31 - 12 - 2025

مشعلو الحروب في السودان يعيدون إنتاج أنفسهم (تحقيق)

مشعلو الحروب في السودان يعيدون إنتاج أنفسهم (تحقيق)

خبراء يقدمون قراءة تحليلية للوضع الراهن 
- الفريق فتح الرحمن محي الدين: الجيش يطبق القوانين الدولية في محاربة إرهاب المليشيا
- د. محمد إبراهيم: ما يجري في السودان بكل قسوته لن يتم حسمه إلا بقوة السلاح
- اللواء د. معتصم عبدالقادر: التحولات الإقليمية والدولية مؤشر لإنهاء الحرب
- كمال كرار: مبادرات الخطة «ب» تحفظ مصالح المتناحرين بعد اليوم التالي للحرب
- هشام أبو ريدة: الهدف إفشال الثورة وتركيع الشعب السوداني والقضاء على حلم المدنية
- عباس حمزة: الدستور المدني جاهز للتطبيق 

ماذا يحدث في السودان؟ علامة استفهام كبيرة تسحب بعدها ألف علامة تعجب، فما تراه اليوم ينقض غدا، انسحاب هنا وتراجع هناك، بعد أن بات أصدقاء الأمس أعداء اليوم، والضحية هو وطن يحرق وينهب وشعب تتم إبادته بدماء باردة، فالجنجويد لم يعد "الدعم السريع" لإنقاذ الجيش، ولكنه الثعبان الذي تربي في حاضنة قوى البرهان ومن قبله البشير، ومهما سمعنا من أخبار وتحليلات فهي ليست كمن يرى بأم عينه في الداخل السوداني.. " المشهد" طرح على بعض أبناء السودان من الخبراء العسكريين والسياسيين والأكاديميين والقوى الوطنية والمدنية عددا من التساؤلات فما هي مآلات الحرب الطاحنة الآن وكيف ستتوقف، وهل يمكن للقوى المدنية أن يكون لها تأثير حقيقي أم أن دورها مؤجل.. 


الفريق فتح الرحمن محي الدين

الفريق فتح الرحمن محي الدين رئيس البحرية السودانية الأسبق يقول: الوضع الراهن في السودان هو غزو أجنبي مكتمل الأركان ترعاه دول في النطاق الإقليمي للأسف وهي دولة الإمارات بالتحديد، بالإضافة لدول جوار السودان باستجلاب أعداد كبيرة من المرتزقة ومد المليشيات بعتاد متطور، وهذا ما يتعرض له السودان تفصيلا، وفي المقابل يجابه منفردا هذا التحدي، ورغم الخسائر الكبيرة التي تتعرض لها البنية التحتية والموانيء، إلا أن السودان شعبا وجيشا قادر بإذن الله على مجابهة الغزو الأجنبي وسيحرر كل الأراضي التي استولت عليها المليشيات خلال عامين، وقد تم تحرير ست ولايات من بين أيدي المليشيا، وبإرادة الشعب السوداني وجيشه سيتم تحرير بقية الولايات.

فهذه الحرب ليست بين البرهان وحميدتي، إنما حرب مدعومة من مرتزقة يحاربون الشعب السوداني، وليست حربا بين جنرالين كما يصفها بعض الخونة، هذه الحرب ليست من أجل سلطة ولا انتماءات، إنما حرب وجودية بالنسبة للشعب السوداني، حرب تسعى لتغيير ديمغرافي كامل في السودان، من خلال انتزاع الأراضي من أهلها الأصليين وتشريدهم باللجوء لمناطق خارج السودان وإحلالهم بمرتزقة يأتون من عرب الشتات ومناطق غرب إفريقيا ومناطق متعددة ليستوطنوا السودان، وهذا ما يحدث حقيقة على أرض الواقع، فهي حرب وجودية، والشعب السوداني قد فطن لهذه المؤامرة أنه المستهدف الأول من هذه الحرب، لذلك يقف مع قواته المسلحة في خندق واحد، وقفة قوية مكنت القوات المسلحة من تحرير ستة ولايات، وبهذا الصمود سيتمكن قريبا من تحرير كل الولايات المغتصبة.

مآلات الحرب 

وأوضح فتح الله محي الدين أن القوى الوطنية الحقيقية هي التي تساند القوات المسلحة بالمال والأفراد، وقال: نحن نجابه ميليشيا إرهابية إجرامية، فلا مجال لدحض الإرهاب إلا باجتثاثه، وهذا نهج التعاون للقضاء على الإرهاب في كل العالم، فلا مجال لمن يحدثنا عن وقف القتال بين داعش والقوات الأممية التي تحاربها سواء في سوريا أو العراق، فلا مجال للتفاوض وتحقيق سلام بين بوكو حرام وغرب إفريقيا، فهذا هو التعامل المطلوب مع الإرهاب، وفي السودان نجابه إرهابا من ميليشيا لا تقل إجراما عن داعش أو بوكو حرام، وبالتالي التعامل يكون بالحسم، فلا مجال لهدنة وقف إطلاق النار، الذين يقولون بإيقاف الحرب هو يرددون كلمة حق يراد بها باطل، هم الداعمون لهذه المليشيا، والذين يتحدثون عن الشأن السوداني هم للأسف المكون المدني، ولكنهم عملاء يعملون على تنفيذ أجندات دول على حساب مصلحة الشعب السوداني، وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نقولها بكل صراحة، المكون المدني الفعلي هو من يقف مع القوات المسلحة ويقاتل معها، ويلتف مع قيادة الدولة في اصطفاف غير مسبوق، وهو ما يجسد معركة الكرامة ويجعلها معركة مصيرية لاجتثاث المليشيا، وإذا أراد المجتمع الدولي وقف هذه الحرب عليه فقط أن يكف أيدي الإمارات عن السودان، ويوقف الدعم، وبطرق سهلة جدا ستتمكن القوات المسلحة السودانية من القضاء على هذه المليشيا وتطهير السودان من المرتزقة وإزالتهم من المشهد السوداني، وحتى إذا استمر الدعم الإماراتي ستنتصر إرادة الأمة رغم إطالة أمد الحرب، ولكن في الأخير سيكون الانتصار هو حليف الشعب السوداني، فصاحب الحق والقضية لا يمكن أن يهزم، فهذا ما عرفناه على مر التاريخ والعصور.


اللواء معتصم عبدالقادر

تراجع الدول الداعمة

 ويقول اللواء د. معتصم عبدالقادر الاستاذ بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية: الحرب المستمرة في السودان منذ  15أبريل 2023 من الواضح أن هناك تقدم ملحوظ للجيش السوداني في المساحات الواسعة، فبعد أن سيطرت المليشيا المتمردة على الخرطوم العاصمة ومجلس السيادة ومركز الحكومة وولايات الوسط، استطاعت القوات المسلحة دحرها، والآن الحرب في كردفان ودارفور، وهناك استعدادات كبيرة من الجيش السوداني لاكتساح المليشيا المتمردة، ويتوقع في أي وقت أن تنهار المليشيا، خاصة مع تراجع الدول الداعمة وهناك تحولات إقليمية كبيرة ووقوف الحكومة المصرية مع الجيش السوداني والمملكة العربية السعودية وتشكل حلف من اريتريا ومصر والسودان وتركيا في المنطقة، كل ذلك يدعم موقف الجيش السوداني والمجهود الحربي السوداني والوفاء باحتياجات الجيش السوداني يسهل عليه حسم المعركة، خاصة وأنها الآن أصبحت في أماكن مكشوفة، ومن المتوقع في حالة زحف الجيش السوداني على مناطق كردفان ودارفور خصوصا بعد استخدام الطيران الحربي والمسيرات أصبح اكتساح الجيش لهذه المناطق مرتقبا في أي وقت، بالرغم من سيطرة الميليشيا على بعض المناطق المعزولة مثل الفاشر وغيرها، ولكنها لا تؤثر في مجمل العمليات التي يخوضها الجيش السوداني على مختلف الجبهات في كردفان ودارفور.

صوت المعركة

وأضاف د. معتصم عبدالقادر: أما القوى الوطنية السياسية فتنقسم إلى مؤيد للحكومة السودانية وبين متواطئ ومتماهٍ مع المليشيا ويمارس دعمه من الخارج، وليس له تأثير على الساحة السياسية السودانية.

