- الدولة تفتقر للحصافة ولا تعير الذاكرة الوطنية اهتماما يذكر.. كل الأعياد متوقف الاحتفال بها وكأن الأعياد فقط للشرطة و٣٠-٦ و٣-٧ !!
- المصريون يكتفون بأن قناة السويس صارت مثل تفاحة ناضجة وقعت في أيديهم فلم يعودوا منشغلين بالدماء التي أريقت.. امتلكوها ونسوا بطولات الشهداء والمقاومين
- قنبلة سيد عسران التي خبأها في ساندويتش.. قتلت مدير المخابرات الإنجليزية في المدينة الباسلة.
- انتم لاتدرون حقا مالذي تفوتونه بالعزوف عن هذه المشاركات الوطنية.. الطابقان الرابع والثامن ممتلئان بالزملاء ومسرح النقابة يعاني التجاهل والفراغ !
- التغيير الرهيب في مصر تجاسر على المواطن فقط.. فاصبحت حياته جحيمًا بالغلاء الفاحش والخدمات غير المتوافرة من علاج وتعليم وثقافة جامعة تخلق شخصية لا منتمية .
- لن تعرفوا ماذا فعلتم بمصر إلا إذا راجعتكم سياساتكم .. السعادة زالت عن قلوب المصريين وحل محلها وجع عظيم وهم مقيم.. ليست هذه سياسات الحكم الرشيد مطلقًا!
- نقيب الصحفيين يستذكر بافتخار شديد النقابيّة والصحفية المخضرمة أمينة شفيق التي تسللت إلى ميادين المعارك في زي صياد لتقوم بالتغطية الصحفية.
- ألبومات صور مصطفي شردي مؤسس وأول رئيس لتحرير الوفد كشفت فظائع العدوان الثلاثي على بورسعيد.
رضاء أحد - أي أحد - عن هذه السطور ليس مهما على الإطلاق. لا أستثني منكم أحدًا.. لا مصريًا واحدًا.. ففيما يخص الوطن لا استثناءات. ربما تكون هذه رؤية متطرفة.. خاصة ولايزال في ذهني صدى كلمات هذا الجمع الذي جلست إليه مؤخرًا، وأوجعني منه تاكيد الشباب على انه لا يشعر بالانتماء للوطن، ويريد ان ينفد بجلده منه. هذا هو الحال الذي وصلنا إليه وأنا أثق أن أحدًا من المسؤولين ما كان يسعى إلى ذلك أو يهدف إلى بلوغه.
- لا استثني أيضًا أحدًا من مهنتنا.. مهنة الصحافة.. سواء كان زميلا كبيرا، أو محررا على أعتاب الانضمام إلى البلاط الملكي الصحفي، أو صديقًا مخضرمًا من زملاء المهنة!
من غير المعقول أن تكون الغالبية العظمي (مصريون وفي القلب منهم الصحفيين) منشغلون تمامًا في يوم كهذا ومناسبة كتلك! بل ومن غير المعقول أن يمتليء مثلًا روف الطابق الثامن أو صالون الدور الرابع بالنقابة برفاق وأصدقاء وزملاء، بينما فعاليات ندوة عيد النصر - المتوقف الاحتفال به في مصر!! - تتابع فقراتها وسط آعداد قليلة جدًا من المواطنين والصحفيين!
الفعاليات أقيمت بدعوة من النقابة لاستذكار بطولات وتضحيات مصرية بكل الفخر، لتكرم أسماء شهداء تمجد اسمهم في العلياء، واستعراض تاريخ وبطولات بعضهم، سواء على لسان أقربائهم وذويهم أو على لسان مؤرخين وصحفيين، ولعرض أفلام نادرة مثل فيلم فليشهد العالم - مهدى من وزارة الثقافة - الإرشاد سابقًا - عن صمود مدينة صغيرة الحجم كبورسعيد، بأعدادها المحدودة وقتذاك (كانوا في العام ١٩٥٦ لايزيدون عن ١٥٠ ألفًا فقط عندما اندلع العدوان الثلاثي الغاشم على مصر، وبقي منهم ٦٠ ألفاً فقط - حيث تم تهجير نحو ٩٠ ألفًا تقريبًا) واجهوا بصدورهم العارية جيوش وأساطيل ومدافع ومقاتلات ثلاث من أعتي وأشرس القوي في العالم، وصمدوا صمود الأبطال على مدي خمسة آيام، أثخنوا فيها جراح العدو وقتلوا فرقتين مظليتين، واغتال البطل السيد عسران مدير مخابرات الاحتلال بقنبلة خبأها في سندوتش!
