هل يمكن تحقيق نصر بغير حرب ؟.
الفليسوف الصيني العظيم "صن تسو" والذي كتب قبل ألفي عام كتابه الشهير عن "فن الحرب" ، قال إن "أفضل ما يمكن لك أن تفعله، هو أن تنتصر بدون قتال"، وهو الذي قال أيضاً : "إن العمليات العسكرية تشبه النار، إذا لم نعرف كيف نوقفها، فأنها سوف تحرقنا" ..
القوة العسكرية لها إطارها الأخلاقي الذي لا يقل أهمية عن إطارها المادي، ويتمثل الإطار الأخلاقي في القدرة علي السيطرة علي النفس وعدم الإنجرار لغرور القوة أو الإنحراف بها، عندما يمكن تلافي إستخدامها، أو الإستخدام المتناسب مع الإحتياج المباشر لتحقيق الهدف.
ومن جانب آخر، يتمثل هذا الإطار الأخلاقي في إمتداد أثر هذه القوة في شكل نفوذ مؤثر قد يغني أحياناً، إذا أجيد استخدامه، عن إطلاق طلقة واحدة ..
لذلك قال "صن تسو" أيضاً إن "العاقل يكسب قبل أن يقاتل، بينما الغبي يقاتل كي يكسب" ..
من الواضح حتي الآن أن بنيامين نتنياهو هو ذلك الغبي الذي يسعي إلي الحرب كي يحقق المكسب أو يصل إلي بعض أهدافه..
ولكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه الآن هو: "تري كيف يتصرف العقلاء كي يربحوا المواجهة معه دون أن يدخلوا الحرب؟" .
واقع الأمر علي ضوء التجارب التاريخية أنه عندما يتم التخطيط لحرب، فإنه بالإضافة لإعداد المعدات والأسلحة والذخائر والقوات، يتم إعداد الجبهة الداخلية لكل احتمالات العمليات، وتهيئة المسرح الإقليمي والدولي، والعمل بشكل مستمر لكسب معركة الصورة (الحرب الدعائية).
ولكن يبقي أن أهم ملفات التخطيط السابقة علي الحرب يجب أن تشتمل علي إستراتيجية الخروج، وتكتيكات الانسحاب المحسوب بعد تحقيق النصر المبدئي وخاصة في قتال المدن.
وبتطبيق ما تقدم علي الحرب الدائرة الآن مثلا في أوكرانيا وامتداداتها في الغرب بشكل عقوبات إقتصادية تتصاعد وتتشابك بشكل قد يدفع بالخصم إلي نقطة الغليان العظمي، التي تشبه حالة ما قبل الانتحار، وهي النقطة التي قد يصعب الرجوع منها، أو الإفلات من نتيجتها التي قد لا تقل عن السحابة النووية تلف الكرة الأرضية.
وبشكل ما يبدو ما يحدث بين روسيا والغرب كأنه صراع زعماء عائلات المافيا في مدن أنيقة تبدو متحضرة !.. في غيبة (أب روحي / God Father) يفصل في النزاع ويوزع الغنائم ..
فهل اختارت الأطراف كلها أن تقاتل كي تكسب الحرب، وتخسر الحياة، وهو خيار الأغبياء وفقا لنظرية حكيم الصين العظيم "صن تسو"! ..
--------------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق
