا تفيد بالاعتماد على النفط الصخرى ‏وأن لديها فائقا يفوق روسيا والسعودية معـًا، بأن تكلفة استخراج النفط الصخرى هو 60 ‏دولارًا، وبالتالى عدم تخفيض أوبك لإنتاجها قرار حكيم للمحافظة على حصتها بالسوق، ‏إضافة لغنائم أخرى، وهى حماية مصالحها السياسية للدول الكبرى بأوبك وواصل سعر ‏البترول فى السوق بالانخفاض حتى وصل سعره لـ47 دولارًا.‏

الأثر الأكبر من انخفاضه، كان يقع على الدول المارقة وهى، روسيا - إيران -  فنزويلا، ‏وهى أكثر الدول اعتمادًا على البترول فى دخلهم  فروسيا تعتمد على البترول والغاز ‏بنسبة 68% من صادرتها، ومع انخفاض البترول انخفض سعر روبن ما يفوقه 50% ‏من قيمتها مما دعا روسيا إلى  رفع الفائدة على الودائع إلى  17% مما يزيد التضخم.‏

‏-‏ روسيا وإيران أكثر الدول المتضررة بانخفاض أسعار النفط.. وأمريكا المستفيد ‏الوحيد

‏-‏ إضعاف روسيا يؤدى لانهيار نظام "الأسد" والدعم الإيرانى للحوثيين ‏

واتخذت روسيا هذه القرارات الاقتصادية لحماية اقتصادها، إضافة إلى  إجراءات  ‏أخرى، حول كيفية رفع سعر البترول مجددًا والخروج من الحصار المفروض من ‏اليبرالية الجديدة على روسيا - سنتحدث عنها لاحقـًا - المهم أن المستفيد الوحيد من ‏انخفاض البترول هو أمريكا، حيث ترتفع معدل النمو من 3.2% إلى  3.5% عن عام ‏‏2014.‏

كذلك من الخاسرين اقتصاديـًا من انخفاض البترول، الدول العربية "مجلس الخليج"، حيث ‏إن انخفاضه سيؤثر على الإنفاق العام لهذه الدول، حيث تعتمد موازنات دول الخليج على ‏البترول بنسب تفوق 75%، مما سوف يوثر على معدل النمو والإنفاق، ولكنها ستستفيد ‏من ضرب روسيا اقتصاديـًا، وذلك لأن روسيا الداعم الرئيسى  لإيران وسوريا، وبالتالى ‏ضعف روسيا يؤدى إلى سرعة انهيار نظام "الأسد" الذى يلاقى دعما ماديا من البنوك ‏الروسية، يقال إنه تجاوز 36 مليار دولار، ومن ثم انهيار الدعم الإيرانى للحوثيين باليمن ‏مما يعود على المنطقة بالاستقرار والحد من المد الشيعى.‏

أما بالنسبة للوضع العالمى هو، هل يستطيع بوتين الصمود أمام ضربات أمريكا؟ أم ‏تستطيع أمريكا ضرب شعبيته؟ خاصةً أن شعبية بوتين تتمركز فى الطبقة الوسطى، ‏والتى ستكون أكبر متأثر من انخفاض الروبل وانكماش الاقتصاد أم تهزم اليبرالية الجديدة ‏ويحدث ظهور الحل الوسط للعودة مرة أخرى بصورة أخرى للحرب بين البلدين.‏

المشهد الثانى

ما يمر به العالم الآن من أحداث يجب أن نتأمله جيدًا لنعرف ما يحاك لنا من مؤامرات ‏وتحديد نقاط القوى للاستفادة منها ونقاط الضعف لمعالجتها، لأنها ليست كأى حرب، إنها ‏حرب وجود، بمعنى الكلمة ليس بها فائز ولا مهزوم، بل بها زوال دول وضياع شعوب، ‏وكل من اشترك فيها مهزوم.‏

والفائز يبعد عن الحرب آلاف الأميال.. يدير ويتحكم فيما يدور ويتدخل عند اللزوم، ‏بالطبع هو معروف للجميع فالفائز معروف مسبقـًا بغض النظر عن النتيجة وهى أمريكا ‏وحلف الليبرالية الجديد.‏

وقد سبق أن تحدثت فى المشهد الأول، عن روسيا وانهيار سعر البترول، هنا أتحدث عن ‏الحرب ويظهر ذلك المشهد فى الخليج العربى، وخاصة فى اليمن الشقيقة المجاورة لدولة ‏السعودية الشقيقة، حيث بدأت الأوضاع تتدهور، وتحولت اليمن لدولة شبه فاشلة وفقدت ‏الأمن وتشرزم أهلها، وأصبح ما يقرب من 12 مليون مواطن يمنى يتعرضون للمجاعة، ‏خاصة وأن نسبة الفقر فى اليمن تجاوز 52%، واستطاع الحوثيون الشيعة أن يسيطروا ‏على زمام الأمور والاستيلاء على البلاد، وحل البرلمان، وإقالة رئيس الجمهورية عبد الله ‏منصور وإعلان دستور جديد.‏

دارت الأيام وسقط عبد الله صالح، ودخلت البلاد فى مستنقع الفوضى، والغريب أيضـًا ‏فى المشهد التقارب الغريب من الرئيس السابق على عبد الله صالح مع الحوثين، المهم ‏الآن هو وصول الحوثيين للحكم وأصبح الخطر قريبـًا من السعودية  وتضاعفت قوتهم ‏وتقف خلفهم إيران وتقف من خلف إيران روسيا التى تدافع عن مستقبل روسيا أولاً.‏

نعود للحرب الاقتصادية "حرب البترول" كان الشوط السابق من حرب البترول هزيمة ‏كاسحة لحزب البترول روسيا وفنزويلا وإيران،  وهو ما تم بمباركة "أوبك" التى تسيطر ‏عليها السعودية والتى تبنت فكرة عدم تقليل الإنتاج حتى ولو وصل البترول إلى  30 ‏دولارًا، وهو ما يصب بالطبع فى مصلحة أمريكا رقم واحد، بالإضافة إلى  الحظر على ‏روسيا بسبب الحرب فى أوكرانيا وتحدى الليبرالية الجديدة.‏

وكان المستفيد الثانى من ذلك، السعودية والتى استطاعت توجية ضربة قوية لعدوها ‏الإيدلوجى "إيران"، حيث أن انخفاض البترول يؤدى إلى تجفيف منابع الشر فى المنطقة، ‏إيران، التى تدعم بشار الأسد سواء كان ماليا أو لوجيستيا، وكذلك فإن إيران الداعم ‏الرئيسى للحوثيين بل وإن ولاء الحوثيين لإيران أكثر من اليمن وأن انخفاض إيرادات ‏البترول كان من الممكن أن يحد من التوغل الشيعى بالمنطقة المحيطة بالسعودية.‏

‏-‏ ‏"الشيطان" لا حليف له ويرغب فى أن ينزف الجميع وتزداد الخسائر ليزداد نفوذه ‏على العالم

‏-‏ الولايات المتحدة تدير حربا عن بعد بآلاف الأميال وتتدخل فقط عندما يختل ‏ميزان القوى لصالح أحد الأطراف

ثم جاء الرد الروسى للصفعات الأمريكية له، قام الرئيس الروسى بالعمل من خلال عدة ‏محاور لمقاومة أثر العدوان الأمريكى، المحور الأول قام الرئيس الروسى بعدد من ‏الزيارات مكوكية على مستوى دول العالم لعمل اتفاقيات لتصريف منتجات بلاده من ‏خلال الدول الأكثر كثافة من السكان وعمل اتفاقيات ثنائية للتبادل التجارى، على أن ‏يكون بالعملة المحلية لتلك البلاد مقابل الروبل الروسى، والدول التى اتفقت على ذلك مع ‏روسيا هى إيران والصين والهند وتركيا ومصر وذلك الاتفاق يكون مفيد للجميع، لتخفيف ‏ضغط الدولار على الكل ويؤكد للعالم الغربى أنه خارج الحصار وأن حصارهم محدود، ‏فالدب الروسى أكبر من أن يتم الحظر عليه حتى لو دارت الأيام.‏

المحور الثانى، فكان من خلال إيران التى تقف خلفها روسيا، بسبب توافق المصالح، ‏كونها حليف استراتيجى له منذ فترات طويلة، وطبقـًا لمبدأ عدو عدوى صديقى، ويتمركز ‏هذا المحور فى العمل على زعزعة الاستقرار فى أكبر بلد منتج للبترول والمسيطر على ‏منظمة "أوبك" وهى السعودية، ووجدت أن ذلك يتم من خلال مخططها الذى تعده منذ ‏سنوات وهم الحوثيين، وذلك بدفعهم بنشر الفوضى فى بلاد اليمن والوصول للحكم ‏بطريقة استفزازية للجميع وبدون أى توافق لتعلن عن مولد عدو جديد للسعودية ومجاور ‏لها والذى يعلن عداءه للسعودية بشكل صريح، ربما يعبر الحدود مع السعودية، خاصة ‏وإنه كما ذكرنا أنهم شيعة، ويحملون كثيرا من الضغائن للسعودية.‏

ونجحت إيران فى ذلك، حيث ارتفع البترول من مستوى 47 دولارا إلى أن وصل الآن ‏لمستوى 61 دولارا، وبذلك تقلل الدول البترولية من خسائرها المتراكمة من المشهد ‏الأول للحرب، ويبقى السؤال.. أين أمريكا من حليفتها الاستيراتيجية السعودية؟ الإجابة، ‏إن أمريكا "الشيطان"، لا حليف لها ولا ترغب فى مكسب أو خسارة السعودية، وإنما ‏ترغب فى أن ترى الجميع يقوى الآن، وينزف حتى تزاد الخسائر للجميع، ويحتاج الجميع ‏للسلاح الأمريكى، ويحتاج المساندة الأمريكية، ويزداد ضعفـًا، وبذلك تزداد قوة وسيطرة ‏وبسطا لنفوذها على العالم دون خسارة عسكرى واحد أو تحريك مدرعة، فإنها تدير ‏الحرب عن بعد بآلاف الأميال، وتتدخل فقط عندما يختل ميزان القوى لصالح أحد ‏الأطراف، فالحرب يجب أن تستمر لأطول فترة ممكنة حتى تكون الخسائر موجعة.‏

في "المشهد" القادم

ماذا أعدت السعودية بعدما لعبت الأقدار ضدها بوفاة الملك عبد الله، وما تغير من ‏سياسات بعد وفاته وموقف النظام الجديد بالسعودية من مصر وما يجمعهم  مما يحدث ‏وما يحاك لنا من مؤامرات ومشهد مصر فى الحرب العالمية بالفوضى والاقتصاد.. ما ‏يدور فى الأصل حروب من أجل رفاهية شعوب على حساب "تجويع" شعوب أخرى.‏

##






اعلان