سلمت وثائق نادرة لنقابة الصحفيين، وهي وثائق جماعة هاتاشاما (أسسها احد رموز العمل الوطني سكرتير عام هيئة التحرير ببورسعيد أمين محمد العصفوري.. وهاتاشاما هي حروف المقاومة الشعبية لهيئة التحرير مقروءة بالعكس.. كما يذكر سامح طلعت على صفحته أبطال لاتنسى، وكما أوضح زميلنا أحمد رجب الذي أعد للفعالية في النقابة وقدمها مع زميلنا الكاتب الصحفي محمد الشافعي)
الصحفيون هم عقول الأمة وأشعة النور فيها، من لايزال يتشعبط في سبنسة قطار لجنة القيد، ومن يتمثل ويقتدي بصحفيي قطار المقدمة حيث يركب هيكل ومصطفي أمين وبهاء. اليوم استذكر نقيب الصحفيين في كلمته النقابيّة المخضرمة ذات السمعة المرموقة والتاريخ النضالي الأستاذة أمينة شفيق أيقونتنا النقابيّة، منوهًا بارتدائها زي صيادين حيث تسللت إلى ميدان المعارك في حى العرب، حتى تقوم بمهمتها الوطنية في التغطية والمتابعة، كما استذكر ألبومات صور (مراسل صحيفة أخبار اليوم في بورسعيد أثناء العدوان) مصطفي شردي مؤسس وأول رئيس تحرير لصحيفة الوفد المعارضة فيما بعد، والتي أرسلها لجريدة اخبار اليوم، ففضح بها مصطفي أمين مجازر العدوان على بورسعيد، ما أسهم في تغيير مشاعر وسياسات العالم، الذي رفض العدوان الثلاثي على مصر واستذكر جرائمه!
هل يكتفي المصريون اليوم بأن القناة مثل تفاحة ناضجة سقطت في أيديهم وانتهى الأمر، فلم يعودوا منشغلين بما سبق ذلك من دماء أريقت وتضحيات بذلت وشهداء قدموا دماءهم رخيصة من أجل الوطن؟ امتلكوا القناة بعد تأميمها فصارت تدر عليهم مليارات الدولارات ولم يعد يهمهم استذكار التضحيات المُقَدمة التي قادت إلى هذه اللحظة! لحظة كانت فيها مصر كلها مهددة بالاحتلال والاستعمار. البوارج والمقاتلات والمدرعات والمدافع الحربية لم تأت إلى مصر في ٥٦ لأن مصر قررت تأميم القناة في عصر الرئيس العظيم جمال عبد الناصر، وانما جاءت لاحتلال مصر وكسر شوكة مصر وزعامة عبد الناصر. شوهوا التاريخ حتى يتخيله المصريون والعالم شيئا آخر، غير أنه زعيم كبير أوقف العالم كله على قدم واحدة ولم يقعده .
No Naser Again كان هذا قرارًا أميركيًا أوربيًا اجمعت عليه الدول الاستعمارية القديمة والحديثة، والجملة بالإنجليزية موقعة من الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والذي قال لي أنها تصدرت الصحف الإنجليزية والأميركية بعد العدوان الثلاثي، لماذا؟ لأن ناصر كما ذكر زميلنا محمد الشافعي قرر تأميم القناة وطرد الإنجليز منها، وإنشاء الشركة الوطنية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، كما أسست مصر والهند ويوغوسلافيا ودول أخرى حركة عدم الانحياز، التي كانت إيذانًا بفجر عالم جديد أفرزه ما بعد سكوت المدافع في ٥٦ وانتصار مصر وارادة مصر، التي لم يفرض عليها المعتدون شيئا. ويذكر الكاتب الصحفي أحمد رجب أن الشعوب الفرنسية والإنجليزية كانت ضد العدوان لأنه "يؤجل حصولهم على تعويضات مالية عن التأميم"، بينما كانوا يترقبونها لأجل الاستفادة من تلك الأموال عبر ايداعها في مصارف العالم !!
كما أن سياسة عبد الناصر في رفض الانضمام للأحلاف العسكرية (حلف بغداد نموذجا) وانتهاج سياسات مستقلة، وتحدي أميركا وأوروبا بعد سحب تمويل بناء السد العالي، كل هذا جعل من ناصر عدوا للغرب كله، وقد سقط بعد العدوان زعماء مثل إيدن و جي مولييه.. لقد تغير العالم بعد ٥٦ كما يقول الأستاذ الدكتور أحمد الصاوي في كلمته.
