- هناء أقنعت صاحب المصنع التركي بالعمل بمهنة لا يعمل بها سوى الرجال
- أمينة : الزوج يعمل بوظيفتين ولا يكفي ولابد من وجود دخل ثالث
- نجلاء : فقدت الأمل في التعيين الحكومي وعملت بتجارة الملابس وجاء كساد كورونا
- حسنية : اقتصد في مصروفاتي وبقضيها بجبنة حتى أرسل لأولادي مصروفات كافية
- لمياء تشكو من عنصرية الأتراك وإيمان انفقت مرتب عام ونصف على عملية قلب
- عائشة: لا نأتي لتركيا بإرادتنا وانما نأتي مجبرين بسبب تكاليف الحياة والغلاء
في غرفة تبدو وكأنها مخزن بشري تعيش مجموعة من النساء المصريات بمدينة إسطنبول، بحي شرين ايفلر ذو الكثافة السكانية المصرية العالية، جئن إلي إسطنبول من أجل العمل والسعي للرزق، جميعهن فوق سن ال ٤٥ عامًا حيث يستفدن من ميزة التأشيرة التركية الإلكترونية الممنوحة لمن هم أكبر من هذا السن بدون تعقيدات أو أوراق، ينمن على أسرة صغيرة تحتوي بالكاد أجساد بعضهن السمينة، السيدات المصريات وغيرهن الكثيرات و الكثيرين قدموا إلى إسطنبول بكثافة، وذلك بعد عودة العلاقات المصرية التركية، ويعشن ضمن شقة تضم ١٢ سيدة وفتاة، يشكل لهن طابور دخول الحمام صباحًا أزمة حين الذهاب للعمل .. لكل منهن قصة وحكاية جاءت بها إلى إسطنبول.. فما حكايتهن ؟
نبدأ بهناء (٤٦ عاما) متواجدة بتركيا منذ سنة وشهرين، تعمل بمصنع لحام أدوات أجهزة سخانات الغاز، بعد عملها بمصنع ملبن لمدة ٦ شهور ، وفندق لعشرة أيام
تقول: العمل هنا شاق جدا، فقد دخل مسمار الماكينة في إصبعي، ولكني لم آتِ هنا للرفاهية أو لتقاضى بوكت ماني أو الجلوس في كافيه، في بداية عملي كنت اتقاضى الحد الأدنى للأجور ١٨٥٠٠ ليرة، مصنع الغاز لا تعمل به النساء ولكني طلبت من الرجل التركي العمل، وحينما رفض قلت له جربني في العمل وإذا فشلت سأمشي. هناء حاصلة على دبلوم تجارة عملت قبل سفرها لتركيا مشرفة على الباصات في الشركة الإنجليزية بالمنصورة، ومحاسبة في شركة أدوية وفي بيع ملابس من ايطاليا ، لديها ٣ أبناء إحداهن خريجة اعلام المنصورة والثانية طالبة بكلية السياحة والفنادق، أما ثالث أبنائها فيدرس في أولى تربية .
أما لمياء (٤٦ عاما) حاصلة على دبلوم تجارة ست بيت، زوجها كان موظفا عاديا، بعد مرض الزوج وتقاعده عن العمل كان لابد من العمل والحصول على دخل "لكي نستطيع تربية أبناؤنا ونمكنهم من الحصول على الأساسيات فقط من أكل وشرب وتعليم"، متواجدة بتركيا من شهور مقدمة على الإقامة ولكن مازالت بانتظار التقييم .
لديها أربعة أولاد، أكبرهم ٢٥ عاما يعمل بمصنع بلاستيك وآخر بتجارة المنصورة، وثالث بـ ٣ ثانوي ، والرابع بابتدائي ،
تقول العمل شاق والغربة مريرة ونعيش ظروفا غير مألوفة لحياتنا، فنحن نعيش ستة في غرفة، يكفي النفس، ولكني أحيي نفسي وأحيي أسرتي، حيث أتقاضى ٢٠ ألف ليرة، أنفق منها حوالي ٨٠٠٠ وأرسل الباقي للأسرة. وتشكو من عنصرية الاتراك وتقول إن مرتبات الاتراك الذين يعملون في نقس الوظائف أفضل، وهناك فرق في المعاملة وإصدار أوامر العمل، كذلك لا توجد محاسبة حين الخطأ بعكس المصري.
هالة (٥٤ عاما) تنتظر الموافقة على الإقامة، زوجت إحدى بناتها ومديونة بسببها لحصولها على قروض كثيرة، تعمل عاملة في مصنع الملابس تتقاضى ١٨ ألف ليرة تنفق حوالى ٨ آلاف لترسل الباقي لأبنائها و (الديّانة) على حد قولها، كانت قبل سفرها تعمل في بيع الملابس البالة.
