يعيش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ما يبدو في عالم آخر غير العالم الذي نعايشه ونراه. ولا غرابة في ذلك، فقد ارتبط اسم ترامب ومنذ فترة ولايته الأولى (2014- 2020) بمفهوم "مجتمع ما بعد الحقيقة"، والذي يشير إلى التحول الهائل الذي تشهده الولايات المتحدة والعالم مع تزايد اللا يقين، والهروب من الواقع وضغوطه في عالم من الأكاذيب والأوهام التي يصنعها الساسة وقادة الإعلام. توقفت عند هذه الحقيقة وأنا أرى هدية العام الجديد التي يقدمها ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي صدر أمر من محكمة العدل الدولية في 21 نوفمبر عام 2024 باعتقاله للاشتباه في ارتكابه، هو ووزير دفاعه وأركان حكمه جرائم حرب وإبادة، وبموجب هذا الحكم بات نتنياهو وزمرته مطلوب مثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، وباتت دول كثيرة ملزمة قانونيا وأخلاقيا باعتقاله وتسليمه للعدالة الدولية في جرائم لا تسقط بالتقادم.
الغريب أن ترامب يحلم بالحصول على جائزة نوبل للسلام، وهناك من يروج لاستحقاقه للجائزة استنادا إلى تصريحه الكاذب بأنه أوقف ما بين سبعة حروب وثمانية حروب في العالم، وهي أكذوبة دأب على تكرارها في مناسبات مختلفة منذ أن بدأ ولايته الثانية مطلع هذا العام. اللافت أن ماكينة الدعاية الانتخابية لحملة ترامب الانتخابية وظفت ببراعة تصريحاته بأنه لو كان رئيسا للولايات المتحدة ما اندلعت الحرب في أوكرانيا ولا الحرب في غزة، كيف؟ لأن الولايات المتحدة كانت ستفعل قدرة الردع لجيشها الذي يتباهى بأنه أقوى جيش في العالم. وهذا يدفعنا إلى مفهوم السلام لدى الولايات المتحدة، وهو بالتأكيد بعيد عن مفهوم "السلام العادل" المؤسس على فكرة الحق وإنهاء الظلم. فالسلام الذي يروج له ترامب ومن على شاكلته هو السلام الإمبراطوري الذي يعني فرض هيمنة الإمبراطورية الأمريكية على العالم، وهذا المفهوم للسلام هو المفهوم السائد في الفكر بالعالم والذي عبرت عنه مصطلحات مثل باكس رومانا، الذي يشير إلى السلام الذي فرض على العالم في ظل الإمبراطورية الرومانية، أو باكس بريتانيكا، في إشارة إلى الاستقرار المزعوم في ظل الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس.
السلام الإمبراطوري وانطلاق الحروب الأهلية
لا داعي للإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي، بحديثه عن وقف الحروب، يردد أكذوبة مضحكة وبلغت أقصى درجات السخف، فهذا أمر جلي وواضح للقاصي والداني، فلا حروب توقفت في عام 2025، ومن الأرجح أن تتزايد في عام 2026، نتيجة لما نراه من تصعيد في جبهات مشتعلة بالفعل في منطقتنا، أو في أوكرانيا، وجبهات أخرى مرشحة للاشتعال على النحو الذي تكشفه التطورات في الأسابيع القليلة الماضية، علاوة على الحروب الأهلية المشتعلة في السودان وفي اليمن ودول أخرى وتلك التي قد تندلع في دول أخرى في أنحاء شتى من العالم. وهي تطورات تدفعنا إلى تذكر ما قاله الشاعر الراحل أمل دنقل على لسان الثائر سبارتاكوس في كلماته الأخيرة:
"لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد"
إن من يتابع ما يجري في المنطقة منذ التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان في 27 نوفمبر عام 2024، ثم اتفاق الهدنة في غزة الذي تم التوصل إليه في التاسع من أكتوبر الماضي ضمن خطة أعلنها ترامب لإنهاء الحرب المستمرة في القطاع منذ السابع من أكتوبر عام 2023، يدرك معنى السلام الذي يعد به ترامب الذي تفرض قواته حصارًا بحريًا على فنزويلا بزعم محاربة عصابات تهريب المخدرات، وهي صيغة أخرى لتبرير الحرب المستمرة التي تشنها الولايات المتحدة، شبيهة بشعار "الحرب على الإرهاب" الذي أطلقته في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. فالسلام هنا يعني احتكار طرف واحد، هو إسرائيل، للحق في استخدام السلاح وحرية استخدامه، تمهيدًا لفرض واقع جديد يقوم على فكرة احتكار امتلاك السلاح، من خلال هدف نزع سلاح حزب الله ونزع سلاح حماس، وهو نقطة اتفاق مؤكدة بين واشنطن، التي لم تتخل يومًا عن فكرة أنها "شرطي" العالم، وبين إسرائيل التي تؤهلها لأن تصبح شرطي المنطقة، الذي يوفر الأمن للحلفاء ويعاقب الخصوم والأعداء.
إن فكرة الحق المشروع في احتكار امتلاك السلاح واستخدامه، والتي كانت تعد عنوانًا لمبدأ "السيادة الوطنية" للدول، يجري تعميمها الآن على صعيد إقليمي، كخطوة في فرض السلام الإمبراطوري، كما تتصوره واشنطن ويعبر عنه ترامب بوضوح على شعوب العالم قاطبة، بما في ذلك الشعوب التي يحكمها أباطرة العالم الكبار والصغار. في هذه العملية يجري تجاهل التطور الهائل الحادث في الفكر القانوني على المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي، والذي يضع ضوابط للحكومات الوطنية في الاستخدام المشروع للعنف ضد المواطنين، وكذلك على المستوى الدولي من خلال النقاش حول مسألة "الحرب العادلة" والتمييز بينها وبين "العدوان" المسلح على الدول، وهو تجاهل يفضح النزوع الاستبدادي لترامب، الذي يتنكر حتى لكثير من القيم التي أقرها إعلان الدستور الأمريكي والتعديلات التي أدخلت عليه. ولسنا بحاجة إلى القول بأن هذا النزوع يشجع الحكام المستبدين في العالم، ويشكل أكبر تهديد للحكم الدستوري الذي تقوم فلسفته الأساسية على تقييد الصلاحيات الممنوحة للسلطة والتوسع في الحقوق الممنوحة للمواطنين.
إن الإمبراطوريات المؤسسة على الاستبداد تخلق نوعًا من الاستقرار الزائف، والذي يستتبع بالضرورة صورا زائفة من السلام القائم على فرض إرادة طرف واحد على الآخرين بالقوة المسلحة والعنف، إذ يترسخ في الأذهان، حتى في أذهان الأطراف الأضعف في معادلة القوة، أن القوة وحدها هي ما يصنع "الحق" ويفرضه، هذا هو منطق الاستبداد الذي فيه "مصارع العباد" بتعبير عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع العباد". إن التمسك بفكرة الانتصار للحق والحقيقة التي تنطلق من الايمان بفكرة أن "الحق فوق القوة"، والإلحاح عليها في مواجهة منطق الطغيان والاستبداد هي مسألة أساسية للخروج من نفق العلاقات القائمة على الإكراه واللجوء إلى العنف المسلح واستخدام القوة، وضروري لكسر الحلقة المفرغة التي تعيد إنتاج العنف والحروب، التي تظل كامنة تحت رماد الظلم إلى أن تحين الفرصة لتغيير الوضع القائم الجائر، وعلينا في هذا الصدد التعلم من تجارب التاريخ.
السلام الديمقراطي والتأسيس لنظام عالمي
على الرغم من انشغال الفكر الفلسفي منذ بداياته الأولى، وفي مختلف الثقافات بقضية "السلام" فيما بين الشعوب، إلا أن هذه القضية اكتسبت مضمونا جديدًا من خلال الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724-1804) وكتابه "مشروع للسلام الدائم" الذي نشره في عام 1795، وهي قضية شغلت تفكيره قبل هذا الكتاب بسنوات. والأفكار التي طرحها في هذا السياق ومن بينها فكرة إنشاء "حلف بين الشعوب" باعتباره السبيل الوحيد للقضاء على شرور الحرب وويلاتها، كانت ملهمة للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون الذي أكد في أعقاب الحرب العالمية الأولى مبدأ "حق الشعوب في تقرير مصيرها" وإنشاء "عصبة الأمم" كمحاولة لمنع نشوب حرب أخرى بين الدول الأوروبية استوحى فكرة "عصبة الأمم"، الجديد الذي طرحه كانط هو فكرة أن السلام ينشأ بين الشعوب، ورغم تبنيه المبدأ لتنظيم الشعوب، متأثرًا بالثورة الفرنسية، إلا أن تفكير ظل متأثرا بفكرة الحكومة العالمية لتحقيق السلام هو إنشاء "جمهورية عالمية شاملة"، الأمر الذي يربط بين فكرة السلام الدولة وفكرة السلطة القادرة على فرضه، وهو ما لا يمكن تصوره في ظل النظام الدولي الراهن المؤسس على فكرة الدولة الوطنية ذات السيادة، والذي يستبعد زوالها في الأمد المنظور، على الرغم من تطور شكل التنظيم ومؤسساته.
على الرغم من فشل تجربة "عصبة الأمم" واندلاع الحرب العالمية الثانية، إلا أن الأفكار التي وضعها كانط وغيره من الفلاسفة والمفكرين الذي انشغلوا بقضية منع الحرب أو التقليل من ويلاتها، كانت ركنًا أساسيًا في المدارس والنظريات المختلفة في حقل العلاقات الدولية الذي يتمحور أساسًا حول فكرة الحرب والسلام. وتعد نظرية "السلام الديمقراطي" من أهم نظريات العلاقات الدولية التي تأسست على أفكار كانط، وتفترض هذه النظرية أن الدول الديمقراطية نادرًا ما تنخرط في حروب فيما بينها لحل صراعاتها، وتميل عادة إلى حل الخلافات سلميًا، ويرجع ذلك إلى القيود التي تفرضها المؤسسات الديمقراطية على قادة الدول، وكذلك شبكة التحالفات والتكتلات التي تنشأ فيما بين الدول الديمقراطية. وكانت هذه النظرية أحد الدوافع الأساسية للمنظرين الغربيين الذين روجوا لمشروع نشر الديمقراطية في العالم، وممارسة ضغوط على الحكومات غير الديمقراطية، والتي قد تصل أحيانًا إلى شن حرب على هذه الدول غير الديمقراطية لاستبدال حكوماتها غير الديمقراطية وغير المنتخبة بحكومات منتخبة. وبينت تجارب التدخل الأمريكي والغربي في أنحاء مختلفة من العالم عدم جدوى هذا النهج وأن النتائج المترتبة على هذه الحروب غالبًا ما تكون كارثية على الشعوب الأخرى وعلى الدول التي تشن هذه الحروب، التي غالبًا ينظر إليها على أنها حروب استعمارية للدفاع عن مصالح الدول الغربية والسيطرة على الشعوب الأخرى ومقدراتها وثرواتها. وأن هذه الحروب غالبًا ما تنتهي دون إحداث أي تغير حقيقي في مجتمعات الدول التي استهدفتها هذه الحروب، أو تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والحروب الداخلية على نحو ما أظهر التدخل العسكري في أفغانستان والعراق وليبيا.
هناك كثير من المُنظرين، لاسيما منظري المدارس الواقعية المختلفة في العلاقات الدولية، يرون أن الحرب ستظل من الآليات المهمة في العلاقات الدولية ويدللون على ذلك بأن أحد الأسس المهمة التي تقوم عليها الدولة هي فكرة الاستعداد الدائم للحرب، فهذا هو المنطق الذي تؤسس عليه الدول وتتشكل الجيوش، ويرى هؤلاء أن استخدام القوة أحد الوسائل الأساسية لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها الدول. وتتعدد أسباب نشوب الحروب بين الدول. وعلى الرغم من أن توازن الرعب النووي الذي برز في أعقاب استخدام الولايات المتحدة للسلاح النووي ضد اليابان، وضع سقفًا للصراع فيما بين القوى النووية الكبرى، رأسمالية كانت أم شيوعية، وأدى إلى نشوء نظريات للردع، لكنه لم يمنع في الوقت نفسه من اندلاع حروب بالوكالة، أو انخراط دول نووية كبرى في حروب، غير أن التطور في الأسلحة وقوة النيران وما تلحقه من أضرار كبيرة زاد من كلفة الحرب وجعل الدول أكثر ميلًا لتفادي الحروب، التي بات ينظر إليها كملاذ أخير، بعد استنفاد الوسائل الأخرى لحل الصراع.
والردع مؤسس على فكرة توازن القوى وامتلاك الدول للقدرة على امتصاص ضربة أولى والرد. وتطورت نظريات الردع النووي أو التقليدي، مع تطور التكنولوجيا وامتلاك القدرة على تطوير القدرات القتالية. وعلى الرغم من وجود فوارق كبيرة في موازين القوة العسكرية إلا أن الأطراف الضعيفة قادرة أيضًا على تطوير أدوات وامتلاك قدرات عسكرية محدودة لكنها قادرة على إلحاق ضرر بالخصم وربما هزيمته إذا امتلكت هذه الأطراف قدرة على تطوير استراتيجيات شاملة لا تعتمد فقط على ميزان القوة وإنما تركز على استغلال نقاط الضعف والانكشاف لدى الخصم لتعويض الفارق الشاسع في استخدام القوة من خلال استنزاف الخصم وإنهاكه عبر أشكال مختلفة من الحروب غير النظامية، مثل حرب العصابات والحروب اللا متكافئة واستطاعت هذه القوى أيضا الاستفادة من التطورات الحديثة في التسليح والقدرات القتالية. أدى هذا التطور إلى بروز أشكال جديدة من الحروب في سياق ما يعرف بحروب الجيل الرابع وما بعدها، والتي تقوم على استراتيجيات تركز على تعظيم نقاط الضعف لدى الخصم وتوظيفها، ويستهدف هذا النوع من الحروب الجبهة الداخلية، التي يعد تماسكها أحد النقاط الرئيسية في حساب ميزان القوة الشامل للدول والمجتمعات.
على الرغم من أن فكرة الصراع الدولي هي فكرة أساسية لدى المدرسة الواقعية للعلاقات الدولية، إلا أن وجود صراعات فيما بين الدول أو تنافس على الموارد أو النفوذ أو المكانة لا يعني بالضرورة نشوب حروب. لكن الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع الحروب متعددة ومتباينة من حالة إلى أخرى، واهتمت كثير من الدراسات بالوقوف على هذه الأسباب وبناء المؤشرات التي تعين على التنبؤ بما إذا كانت حرب ما ستنشب، إما لتفاديها أو تقليل تأثيراتها وتداعياتها وخفض مستويات التصعيد ومنع توسعها لتشمل دولًا أخرى. واندلاع الحرب في حد ذاته هو مؤشر على انهيار منظومة الردع، والهدف في الحروب الدفاعية غالبًا ما يكون هو إعادة بناء منظومة للردع من خلال إضعاف القدرات القتالية لدى الخصم، وتعزيز القدرات القتالية للدولة، وقد تؤدي هذه العملية إلى اختلال شديد في ميزان القوة على نحو يغري الطرف الأقوى بمواصلة الحرب وتطوير أهدافه. هذا هو الوضع الذي ترتب على الحرب في غزة، فإسرائيل تمتلك الآن قدرات عسكرية هائلة يجري تعزيزها من خلال الدعم الأمريكي المباشر، ويضاف إلى هذه القدرات استعداد الولايات المتحدة للدخول في مواجهات مسلحة في المنطقة لدعم إسرائيل الأمر الذي يغري حكومة نتنياهو أو أي حكومة قادمة قد يسيطر عليها متطرفون لديهم مشروعات توسعية إلى الإقدام على شن حروب لتحقيق أهدافها.
