30 - 12 - 2025

سلوكيات مرفوضة تفرض علينا "دق أجراس ونواقيس الخطر"

سلوكيات مرفوضة تفرض علينا

مع التطور التكنولوجى المتلاحق والمنتشر بشكل واسع، ومع ما تبع ذلك الانتشار من زيادة الهواتف الذكية، والمزودة بكاميرات دقيقة فى التصوير بشكل ملحوظ، وخاصة مع وصول مستخدمي الإنترنت فى مصر إلى 96.3 مليون مستخدم بنسبة انتشار 81.9% من السكان.

نقول أن مع ذلك التطور انتشرت ظاهرة التصوير بكاميرات تلك الهواتف انتشاراً كبيراً – كماً وكيفاً – سواء على مستوى التقاط الصور أو انتاج الفيديوهات، ولم يقف الأمر عند ذلك؛ بل ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعى"AI" فى اخراج تلك الصور والفيديوهات بشكل دقيق حقق معه الكثير من المغرضين وطالبى الشهرة والمهووسين بالــ "تريند" اغراضهم المختلفة؛ فلا تكاد تفتح هاتفك أو جهاز الحاسوب الخاص بك حتى تجد سيلاً من الصور والفيديوهات المعالجة بتلك التقنيات، والتى تحمل اخباراً أو موضوعات قليلاً منها سليم وغالبيتها "مُفبرك" أو مغلوط أو مشوش أو غير سليم على الإطلاق. لكنها "مُفبركة بمعلمة" ، وبدقة عالية "يصعب كشفها" .

وتتعدد أغراض واهداف صانعي تلك الصور والفيديوهات؛ فمنها تحقيق مشاهدات عالية والوصول إلى"التريند" لجنى الأموال الطائلة من هذا المحتوى الرائج، ومنها التشويه المقصود والمتعمد لبعض مؤسسات المجتمع، ومنها كذلك الكيد لشخصيات عامة أو شخصيات من مشاهير المجتمع أو رموزه أو النيل منهم .... الخ .

وعبر التاريخ وجدت مثل تلك الممارسات باشكالها المختلفة وإن اختلفت فى آلياتها ووسائل تنفيذها، لكن ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعى، وانتشار أجهزة الهاتف الحديثة قد زادتا من حدتها وسرعتها مما أثر على الفرد والمجتمع؛ فلا يخفى علينا مدى ما يسببه ذلك المحتوى الرائج مع ما يحويه من أخبار مغلوطة وغير صحيحة أو غير دقيقة من تضليل للرأى العام واثارة للبلبلة لديه، مما بضر بسمعة الكثير من المؤسسات والرموز والشخصيات الوطنية.

إن سيلاً جارفاً من الصور والفيديوهات قد اخترق الخصوصيات فى المناسبات العامة كالأفراح وسرادقات العزاء؛ فوجدنا كماً هائلاً من تلك الصور والفيديوهات منتشراً على مواقع التواصل الاجتماعى من عزاء فلان أو فلان من مشاهير المجتمع وفنانيه؛ إذ يتم تصويره (وهو يدخن – وهو يلتفت – وهو يسلم أو يستقبل معزيه – وهو يودعهم أو يودعونه، وهو مرهق، وهو يضبط ملابسه ..... الخ) ثم تجد تحت هذه الصورة أو تلك عنواناً غريباً مكذوباً أو مغلوطاً يشوه الشخصية صاحبة الصورة بهدف تحقيق مشاهدات عاليه تشبع "هوس التريند" الذى أصبح شبحاً يطارد الملايين من دعاة الشهرة ولو على حساب الآخرين.

إن أحد تلك الفيديوهات المفبركة - على سبيل المثال - قد طال شركة مصر للطيران الاسبوع الماضى، تلك الشركة الوطنية الرائدة فى مجالها – عالمياً واقليمياً -؛ ذلك أن "شاعت" عبارة عن فيديو تظهر فيه طائرة تابعة للشركة وهى تهبط هبوطاً اضطرارياً على الطريق الدائرى بالقاهرة، ومما صعب الأمر أن تلك الشائعة قد انتشرت بشكل سريع بين الجمهور ورواد مواقع التواصل الإجتماعى الذين بدأو سريعاً بالتعليقات عليها ومشاركاتها رغم عدم صدقها أو صحتها؛ ومن هنا فقد سارعت الشركة فى بيان اعلامى لها يوم 20 ديسمبر الجارى باعلان عدم صحة هذا الخبر أو ذلك الفيديو تماماً، وأكدت أنه "غير حقيقى" وأنه "مفبرك بالكامل" وأنه قد تم تنفيذه باستخدام "تقنيات الذكاء الاصطناعى الــ  AI "، وأنه لا يمت للواقع بصلة.

وخلال الايام القليلة الماضية ايضاً حدث ما حدث من التصوير "عمال على بطال" فى سرادقات عزاء المشاهير، أو مناسباتهم، أو الأحداث العارضة فى حياتهم؛ تصوير بدون اذن واختراق للخصوصية بشكل غير لائق.

وإذا كان متاحاً لفئات معينة مثل الصحفيين الذين يتتبعون أخبار هؤلاء المشاهير بحكم عملهم، أو المصورين الذين يُدعون للتصوير بإرادة صاحب المناسبة؛ فإن على هؤلاء أن يحافظوا ويحترموا الخصوصية ولا يصوروا إلا ما يريد صاحب المناسبة تصويره "لا بدون اذن ولا خلسة".

وقبل أن ننهى مقالنا هذا - لابد من التنويه إلى أننا لا نتهم أو ننتقد التكنولوجيا المشار إليها فى حد ذاتها؛ ذلك أن لها مردودها وتأثيرها الايجابى فى حال اُستخدمت الاستخدام الصحيح والمناسب ، وفى حال – ايضاً - حكمتها المواثيق الأخلاقية والأدبية المعبرة عن المجتمع، وفى حال عبرت هى – كذلك - عن آداب المجتمع وأخلاقياته العامة، وانما ننتقد هنا الاستخدامات السيئة لتلك التكنولوجيا، وهى تلك الاستخدامات التى تؤثر تأثيراً سلبياً وخطيراً على الفرد والمجتمع وتحاول الحكومة التصدى له بطرق مختلفة.

ومن هنا يتبين لنا خطورة الاستخدام الخاطئ والمغرض لتقنيات الذكاء الاصطناعى، وكذلك خطورة اللهث وراء هوس الشهرة والتريند، وخطورة اختراق الخصوصيات من خلال ان "تسمح لنفسك" باستخدام كاميرات الهواتف الذكية الواسعة الانتشار فى اختراق تلك الخصوصيات.

علينا إذن أن نعترف بأن تلك الاستخدامات السيئة هى سلوكيات مرفوضة؛ إذ تسبب الكثير من المشكلات بالمجتمع ، وينتج عنها تضليل للرأى العام واشاعة للبلبلة والفتنة بالمجتمع. وعلينا كذلك أن ننبه لذلك و " ندق اجراس ونواقيس الخطر"
--------------------------------
بقلم: د. مصطفى يونس أحمد


مقالات اخرى للكاتب

سلوكيات مرفوضة تفرض علينا