26 - 04 - 2024

في حضرة سيدنا الميدان.. فني إخلاص

في حضرة سيدنا الميدان.. فني إخلاص

"الطاير"، كان اسمه قبل الثورة: أحمد حسين. شخص مخلص لكل من يقابلهم، ويصدقهم لدرجة انه -صباح يوم ما- شارك في مظاهرة ضد القضاة أثناء خلافهم مع المحامين، ومساء نفس اليوم أقنعه صديق آخر بأن الحق مع القضاة فشارك في وقفتهم ضد المحامين.

"الطاير"، طالب ف الجامعة، وكمان بيشتغل فني كهربا، شبكات، كاميرات، وحاجات تاني كتير، برع فيها جميعا، لكنه كان ولم يزل الأكثر براعة في الإخلاص .

يسعى -منذ عرفته- لوظيفة مواطن مصري بيحب كل الناس اللي حواليه، وعايز يعيش كويس، ويشوف كل الناس مبسوطين. عنده استعداد يعمل أي حاجة عشان يشوف مصر حرة بجد ديمقراطية بجد.

.....................................................

اتعرفت عليه على قهوة في البورصة صيف 2010. رافقني في ثاني تنظيم سري أنتمي إليه في حياتي (مجموعة الستة)، والذي كان تنظيما فاشلا بكل المقاييس. لم ينجز شيئا، باستثناء ما أنجزه اثنين من أعضائه بالتهجم لفظيا على الشاعر "عبد الرحمن يوسف" -الذي كان مقررا لحملة البرادعي وقتها- بسبب إصراره على رفض إصدار بيان بالمشاركة في التظاهرات المتوالية طيلة عام 2010، وكان يقول

- مش هنشارك غير لما يكون المظاهرة فيها 50 ألف واحد عالأقل.

- هو الناس هاتيجي تبلغ حضرتك إن 50 ألف واحد منهم ناويين ينزلوا بكرة.

المهم؛ لم نستكمل نشاطنا في حملة البرادعي، والذي كان يستهدف، فقط، كسر حالة الشللية داخل الحملة، وهجر "الطاير" التنظيم إلى تنظيمات أخرى علنية بذلت الكثير من أجل كنس عفن مبارك ونظامه  ... وكان الشئ الوحيد الذي قد يحسب لهذا التنظيم (مجموعة الستة)، أنه واحد من عشرات التنظيمات التي نشأت في مصر في ذلك الحين. وقد كان ذلك حسنًا.

.....

اندمج "الطاير" مع كل الحركات السياسية القائمة في ذلك الحين. لم يتوان عن التفاعل مع حركة ما، بغض النظر عن أيديولوجيتها. واستمر تفاعله مع أغلب التيارات حتى بزغ عصر 25يناير ليكتشف أنه مالك موتوسيكل .. يقوده بحرفنة .. ماذا يمكن أن يفعل به؟..

لم يرشده أحد، بل هدته بصيرته، وإخلاصه الفطري لدور مؤثر في الثورة.

...

بالمكنة (الموتوسيكل) الذي يمتلكه، استطاع "الطاير" إنقاذ حياة كثيرين لا يعرفهم، ولا يعرفونه.

.....

قابلته كتير في الميدان أيام الثورة، مرة منهم كانت في أحداث محمد محمود الأولى. كنت طيلة تلك الليلة، أحاول إقناع الشباب الثائر بأنه لا جدوى من محاولة الهجوم على وزارة الداخلية، في الوقت الذي كنت ألمحه من وقت لآخر، طائرًا بماكينته، يحمل أناسا لم تكن معروفة انتماءاتهم السياسية أو حتى الجغرافية، ولم يكن يميزهم سوى اللون الأحمر (الدماء)، على قمصانهم، بنطلوناتهم ، أو حتى ألبستهم الداخلية.

......

وفي النهاية استسلمت وعدت إلى الكعكة الحجرية وسط الميدان، جالسا، أدخن، أشرب شاي. ثم كان ضوء الصباح قد بدأ يلقي بظلاله على الدماء ليجعلها أقله قتامة .. ولمحت "الطاير" فوق ماكينته، يتحرك بهدوء، فناديت عليه، تحاورنا قليلا ونصحته بالعودة لمنزله ليستريح قليلا، لربما تستمر الموقعة لأيام، وعليه أن يحتفظ ببعض طاقته لأيام تالية. اقتنع برأيي، وكان على وشك الرحيل حينما دوى بالميدان صوت رجل ينادي:

-عايزين حد يجيبلنا الدوا دا .. عايزين حد يجيبلنا الدوا دا

وفي لمح البصر، طار بماكينته ناحية الرجل وسأله الركوب خلفه، وانطلق طائرا ناحية "باب اللوق"، بحثا عن الدواء والمدد.

......

ومدد يا سيدنا الميدان .. مدد

 

##

مقالات اخرى للكاتب

مينا بيشتغلني





اعلان