السياسة والاقتصاد والإعلام، محاور رئيسة تصب في الحياة الاجتماعية مباشرة وتؤثر في معيشة الناس من أول المأكل والمشرب، والمأوى (السكن) مرورا بالتعليم والصحة والخدمات وحركة المرور، وانتهاء بالرياضة في بلدنا.. والثلاثة محاور يشتغلوننا كل يوم بالوهم والوعد والفرج القريب.
1 ـ السياسة تم تشييعها خلال الانتخابات الأخيرة إلى مقابر الخوف والصمت، بعد مقتلها عمدا مع سبق الإصرار، وأقيم لها سرادق عزاء لم يحضره إلا المزورون والراشون، وغاب عنه الناخبون، وقام بتلاوة فسادها القائمون على الانتخابات، بعد أن سمحت للراشين الترشح مرة أخرى بدلا من عقابهم.
غرفتا التشريع (الشيوخ والبرلمان) بلا شرعية شعبية، بعد الفساد المتبجح الذي شاهده الناخبون في التزوير، وكَمَ الطعون المقدمة من المرشحين إلى محكمة النقض، على ما شاب عملية التصويت خلال عملية الفرز (آخرها في دائرة المطرية).. الأدلة على فساد الانتخابات دامغة، من نسبة مشاركة في التصويت مخجلة تعكس الرفض الشعبي لتمثيلية سياسية بلا أبطال، وشهادة السيد رئيس الجمهورية على فسادها ومطالبته بإعادة الانتخابات في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل في أي من دول العالم، إلى النتائج المضحكة للتصويت التي أطاحت بمرشحين حصدوا خلال جولة الرشى وشراء الأصوات ما يزيد عن العشرين ألفا من الأصوات، ونالوا في الإعادة ما يقل عن 1500 صوت، ولا نعرف ما إذا كان هذا الفارق في التصويت المضحك نتيجة تزوير التصويت في الجولة الأولى، أم إفلاس الراشين في جولة الإعادة بما لا يمكنهم من تكرار شراء الأصوات.
السياسة "تشتغلنا" بالانتخابات والوطن والأمن القومى، والشائعات المغرضة والقلة المندسة، الذين يستحقون الحبس والنفي في أقبية السجون، وفي الوقت ذاته تقدم لنا القتلة (الأخ هشام) والفاسد صاحب العز، وغيرهم كواجهة للمصريين خلال افتتاح متحف الحضارة.
الاقتصاد هو الآخر أقيم له سرادق عزاء "خمسة نجوم"، استدانت الدولة مليارات الدولارات لتشيده قبل تشييعه إلى مقبرة الديون الخارجية والمحلية.. التجار والمستوردون والصناع يحققون أرباحا خيالية تتجاوز النسب العالمية في الأرباح التي يحققها دوران رأس المال سواء في الأغذية أو العقارات والسيارات والسكن والتكليف الباهظة التي تجنيها المستشفيات الاستثمارية من المواطن المصري، أضافة إلى الضرائب الباهظة التي يتحملها أبناء الطبقة الوسطى ومحدودو الدخل، في ظل غياب الرقابة تماما على السوق الاقتصادي المصري، الذي بات قريب الشبه من المراحيض العمومية (أعتذر عن التشبيه الاضطراري) التي يدخلها كل من هب ودب لقضاء حاجته، ويغادرها دون حتى مراعاة النظافة والصيانة.
الإعلام يشتغلنا هو الآخر، بسرادق لا تريد الدولة تفكيكه وتُبقي عليه مشيدا بأيادي غير المؤهلين شكلا وموضوعا، لا يميزهم عن سواهم إلا الخبراء في التضليل والكذب وخدمة من يمتلك مفاتيح "أكل العيش".. إعلام يهين العقول والرموز والثوابت الوطنية، ويثير الفتنة، ويجنى القائمون عليه ثروات هائلة، وهناك كُثُر ممن يسمونهم بالإعلاميين، ليسوا أكثر من خدم لأصحاب السلطة والنفوذ والثروة، كل همهم غسيل وجه المفسدين وتقديمهم للجمهور باعتبارهم قديسين لا يأتيهم الباطل من أي جهة من الجهات الأربع.
الثلاثة يشتغلوننا، ويوهموننا بما ليس هو حق، ويروجون للباطل (عيني عينك) والنتيجة مزيد من التردي والتراجع للحياة الاجتماعية في مصر: أخلاق وسلوك، ومعايش، وصحة وتعليم و..حرية إبداء الرأي تحت سيف الحبس المسلط على الرقاب.
الثلاثة يشتغلونها عنوان فيلم كوميدي للفنانة ياسمين عبد العزيز، قدم مؤلفه يوسف معاطي ومخرجه علي إدريس واقع "إشتغالة" المصريين بثلاثية الدين والثورة (سياسة) والجنس..وعلى نهج "الإشتغالة" لم تضيف السياسة ولا الاقتصاد أو الإعلام إلى المصريين إلا ما يزيد من آلامهم وأوجاعهم وأزماتهم.. الثلاثة يشتغلوننا بلا كلل.
--------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم
من المشهد الأسبوعية






