حتى لو استبعدنا نظرية المؤامرة، فمصر مستهدفة طوال الوقت، والتاريخ خير شاهد على ذلك. وأهم أساليب الاختراق لتحقيق وتنفيذ المؤامرة هو اختراق وحدة الصف المصرى التى ميزت مصر طوال التاريخ عن باقى دول المنطقة ولا نبالغ لو قلنا عن كثير من دول العالم. وذلك يرجع إلى التركيبة المصرية المتفردة التى مزجت بيت الجغرافيا والتاريخ، فكانت هوية حضارية متماسكة ومتميزة. بالرغم من تلك التعددية الثقافية، فهناك ثقافة مصرية هوياتيه جامعة لذلك التعدد. فلن تعرف مصر مايسمى بحروب طائفية أو أهلية بين المصريين.
فى الوقت الذى كان فيه الاستعمار ولا يزال بكل مسمياته، يحاول كسر تلك الحلقة بين المصريين المسلمين والمسيحيين، حيث أن تلك الحلقة هى صمام الأمان لمصر وشعبها. ولذا نجد أن التحديات الكثيرة وغير المسبوقة التى تحيط بالوطن وعلى كل المستويات وبكل الأوراق سياسيا واقتصاديا وعسكريا لا تخلو من إضافة تلك الورقة الطائفية التى نجد من يثيرها ويؤلبها كل فترة من الفترات.
فمنذ ٣٠ يونيو انزوت أصوات تلك المجموعة المسماه ببعض أقباط المهجر الذين يقومون بأدوار مرسومة وممولة من منظمات حقوقية دولية تعلن أهدافها بلا خجل، تحت زعم اضطهاد الأقباط كذريعة وتكئه للتدخل فى شؤون الوطن!!. ولكن منذ فترة وجدنا عودة تلك الأصوات إلى دورها المشبوه بإعادة اسطوانة خطف السيدات المسيحيات، وكأن هذه العملية تتم بمساندة من الأجهزة الرسمية حسب ادعاءاتهم! ومن المعلوم أنه لايوجد خطف بالمعنى الحرفي ولكن حفظا لماء الوجه يتم الادعاء بالاختطاف فى الوقت الذى يتم فيه ارجاع ما يسموا بالمخطوفين وعن طريق الأجهزة الرسمية.
وساعد فى ذلك التأليب تلك السوشيال ميديا التى أعطت كل من هب ودب وكل من لا يرى دورا، وكل من لايجد فرصة لتحقيق ذاته المريضة أن يحقق تلك الذات متصورا ومتخيلا ومتوهما أنه زعيم الأقباط والمدافع عن الكنيسة وعن المسيحية فى مواجهة حملات تريد القضاء على المسيحية والمسيحيين؟ وهم لا علاقة لهم بصحيح المسيحية ولا بمصلحة المسيحيين!!
حتى كانت واقعة المذيعة التى تحدثت عن مايسمى الصهيونية المسيحية بطريقة تعميمية خاطئه مهنيا قبل أن تكون معلوماتيا. فلماذا هذه الزفة المبالغ فيها؟ هل هناك صهيونية مسيحية تستغل النص الدينى لصالح السياسى اليهودى؟ نعم هناك صهيونية مسيحية. هل كل المسيحيين يؤمنون بتلك القضية السياسية وليست الدينية؟ بالطبع لا فهذا واقع وتاريخ ووثاىق ومعتقد كنسى مسيحى معلن ويتم الايمان به بعدم الاقتناع بتلك التفسيرات الحرفية لبعض نصوص التوراة اليهودية (وليست المسيحية). ولا يوجد غير بعض الطوائف القليلة من البروتستانت الذين يقومون بدور سياسى أكثر منه دينى. إذن الحديث عن الصهيونية المسيحية لا يقلل من إيمان المسيحى ولا يطعن فى وطنيته. هذه قضايا محسومة من البداية. فرأى وعقيدة الكنيسة الأرثوذكسية ضد تلك التخريجات المشبوهة. وموقف البابا شنودة الثالث من هذه القضية أصبح من أهم المراجع فى دحض وإسقاط تلك الكذبة الصهيونية (اليهود فى رأى المسيحية). أما حكاية سفر اشعياء وأنه تمت كتابته فى القرن ١٥ فهذه معلومة جانب المذيعة فيها الصواب لعدم تحليل الخير وعدم التفرقة بين كتابة السفر قبل الميلاد وبين إعادة ترجمة بعض نصوص السفر فى القرن الخامس عشر. كما أن الحديث والاختلاف فيما يسمى فلسفة الأديان كان وسيظل قائما طالما هناك تعددية دينية. وهذا الأمر لا يحتاج إلى هذه الممارسات غير الموضوعيه. وطوال التاريخ يثير أتباع الأديان اللغط بين نصوص دين والدين الاخر وظلت الأديان وظل تابعوها، حيث لا يوجد انسان حامى للأديان ولكن حامى الأديان هو رب الأديان. فمتى نتعلم مواجهة الرأى بالرأى والحجة بالحجة؟ أما الآخطر فهو ربط تلك الواقعة وخلطها بما يسمى بالمشاكل الطائفية. فما علاقة واقعة المذيعة بإثارة مشاكل الأقباط وحقوق الأقباط الطائفية وطرحها على أرضية طائفية؟ هل إثارة تلك القضايا هدفها مساندة المأجورين الأمريكان؟ هل تعبيد الطريق للتدخل الأجنبى فى شئون الوطن؟ هل هناك مشاكل متراكمة تاريخيا نتيجة لمراحل اضطهاد حقيقى تاريخية؟ نعم هناك مشاكل. ولكن هل الطريق هو طرحها على أرضية طائفية؟ بالقطع لا. فهذا الطرح يعنى هناك مشاكل المسيحين وأخرى للمسلمين أى أننا قد حددنا طرفين لشعب واحد فى الوقت الذى فيه مشاكل لكل المصريين ولا تحل بغير تحالف وتوافق كل المصريين لحل المشاكل على أرضية سياسية وطنية. ولكن طرحها على الأرضية الطائفية هى إثارة لطرف على آخر، حيث أن المشاكل تجتاح الجميع. حافظوا على سلامة مصر. فلا سلام ولا حياة ولا حل لمشاكل بعيدا عن مصر الوطن والأرض، ولا بعيدا عن الاندماج فى العمل السياسى الحقيقى الذى يطرح المشاكل أيا كان نوعها على أرضية سياسية تجمع كل المصريين حتى تظل مصر دائما وطنا لكل المصريين. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
--------------------------
بقلم: جمال أسعد