وقال: ما يتم الآن من مجريات في السياسة الدولية تؤثر على الداخل السوداني ولا تترك أي مجال للقوي السياسية للتحرك، فالآن مرحلة حرب، وفي حالة حسم الحرب يمكن لهذه القوى الوطنية أن تأتي لتشارك في الحكم، ولكن في الظرف الراهن يبدو أن المعركة عسكرية بكل معنى الكلمة، والحسم العسكري فيها واجب والتدخل الدولي واجب لحماية المدنيين من الميليشيا المتطرفة، وهو ما تبحثه الاتصالات المصرية والسعودية وكذلك هناك اهتمام واضح ابدته الإدارة الأمريكية بما يجري في السودان، وهذا سيؤثر على سير المعارك في الساحة العسكرية، فالميليشيا تصنف الآن في عدد من البرلمانات بأنها إرهابية، والقوى المدنية السودانية في موقف ضعف لأنها سبق ودعمت المليشيات ضد المدنيين.  

د. محمد قسم الله

إعادة ممنهجة

ويقول د. محمد قسم الله محمد ابراهيم أكاديمي وكاتب من السودان: لا بُدّ من الإشارة أولاً إلى أنّ نُذُر هذه الحرب بدأت تلوح لكل عاقل مع بدايات الفوضى التي سادت العاصمة السودانية الخرطوم إبان ما يُسمى باعتصام القيادة العامة ودعوات العصيان المدني أواخر العام 2018م والتي انتهت بسقوط حكومة البشير في أبريل 2019م، بعدها ساد مناخ من الاضطراب والنزاع المحتدم وانفراط الأمن في شوارع الخرطوم والمدن السودانية والضعف الحكومي وغياب سلطة الدولة بصورة بائنة توحي بالانفجار القريب، وفعلا حدث الانفجار الهائل كما هو متوقع صبيحة 15 أبريل بحرب عنيفة بتمرد مليشيا الدعم السريع على قوات الجيش السوداني بما يمكن أن نسميه انقلابا حاولت تنفيذه هذه القوات المتمردة من داخل الوحدات العسكرية على نحو يُعيد للأذهان تمرد الكتيبة الاستوائية في توريت مع تباشير الاستقلال السوداني وهو تمرد من داخل الجيش لعناصر قبلية بعينها تطورت لتمرد انتهى كما هو معلوم بانفصال جنوب السودان.

هكذا يُعيد التاريخ نفسه بالمسطرة والقلم، هذه المرة ليس فقط بتمرد وحدات من الجيش ولكن باحتلال الخرطوم كما فعل المهدي والخليفة عبد الله من غرب السودان قبل مائة عام تقريباً.

هذه الفذلكة التاريخية تستدعيها ضرورات تشريح الوضع الراهن في السودان الذي يبدو قابلاً للانفجار في وجود مليشيات متناسلة هنا وهنالك في غرب السودان ووسطه وشرقه، بالإضافة لهذه القوات المتمردة والتي تستقطب حلفائها كذلك بإسنادها القبلي، والحال هكذا من التحشيد التاريخي والتباين القبلي و(المغابن) المكبوتة والمواجد التراكمية يبدو السيناريو قابلاً للتكرار في السودان الذي شهد حروباً متعددة تآكلت معها موارد البلاد سنوات العهد الوطني.

حرب الجيش بامتياز

ويوضح د. إبراهيم: الشاهد أنّ الحرب الحالية ليست هي بين البرهان وحميدتي ولكنها حرب بين الجيش السوداني كمؤسسة قومية راسخة في الوجدان السوداني، وبين قوات كانت تحت إمرته وتمردت عليه وأعلنت العصيان من داخل الخرطوم، ولولا أنّ قوات حميدتي كانت في مواقع استراتيجية مسبقاً لما استطاعوا إحراز نصرهم المؤقت باحتلال الخرطوم ولكن استخدامهم لعنصر المباغتة ودعنا نقول عنصر الغدر والخيانة، هو الذي جعل هذه القوات مثل حصان طروادة تغتال الخرطوم من داخلها وتفرغ في المواطن حقداً غير مسبوق بعناصر جلهم غير سودانيين وهذه حقيقة غائبة عن الكثيرين، لقد خرجت مليشيا التمرد صاغرة تتجرع الهزيمة تلو الأخرى من قلب الخرطوم ومن مدن وسط السودان رغم الدعم الخارجي حتى انزوت لأطراف السودان في حدوده الغربية وباتت قريبة من الهزيمة.