تسلمت النقابة من أهل بورسعيد وثائق مهمة، من بينها المنشورات الأصلية التي كانت تسقطها طائرات العدوان على أهالينا في منطقة القناة، وكان هناك معرض للصور عن العدوان. يضاف إلى ذلك أنه من الجميل أن ترى نجلاء السيد عسران ووالدها البطل مكرمًا في شخصها، ومصطفي الحفناوي الرائد في الدعوة إلى تأميم القناة (حضر نجله د. على ) وتسمع من عبد السلام حامد الألفي عن استحالة عودة تمثال اللص الخائن ديليسبس إلى مكانه في مدخل القناة، ومطالبات بإنشاء المتحف القومي في بورسعيد، ليكون مذكرًا بمجد المدينة الباسلة وليس بذكرى تأميم قناة السويس فقط، وتسمع أعظم أغاني السمسمية ينشدها فريق من البورسعيدية بألحانهم وأساليبهم المميزة.
أنتم لاتدرون ما الذي تفوتونه بالعزوف عن مثل هذه المعارف والمشاهدات والذكريات الوطنية التي تشد أزر الوطن وليس الفرد الواحد فقط ! لاتدرون مالذي تفوتونه حقًا، وما أكثر المناسبات التي تفوتونها، ولستم وحدكم.. فالدولة المصرية نفسها مع شديد الأسف والألم لم تعد تمتلك الحصافة في الإعلاء من قيمة الذاكرة الوطنية. لاتبذل أي جهد في هذا الإطار.. التعليم ليس على مايرام.. والتاريخ مخبوء في الكتب والأفلام الوثائقية والدراسات الجامعية التي لاتصل إلى مستحقيها.. والتليفزيون الرسمي تراجع دوره فلم يعد يهتم بهكذا مناسبات وطنية، فلم يوفد أحدًا لتغطيتها!! كما إن الدولة نفسها عزفت عن تذكر عيد النصر وليس عن مجرد الاحتفال به، فلم يعد له وجود لا هو ولا أعياد الجهاد و الجلاء والنصر وكانّها أعياد حقبة زمنية وليست أعيادًا مصرية! من قال ان هذا الانقطاع بين الماضي والحاضر يمكن أن يخلق شخصية مصرية ننشدها كلنا، تسعى للاستنارة وتتحلى بالوطنية وتؤمن بالعلم وتعرف عدوها الحقيقي. التغيير الرهيب في مصر تجاسر فقط على المواطن.. تغيرت مصر في كل شيء.. امتلأت بالكباري والجسور والطرق وهدمت آثارا وقطعت أشجارًا ورفعت أسعارًا وزادت معدلات التضخم، وارتفعت أسعار كل شيء كالطعام والعلاج والتعليم والكهرباء والماء والغاز والبنزين.. وفي المقابل لم يعد المصريون مهمومون بالتعبير الوطني ولا الاحتفاء بالذكريات والأمجاد.. ولم يعد طمس المجد المصري العريق يشغل بال أحد لاسيما الأجيال الجديدة!
مصر ليست ٣٠-٦ فقط يوم الثورة العظيمة على إخوان الشر، وليست ٣-٧ فقط الذي ترجم السقوط الاخواني إلى بدايات نظام جديد، فقد سبق هذا كله تاريخ وأمجاد وبطولات مصرية.. ولن تعرفوا ماذا فعلتم بمصر منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.. إلا إذا قمتم بمراجعة أمينة لكل ما جرى.. لقد زالت السعادة عن قلوب المصريين وحل محلها وجع عظيم وهم مقيم.. ليست هذه مهمة الدول والحكومات والسياسات. مطلقًا!
المشاركة في مثل هذه المناسبة ومثيلاتها من مناسبات ليست حرية شخصية هنا، فأنتم لستم مدعوون لمشاهدة فيلم او ندوة عن كتاب وإنما هي فعالية عن مصر، يفترض أن تكونوا في مقدمة الحضور. مباراة الأهلي على قيمته وجماهيريته إذا تعارض موعدها مع مناسبة كهذه فلابد ان تفوز هذه المناسبة بكل الاحترام والجماهيرية. ومن المؤسف أن الجمهورية الجديدة لم تعد تهتم لمثل هذه المناسبات فلا تحتفل بأعياد الجهاد أو الجلاء او النصر وكأن عيد الشرطة ونصر ٧٣، وسقوط الإخوان في ٣٠-٦ - ٢٠١٣ فقط هي أعياد مصر الوطنية!
------------------------
بقلم: محمود الشربيني