إن مثل هذا الوضع يُعزز ميل أطراف أخرى إقليمية أو داخلية إلى تفضيل استخدام القوة المسلحة لتحقيق مصالحه وأهدافه وفرض إرادته على الخصوم، أو لوقف تطور غير مرغوب لدى الخصم، من شأن وضع كهذا أن يعزز من فرص اندلاع المزيد من الحروب المباشرة أو حروب بالوكالة والتي سيكون من الصعب احتواؤها. إن الخطورة فيما يطرحه ترامب من تصورات تكمن في تفكيك البنية الفكرية والأيديولوجية التي قام عليها النظام الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية وما تضمنته من ويلات لقنت العالم دروسا قاسية فيما قد تحدثه الحرب الشاملة من كوارث وما تلحقه من دمار بالبنى الأساسية للمجتمعات والدول، دفعها إلى جعل تحول الديمقراطية من منظومة للقيم في المجتمعات إلى منظومة تحكم العلاقات الدولية وتسعى إلى تفعيلها على مستوى المنظمات الدولية التي تتأثر بالأفكار الليبرالية. إن تحول ترامب وقوى اليمين العقائدي في الدول الأوروبية عن هذه الأفكار وتبني أفكارًا شعبوية وعنصرية وسعيها لفرض تسويات جائرة لكثير من الحروب الدائرة في العالم، فضلًا عن الهجوم الممنهج على الأمم المتحدة وغيرها من ترتيبات على المستوى الدولي والتي تسعى لفرض قيود على استخدام القوة وتضع ضوابط قانونية وإجرائية وأخلاقية لاستخدامها، من شأنها أن تؤسس لوضع دولي خطر وتفتح الباب لاندلاع المزيد من الحروب ولا تسمح بإنهاء حروب أخرى مستمرة منذ سنوات. كذلك فإن أي تسويات جائرة هي سبب رئيسي لاندلاع الحرب. هذا هو الدرس الأساسي الذي تعلمته الدول من تسويات الحرب العالمية الأولى التي فرضت شروطًا مجحفة على الطرف المهزوم، وحرصت على عدم تكراره في تسويات ما بعد الحرب الثانية.
والآن، من المهم استحضار هذا الدرس والتذكير به كي لا ينزلق العالم إلى مزيد من الحروب التي لا يعرف أحد متى ستنتهي وأين ستقف حدودها. العالم بحاجة إلى التذكير مرة أخرى بأن الحق يجب أن يعلو على القوة ويسمو، لتجنب الوقوع في أسر لحظة إغراء القوة وإغوائها. قد يكون من المفيد هنا استحضار تعريف كانط للحق في كتابه "المبادئ الميتافزيقية الأولى لنظرية الحق"، حيث عرفه بأنه "مجموع الشروط التي تلائم بين حريتنا وحرية الغير وفقا لناموس شامل للحرية". إن مسألة السلام والديمقراطية وفقًا لهذا التصور ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمستويات الوعي الإنساني الذي انتقل إلى آفاق جديدة مع ارتياد الإنسان للفضاء الكوني والنظر إلى كوكب الأرض من هذا الأفق البعيد، حيث تبدو كرة زرقاء صغيرة يحيطها غلاف أزرق رقيق يمنح الكائنات عليها أسباب الحياة والتطور والنمو. من هذه المسافة البعيدة ندرك أننا نعيش على كوكب واحد ونواجه تحديات أعظم من التحديات التي تفرضها الفروق والتفاوتات بين البشر.
لكن بكل الأسف إن القيادات التي تحكم الآن غارقة في تفاصيل الحياة على الأرض ومنهم من يرى أننا نعيش في نهاية الزمان وأنهم مبعوثون لتسيير العالم نحو هذه النهاية المحتومة وهذا المنطق في التفكير يضعنا أمام احتمال آخر لما يعنيه السيد ترامب بإنهاء الحروب، وهو الإبادة الجماعية، وإذا استمر تسامحه مع حرب الإبادة التي يشنها نتنياهو وزمرته، فإنه يمهد بذلك لإبادة قد تشمل البشر وتنهي حقبة من تاريخ كوكب الأرض كان الإنسان سيدها.
-----------------------------------
بقلم: أشرف راضي