فهذه الحرب حرب القوات المسلحة السودانية خاضتها بامتياز واقتدار بقيادة البرهان الذي أثبت شجاعة القائد ولم يدرها من خلف جدران بل كان بين جنوده جندياً، وهذه حقيقة يجب ان تُقال في حق قائد الجيش الذي شارك الشعب كل لحظات الحزن وعسف المليشيات وجرائمها غير الإنسانية في كل البقاع التي دخلتها وخرجت منها مهزومة، لقد أطلق المواطن البسيط على قائد الجيش لقب (الكاهن) كناية على تقديرهم له وإعجابهم بشجاعته على العكس من المتمردين الذين استباحوا الناس وممتلكاتهم.

الوضع اليوم الجيش في الميدان منتصر ومسيطر، وسيحسم الجيش معركته الأخيرة ويعلن انتهاء التمرد، وهذا لا يعني انّ الجيش لن يخوض معارك مستقبلية في ميدان جديد في ظل ما سردناه سابقاً من استيلاد مكونات عسكرية والتسليح المنتشر بين المواطنين.

القوى الوطنية.. الموت السريري

ولكن د. محمد قسم الله محمد ابراهيم يرى أن القوى الوطنية اليوم تقف عاجزة تماماً إزاء المنحدر الذي وقعت فيه البلاد، وقد غابت القيادات التاريخية للقوى المؤثرة في المشهد السوداني فحزب مثل الأمة انتهى وجوده في الساحة السياسية السودانية برحيل الإمام الصادق المهدي، ونرى اليوم الحزب وقد تفرق وأصبح بلا ذكر، ومواقف بلا قيادات لها وزنها ومواقفها كما كان في السابق، ومثله الحزب الاتحادي الذي غاب بغياب زعيمه محمد عثمان الميرغني وبات الحزب فريسة للانقسامات وبروتوكولات أبناء السادة الذين لا تاريخ لهم ولا كلمة مسموعة في الأوساط السياسية، بالمقابل فقد انتهى تأثير الحركة الإسلامية برحيل الترابي، وحتى الحزب الشيوعي انتهى برحيل زعيمه التاريخي محمد ابراهيم نقد.. هكذا برحيل القادة ورثت هذه الأحزاب والقوى أجيالا حديثة عديمة التجربة تنكبت الطريق وبقيت بلا تأثير بل تقاذفتها المصالح والاستقطابات هنا وهناك، وغاب عنها صوت الحكمة لرأب الصدع ووقف نزيف الدم واللهيب المستعر في السودان.

خلاصة الأمر.. ما يجري في السودان بكل طابعه العسكري القاسي لن يتم حسمه إلا بقوة السلاح وهذا هو القدر الذي سيخوضه السودانيون وإن طال بهم المسير نحو السلام المأمول.


كمال كرار

ضد الوطن

وبنظرة الصحفي والقيادي بالحزب الشيوعي السوداني كمال كرار أنه بعد أكثر من 30 شهرا على اندلاع الحرب تتأكد التحليلات والاستنتاجات التي صرحت بها القوى الوطنية والديمقراطية بأن هذه الحرب لا منتصر فيها ولا مهزوم، بل هي حرب ضد الوطن وتطلعات الشعب في الدولة المدنية.

ويقول: الحرب اصبحت الآن هجمات طائرات مسيرة، وضربات جوية اكثر من كونها معارك فاصلة بين جانبين، حتى تقدم طرف علي طرف بالميدان يتم بالانسحابات المتبادلة كما حدث في الفاشر وبابنوسة وهجليج، وبالتالي فهذا الوضع مقرونا مع حالة انهاك القوات المتحاربة، وعدم اعتراف الشعب بسلطتي الأمر الواقع في بورتسودان ونيالا، أعاد المبادرات الخارجية للصدارة واخرها الرباعية، وفي ظني أن الدول المنخرطة في القتال والامداد العسكري أيقنت من استحالة الحل العسكري، وهذه المبادرة تمثل الخطة «ب» التي يراد بها الاحتفاظ بمصالح هذه القوى بعد اليوم التالي للحرب، ولكن أي تسوية تضمن بقاء الاطراف المتقاتلة في المشهد السياسي ستعيد انتاج الازمة من جديد وتصطدم بمعارضة قوى الثورة وهي قوى لها وزنها وحضورها الفاعل في السياسة.

السلطة المدنية

ويؤكد كمال كرار أن القوى السياسية والمجتمعية وعلى ايام اندلاع الثورة في 2018 وضعت اطارا معقولا لحل الازمة العامة في السودان ولإقرار سلام دائم وحل المليشيات, هذا الاطار مثله ميثاق قوى الحرية والتغيير, وبرنامج التغيير الانتقالي الذي تقوده سلطة مدنية خلال أربع سنواتللإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والأمني، من خلال مفوضيات مختصة، وفي نهاية الفترة الانتقالية يعقد المؤتمر الدستوري وتجرى الانتخابات الحرة النزيهة، وفي نفس الفترة الانتقالية تعاد هيكلة القوات النظامية وتحل المليشيات لضمان أن يكون هناك جيش قومي واحد وشرطة قومية واحدة، بيد أن العراقيل والمؤامرات قطعت الطريق علي هذا البرنامج، فشهدنا انقلاب اكتوبر 2021 ومن بعده الحرب، ولا زال البرنامج صالحا كاطار للحرب مع استصحاب المتغيرات الجديدة، ونقطة البداية في اعتقادي وقف الحرب وابتعاد المؤسسة العسكرية من السياسة، وابتدار حل سياسي يتوافق وتطلعات الشعب، وهو حل ممكن ومقدور عليه.


هشام أبو ريدة

القوى السياسية

ويقول المحامي والقيادي في الجبهة الوطنية العريضة هشام أبو ريدة: بالنسبة للحرب المستمرة بين البرهان وحميدتي هي حرب ممنهجة ضد الشعب السوداني، وثورته التي قامت على خلخلة النظام ولم تسقطه بعد، ومدلولات هذه الحرب هي معاقبة الشعب السوداني على ثورته التي انطلقت في ديسمبر 2018، ومنهجية الحرب انكشفت عندما فشلت قوى الظلام والإخوان المسلمين الذين فشلوا في وأد الثورة المجيدة فأشعلوا فتيل الحرب لتقضي على الأخضر واليابس في السودان وتوجيه السلاح ضد الشعب، وبالفعل قامت مليشيات الجنجويد بقتل المدنيين والاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم وقام الجيش بضرب البيوت والبنية التحتية، فمن يعتقد أن هذه الحرب هي خلاف بين المنظومة عليه قراءة التاريخ مرة أخرى، فقد اتضح للشعب أن الإسلاميين يريدون إعادة انتاج أنفسهم وتجميل كل قبيح والدليل على ذلك أننا نراهم يناصرون إخواننا في دارفور، رغم أن هؤلاء الإسلاميين هم من قتلوا المدنيين العزل في دارفور، ومليشيات الجنجويد التي تعرف بالدعم السريع تأتمر بتوجيهات وأوامر الإسلاميين مثل حسن عبدالرحمن وغيره من الضباط الإسلاميين، وهناك قوات عليا في الجيش تنتمي للتيار الإسلامي وهي التي تدير عجلة المدنيين المنتمين للتيار نفسه.

يوضح أبو ريدة: القوى الوطنية بكل تأكيد هي قوى سلمية لا تمتلك أدوات الحرب، وقد أضاع الشعب السوداني الفرصة الحقيقية لنجاح ثورتهم وتمكين القوى الوطنية وإرساء حكم مدني خالص في البلاد، وجعلوا الباب مفتوحا على مصراعيه، فالقوى المدنية ليس لديها عصا موسى لوقف الحرب، ومهما استمرت هذه الحرب لن تكسر شوكة الثورة السودانية ولا إرادة الشعب، ولن تعمل على انتاج هذا الفصيل مرة أخرى ولن تعمل على الفرار من المحاسبة، وبالأمس القريبة حلت ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، وقامت جبهة القوى الوطنية العريضة بإحياء هذه الذكري، واتفق الجميع على أنه لابد من القصاص، لأن هذه القضايا لا تسقط بالتقادم 

فالهدف من الثورة كان التحول الديمقراطي من الدولة العسكرية الشمولية إلى الدولة المدنية، فوقف الحرب يتم عن طريق الحوار السوداني – السوداني بعيدا عن مسرح هذه الحرب، فالحديث الآن ليس عن عمل سياسي، فكل الشعب السوداني يركز على وقف الحرب التي فقدت أهدافها بأن تخضع الشعب السوداني بأن الحرب ستستمر، ولكن الشعب السوداني فطن لهذه المؤامرة وأصبح على يقين بأن من أشعل الحرب يريد إعادة انتاج نفسه دون محاسبة.


عباس حسن أحمد حمزة

 بناء قانوني   

واتفق معه في الرأي المحلل السياسي عباس حمزة بأن الجبهة الوطنية العريضة تؤمن على رؤيتها حول الأوضاع الكارثية الأمنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية والصحية ببلادنا وتحيي الذكرى ال (69) للاستقلال، والذكرى السابعة لثورة ديسمبر المجيدة 

وجاء في بيان الجبهة: لقد ظلت الجبهة الوطنية العريضة تحذر جماهير شعبنا وتتنبأ بالانهيار الأمني الكارثي نتيجة للفشل السياسي بالبلاد حيث انقلبت اللجنة الأمنية للمجرم البشير على ثورة ديسمبر المجيدة بتاريخ 11 أبريل 2019م، وعملت قحت التي اختطفت قيادة الثورة على شرعنة اللجنة الأمنية بتبني مشروع الهبوط الناعم والتسوية الذي ظل يعمل طيلة الفترة الانتقالية المزعومة على إجهاض الثورة وخيانة أهدافها ومطالبها ودماء الشهداء والوطن. 

ولم يكن رفض الجبهة الوطنية العريضة للوثيقة الدستورية الموقعة بتاريخي 4 و 17 أغسطس 2019م يتسم بالعسف والتحجر وإنما ينسجم تماما مع العقل والمنطق، لأن الوثيقة لم تحقق ذرة من أهداف الثورة ومطالبها التي على رأسها تصفية نظام الإنقاذ الشمولي الدكتاتوري وإعادة بناء الدولة السودانية فحسب، بل أبقت الوثيقة الدستورية على نظام الإنقاذ الشمولي الدكتاتوري برموزه وسياساته ومؤسساته وعلى رأسها مليشيا الجنجويد (الدعم السريع) التي أصبحت جيشا موازيا للقوات المسلحة المسيسة والمؤدلجة أصلا، ولم تؤسس الوثيقة الدستورية لأي تحول ديمقراطي أو حكم مدني، بل كرست لنظام حكم شمولي دكتاتوري عضوض قام على أشلاء وجماجم الثوار الأحرار المدنيين العزل عقب الجرائم الضد الإنسانية المتعلقة بفض الاعتصام، والتي اتفق قادة نظام اللجنة الأمنية للمجرم البشير (الطرفان المتقاتلان الآن) بمعاونة رأسي السلطة القضائية والنيابة العامة على ارتكابها لإجهاض ثورة ديسمبر المجيدة وخيانة أهدافها ومطالبها.


