نتنياهو أعلن أمس اعتراف إسرائيل رسميًا بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة.
ولكى نفهم حكاية أرض الصومال علينا أن نعود إلى بدايات القرن الماضي:
فى عام 1902 كان شمال الصومال تحت الانتداب البريطاني وجنوب الصومال تحت الانتداب الإيطالي، وفى عام 1960 زال الاحتلال نتيجة حركات التحرر الوطنى التى قادها عبد الناصر فى القارة الأفريقية، واتحدت الصومال شمالا وجنوبا مكونة دولة الصومال، وفى عام 1969 قام سياد برى بانقلاب عسكرى وأعلن نفسه رئيسا للصومال مما أغضب بعض القبائل وظل التوتر قائما حتى سقط نظام سياد برى عام 1991، وبدأت بعد سقوطه الصراعات على السلطة بين القبائل وأعلنت صوماليلاند انفصالها عن الصومال، وهو الإعلان الذى لم يجد اعترافا من أى دولة فى العالم على مدار 35 عاماً. .
*أطماع إثيوبية*
تسعى إثيوبيا (الدولة الحبيسة) إلى إيجاد موضع قدم لها على البحر الأحمر والسيطرة على مضيق باب المندب، ولم تجد وسيلة لتحقيق هذا الهدف سوى من خلال دعم انفصال صوماليلاند عن الصومال، واقتطاع جزء من أراضيها لإقامة ميناء أثيوبي على البحر الأحمر، فى هذا المسار وفى خطوة أغضبت الحكومة المركزية الصومالية في مقديشو، واعتبرتها انتهاكا صارخا للسيادة الصومالية، قام رئيس صومالي لاند (أرض الصومال) السابق موسى بيحي عبدي فى يناير 2024 بإبرام مذكرة تفاهم مع إثيوبيا لمنحها أرضا سيادية في السواحل الغربية بصومالي لاند لإنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية، الأمر الذى دفع مقديشو إلى إضعاف "صومالي لاند" وثنيها عن المساعي الانفصالية من خلال دعم الحركات الداخلية الرافضة للمشروع الانفصالي في الشمال، كما قامت مصر بإرسال قوات ومعدات عسكرية في أغسطس 2024 إلى الصومال ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية الجديدة، التي تعد بديلاً لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية أتميس (ATMIS) وهو ما اعتبرته أديس أبابا تهديداً مباشراً لها.
*من لا يملك يعطى لمن لا يستحق*
على غرار وعد بلفور عام 1917 عندما قامت بريطانيا (التي لم تكن تملك فلسطين) بإعطاء وعد بدعم إنشاء وطن قومي لليهود فيها ، سارت إسرائيل على خطى ربيبتها، فأعلنت أمس اعترافها بصوماليلاند فى مكالمة هاتفية جمعت نتنياهو بعبد الرحمن محمد رئيس صوماليلاند الذى بالمقابل أعلن استعداده للانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، ولا يخفى على أحد أن هذا الإعلان يأتى بعد شهور من تقارير حول إعلان الولايات المتحدة وإسرائيل التواصل مع مسئولين رفيعي المستوى في حكومات السودان والصومال وأرض الصومال في أفريقيا لمناقشة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى أراضيهم، ونفى مسؤولون في الصومال آنذاك، علمهم بأي اتصالات بهذا الخصوص.
أما الرئيس الأميركي ترامب، فقد صرح - بذكائه المعهود فى التعاطى مع الأحداث التى يكون نتنياهو طرفا فيها - أنه لا يعتزم في الوقت الراهن الاعتراف باستقلال إقليم صوماليلاند، مؤكدًا أن الموضوع “قيد الدراسة”.
والتساؤلات التى تطرح نفسها الآن، هل يكفى بيان الإدانة المشترك الذى أصدرته مصر وتركيا والصومال وجيبوتي لرفض هذا الاعتراف ووقف تداعياته، أم أن الأمر يحتاج تحركا على الأرض قبل أن نجد إسرائيل وإثيوبيا يتحكمان فى مدخل البحر الأحمر ويقيمان القواعد العسكرية فى صومالي لاند.. وماذا لو وافقت صوماليلاند على استقبال بعض من سكان غزة؟
قرار نتنياهو لا يجب أن يقابل باستخفاف وتهاون عربى كباقى قراراته التى تمت الاستهانة بها ورأينا نتائجها الكارثية على المنطقة، فهذا القرار بلا شك يعيد تشكيل الديناميكيات الإقليمية ويختبر ليس فقط معارضة الصومال للانفصال بل أيضا يختبر موقف جامعة الدول العربية من هذا الانفصال باعتبار الصومال إحدى دول الجامعة وتنضوى تحت مظلتها، فهل تقوم الجامعة بإرسال قوات عربية مشتركة إلى الصومال للحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه، أم ستترك إسرائيل تعبث بالدول العربية وأمنها واستقرارها وحدودها فى سبيل تحقيق مخطط برنارد لويس فى تقسيم الوطن العربى إلى دويلات ضعيفة يسهل السيطرة عليها واحتلالها والتهام ثرواتها، وهو المخطط الذى يسير بخطوات واثقة فى سوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال، ويتم التحضير لاستكماله فى باقى الدول العربية تحت إشراف وتمويل ودعم دويلة عربية لا تستحى أن تقوم بدور الصهاينة فى هذا المخطط ..
------------------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم






