28 - 12 - 2025

مصر وصراع الموانئ بالقرن الأفريقي

مصر وصراع الموانئ بالقرن الأفريقي

يشهد القرن الأفريقي مرحلة بالغة الحساسية، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتشابك المصالح الدولية، خصوصًا مع عودة الصراع بين إثيوبيا وإريتريا إلى الواجهة. ففي الوقت الذي تقف فيه الدولتان على حافة مواجهة جديدة، بدأت ملامح تحركات مصرية مدروسة تظهر في المشهد، ليس عبر التصريحات السياسية فقط، بل من خلال خطوات عملية تحمل رسائل استراتيجية بعيدة المدى.

دخلت القاهرة هذا الملف من بوابة الموانئ، حيث تشير تقارير متداولة إلى تفاهمات غير معلنة بشكل كامل بشأن مشاركة مصر في تطوير ميناء عَصَب الإريتري وميناء دوراليه في جيبوتي. هذه الخطوة تتجاوز البعد الاقتصادي الظاهر، لتكشف عن توظيف ذكي للأدوات التنموية في خدمة أهداف سياسية وأمنية أوسع.

تطوير الموانئ لا يقتصر على توسيع الأرصفة أو تحديث البنية التحتية لاستيعاب حركة التجارة المتزايدة، بل يشمل تجهيزات متقدمة قادرة على استقبال قطع بحرية كبيرة، إلى جانب توفير تسهيلات لتموين ودعم السفن الحربية المصرية. وهو ما يعكس إدراك القاهرة المتزايد لأهمية البحر الأحمر، الذي لم يعد مجرد ممر ملاحي عالمي، بل تحول إلى شريان استراتيجي من يسيطر عليه يمتلك أدوات ضغط إقليمية فعالة.

وتزداد أهمية هذه التحركات عند النظر إلى وضع إثيوبيا، الدولة الحبيسة التي تعتمد بشكل شبه كامل على ميناء دوراليه في جيبوتي لتأمين تجارتها الخارجية. وجود مصر في هذا الميناء الحيوي يضعها في موقع جغرافي مؤثر بالقرب من أديس أبابا، ويمنحها قدرة على التأثير في محيط القرار الإثيوبي، خاصة في ظل الخلافات العميقة حول ملف سد النهضة.

في المقابل، تعيش العلاقات الإثيوبية الإريترية حالة تدهور حاد، بعدما كانت قد شهدت تقاربًا نسبيًا في السنوات الماضية. ويعد ميناء عَصَب محور هذا الخلاف؛ إذ ترى إثيوبيا أن من حقها الحصول على منفذ مباشر إلى البحر الأحمر، بينما تعتبر إريتريا أي محاولة في هذا الاتجاه مساسًا بسيادتها الوطنية وخطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.

الاضطرابات لا تتوقف عند هذا الحد، فالساحة الداخلية الإثيوبية تشهد تحولات معقدة في التحالفات. جبهة تحرير تيغراي، التي كانت خصمًا رئيسيًا لرئيس الوزراء آبي أحمد، انقسمت إلى فصائل؛ بعضها تحالف مع إريتريا وميليشيات «فانو» ضد الحكومة، بينما ظهرت مجموعة جديدة تُعرف باسم «سلام تيغراي»، تضم مقاتلين سابقين انضموا إلى الجيش الإثيوبي بعد اتهامهم قياداتهم السابقة بالخيانة.

وسط هذا المشهد المضطرب، تتحرك مصر بهدوء ودهاء، معتمدة على مزيج من القوة الناعمة المتمثلة في التنمية والاستثمار، والقوة الصلبة عبر تعزيز حضورها العسكري في مناطق حيوية تمس أمنها القومي. الرسالة المصرية واضحة: ملف مياه النيل ليس الورقة الوحيدة على الطاولة، بل إن القاهرة باتت حاضرة بقوة عند المداخل والمخارج الاستراتيجية للمنطقة.

وهكذا، يبدو القرن الأفريقي وكأنه يقف على صفيح ساخن، حيث تتقاطع الصراعات المحلية مع الحسابات الإقليمية والدولية، في شتاء سياسي مرشح لمزيد من العواصف.
---------------------------------
بقلم: إبراهيم خالد


مقالات اخرى للكاتب

مصر وصراع الموانئ بالقرن الأفريقي