30 - 12 - 2025

«أرض التيه» وكروان مشاكل

«أرض التيه» وكروان مشاكل

بعد الاعتراف الإسرائيلي بانفصال إقليم ما يُعرف بـ«صومالي لاند» أو «أرض الصومال»، تتزايد المخاوف من تداعيات خطيرة على الأمن القومي لدول البحر الأحمر، وفي القلب منها مصر، خاصة في ظل صراع الموانئ والممرات البحرية الذي لم يعد خافيًا على أحد. فالمسألة لم تعد مجرد اعتراف سياسي بإقليم متنازع عليه، بل خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية تتقاطع مع مصالح دولية وإقليمية، وتهدد بإعادة تشكيل خرائط النفوذ في واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم.

ومن هنا، يبرز الربط الرمزي مع «أرض التيه» تلك الأرض التي تاه فيها اليهود أربعين عامًا في سيناء في عهد نبي الله موسى عليه السلام. فالتاريخ، وإن لم يكرر نفسه حرفيًا، إلا أنه كثيرًا ما يعيد إنتاج أنماطه. واليوم، تعود نبوءات وتوقعات بتوهان سياسي واستراتيجي جديد، قد يمتد لعقود، ولكن هذه المرة في الأرض الصومالية، حيث تتشابك الأطماع، وتتصارع القوى، ويضيع الاستقرار وسط حسابات المصالح.

غير أن التيه لا يقتصر على الجغرافيا وحدها، بل يمتد ليشمل الوعي الجمعي. وهنا يمكن فهم الربط مع واقعة «فرح التيك توكر كروان مشاكل»، وما شهده من شغب وتدافع وضرب، ودهس للمدعوين، وحرق سيارة العريس، وسرقة المتعلقات الشخصية للمعازيم والعروسين. مشهد فوضوي بامتياز، يعكس حالة من الانفلات، لكنه في الوقت ذاته يطرح سؤالًا أعمق: كيف يمكن لحدث ترفيهي عابر أن يستحوذ على اهتمام واسع، بينما تمر قضايا مصيرية تمس الأمن القومي مرور الكرام؟

إن تعمد إلهاء الجماهير عن القضايا الأساسية، وصرف الأنظار نحو أحداث هامشية أو مثيرة للجدل، ليس أمرًا جديدًا. فالتوهان هنا ليس تيهًا مكانيًا، بل تيه فكري ووجداني، يُفقد المجتمعات بوصلتها، ويجعلها منشغلة بالسطح على حساب الجوهر، وبالضجيج بدلًا من الوعي.

وعليه، فإن عنوان المقال «أرض التيه وكروان مشاكل» ليس مجرد مفارقة لغوية، بل تعبير مكثف عن حالة عامة من الضياع، تتقاطع فيها السياسة مع الإعلام، والتاريخ مع الواقع، والجغرافيا مع الوعي الشعبي. تيهٌ في الأرض، وتيهٌ في العقول.

ختامًا، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سنظل نكرر الدور نفسه في مسرح التيه؟

ومتى ندرك أن أخطر أشكال الضياع هو ذلك الذي يحدث ونحن نظن أننا نرى بوضوح؟ إن استعادة الوعي، وإعادة ترتيب الأولويات، هما السبيل الوحيد للخروج من هذا التيه الممتد، قبل أن تتحول الفوضى من مشهد عابر إلى واقع دائم.
-----------------------------
بقلم: إبراهيم خالد


مقالات اخرى للكاتب

«أرض التيه» وكروان مشاكل