تظاهرة سودانية في لندن

وأضاف: لقد اختلف المجرمان المتقاتلان كل يريد الانفراد بالسلطة لبناء مملكته الخاصة به ولا شأن لجماهير شعبنا بذلك واندلعت الحرب المستمرة الآن لأكثر  من 32 شهرا، حيث ارتكب الطرفان الجرائم الضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب بحق المواطن والوطن، وخاصة الجنجويد الذين ارتكبوا الجرائم الضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في العديد من المدن والقرى وقاموا باحتلال المرافق العامة ومنازل المواطنين، وظلت الجبهة تعد التقارير للجرائم والموبقات التي ظل الطرفان يقومون بارتكابها بحق المواطن والوطن منذ اندلاع الحرب وتقدمها للمؤسسات العدلية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ، فالطرفان أيديهم ملطخة بدماء الشرفاء من بنات وأبناء  شعبنا وظلا كذلك يعملان على قتل وقهر وإذلال الثوار الأحرار، فهما أصل المشكلة والبلايا والخطايا، لذلك لا يمكن قطعا أن يكونا جزء من الحل الأمني والسياسي، فأي حسم أو حل يأتي بأحد الطرفين أو باتفاق بينهما عبر الرباعية أو جدة أو المنامة أو سويسرا أو غيرها لن يقود مطلقا إلى استقرار أمني أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي ببلادنا، بل سيعمل على مفاقمة الأوضاع الكارثية الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والصحية، حيث ظلت الجبهة الوطنية العريضة طيلة فترة الحرب ولاتزال تعقد الورش لمعالجتها وكيفية تخفيف عبئها على المواطن، خاصة القضايا الصحية والإنسانية والاقتصادية، أما القضايا الأمنية والسياسية لا ترى الجبهة الوطنية العريضة مخرجا لها سوى الحل الجذري الشامل للقضية الوطنية باستمرار الثورة فور وقف القتال لإسقاط نظام الإنقاذ الشمولي الدكتاتوري الذي لم يسقط بعد، إسقاطا كاملا، ومن ثم إقامة البديل الديمقراطي على أنقاضه بإقامة سلطة انتقالية مدنية كاملة خالية تماما من قيادات نظام الإنقاذ الشمولي الدكتاتوري وجنجويدهم وفلولهم، وخالية كذلك من الخونة دعاة مشروع الهبوط الناعم والتسوية (قحت المجلس المركزي، تقدم، صمود، قحت الكتلة الديمقراطية)، لتعمل السلطة الانتقالية المدنية الكاملة على تحقيق جميع أهداف الثورة ومطالبها كاملة غير منقوصة وعلى رأسها: تصفية نظام الإنقاذ الشمولي الدكتاتوري واجتثاثه من جذوره وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة أهمها: حل جميع المليشيات (الدعم السريع، الأمن الشعبي، الدفاع الشعبي، الشرطة الشعبية، الأمن الطلابي، كتائب البراء، البنيان المرصوص، العمل الخاص، عبدالله جماع، وجميع كتائب الظل)، ومصادرة جميع أسلحتها وأصولها، وإعادة بناء القوات النظامية (القوات المسلحة، قوات الشرطة، قوات الأمن)  لتكون مهمة القوات المسلحة حماية تراب الوطن والمواطن، وحماية الدستور والنظام الديمقراطي الذي ستقيمه القوى الثورية الوطنية، وتكون مهمة قوات الشرطة حفظ الأمن والنظام، وتكون مهمة قوات الأمن جمع المعلومات وتصنيفها وتقديمها لذوي الاختصاص على ألا تكون قوات الأمن قوى قتالية أو تنفيذية أو اقتصادية، وإعادة بناء السلطة القضائية والنيابة العامة، ومعالجة أمر المحكمة الدستورية، وازالة أضرار الحروب بالبلاد وتعويض الضحايا، كذلك إعادة هيكلة الاقتصاد لمصلحة الفقراء والمساكين والمسحوقين والمهمشين وإتباع جميع المؤسسات الاقتصادية الأمنية والعسكرية لولاية المال العام وولاية وزارة المالية على أصولها، وإعادة بناء الخدمة العامة، إقامة علاقات خارجية تقوم على مصالح الشعب السوداني الأمنية والاقتصادية وغيرها، وإصلاح الأحزاب السياسية، وقبل كل هذا وذاك تقديم قادة نظام الإنقاذ الشمولي الدكتاتوري وأعوانهم وميليشياتهم للمحاسبة والمساءلة والمحاكمة على كآفة الجرائم والموبقات التي ظلوا لأكثر من 36 عاما يرتكبونها بحق المواطن والوطن، من جرائم الفساد السياسي والاقتصادي والصحفي والإعلامي، وجرائم إلحاق الأذى بالمدنيين والمعارضين مثل  جرائم الحرب والجرائم الضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم القتل والتعذيب الاغتصاب.

ولذلك تناشد الجبهة الوطنية العريضة جميع قوى الثورة الوطنية الشريفة لتقدم الصفوف وقيادة الثورة لإسقاط النظام وإقامة البديل الديمقراطي المدني الكامل، ولقد أعدت الجبهة بزعامة المفكر والعالم الجليل الخبير السياسي والقانوني الضليع الشهيد علي محمود حسنين البرنامج الثوري الوطني الديمقراطي لإدارة الفترة الانتقالية لتحقيق جميع أهداف الثورة ومطالبها كاملة غير منقوصة. وإنها لثورة حتى النصر.
------------------------------
تحقيق- آمال رتيب

من المشهد الأسبوعية

العدد 343 من المشهد ص 8