إيمان متواجدة منذ سنة ونصف وما تقاضته من مرتب أنفقته على عملية قلب، تعمل في مصنع ملابس وقبل سفرها لتركيا كانت تعمل في نفس المهنة، ولديها من الأبناء ١٣ و١٠ سنين، يعيشون مع خالتهم وتقول: "لو قبضت مرتب العالم لا يساوي بعدي عن أولادي ولكني مضطرة لتدبير نفقات المنزل".
حسنية (٤٦ عاما) حاصلة على دبلوم تجارة لديها بنت تبلغ ١٦ عاما ومطلوب تجهيزها وشاب مريض ٢٥ عاما، تعمل في مصنع لتقفيل الملابس، جاءت لتركيا من 6 شهور وقامت بعمل إلاقامة والتي حالفها فيها الحظ حيث تمت لها الموافقة سريعا. تتقاضى ٢٢ ألف ليرة في الشهر، تدفع أربعة للسكن (أجرة السرير في حجرة ثنائية مشتركة)، وحوالى ٣ ألاف مصاريف وغذاء ، وتقوم بتوفير ١٥ ألف ليرة ترسلها للأسرة، لتفطية المصاريف والعلاج والدواء، وتقول اقتصد جدا في مصروفاتي (وباقضيها بجبنة) حتى ارسل لهم المصروفات، وتضيف كنت لم أكن أعرف كيف أخرج من المحلة وأذهب لطنطا وحدي، هناك صديقة أشارت علي بالسفر لتركيا، وكانت معى على التليفون أثناء الرحلة خطوة بخطوة حتى استقبلتني، واعمل من الثامنة صباحا حتى السابعة مساء.
أمينة تقول غلاء المعيشة في مصر فوق طاقة البشر، زوجي موظف ويعمل بوظيفة أخرى، والوظيفتان لا تحققان أي حياة كريمة لأولادنا وكان لابد من البحث عن عمل ، وتضيف (وجدت السعودية قفلت والإمارات مفيش) على حد قولها، وعرفت من صديقاتها عن وجود فرص عمل بتركيا فلم تتردد، حيث لديها ابنان بكلية طب أسنان يحتاجان وزنهما مصاريف، وهي تعمل بمصنع لحام أجهزة سخانات الغاز والتي تركت بأطراف أصابعها الكثير من الجروح والندوب.
عائشة تقول: لا نأتي لتركيا بإرادتنا وانما نأتي مجبرين، فهناك من عليه ديون أو يريد تجهيز ابنته أو تدبير مصاريف أولاده الدراسية، واليوم الشاب لا يستطيع العمل في مصر، وإذا التحق بعمل فهو لا يستطيع الحصول على دخل يكفي مصاريف يومه، ولذلك نحمد الله أن وجدنا أي فرصة عمل، والمرتبات هنا جيدة واستطعنا تنظيم حياتنا، ولكن كما نحصل من دخل فأننا أيضا ندفع الثمن فنحن نعيش مجموعة خمسة أو ستة في غرفة وعلينا التكيف مع بعضنا البعض، كذلك نسير أحيانا في الشارع خائفين من أسئلة الشرطة والتي تطالبنا بالإقامات، فالسفر والغربة شيء صعب وأولادنا وحتى في السن الكبير يحتاجوننا ويحتاجون توجيهنا.
نجلاء تعمل في شركة تسويق مواد غذائية، وموجودة باسطنبول منذ سنة وثلاث شهور وقد تحولت إقامتها للإنسانية وهي لمدة ستة شهور، تتحول بعدها لإقامة سياحية مرة أخرى، كان لديها في مصر محل ملابس قبل سفرها لاسطنبول وعملت موظفة في مكتب عميد إحدى كليات جامعة المنيا ولكن لم يكن هناك تعيين فتركتها، وعملت في مجال الملابس، ولكن الأزمة جاءت بعد كورونا حيث توقفت الحياة وارتفعت الأسعار، فقامت بفتح حضانة، تقول: لم تكن تركيا على بالي وانما اثنين من صديقاتي قدمتا للعمل وهم من حجزتا لي، نجلاء خريجة معهد فني قسم تبريد وتكييف بتقدير جيد جدًا وقبلت بكلية الهندسة وعملت معادلة وجاءتها هندسة المنصورة، وتعيين بقنا، لكن والدها رفض كما رفض هندسة المنصورة وقال: انت هتجوزي، وتزوجت بأبن عمها زواجا تقليديا.
تقول كلنا جاء الى هنا لأننا نعاني في الحياة، فعلي سبيل المثال كان شاقا بالنسبة لي أن أقف على قدميّ في أول اسبوعين من عملي هنا، وتضيف : الاتراك ليسوا جيدين في المعاملة، وهم لا يغفرون خطأً مهما كنت تتقنين عملك، وكانت خطوة جريئة أن نأتي لتركيا ولا نذهب السعودية أو الامارات، كنت في البداية خائفة حيث البلد علمانية وفيها ما يُقال، لكن بصراحة هنا أناس محترمون مع المحترم، وليس هناك تحرش أو معاكسات.
وتشير نجلاء إلي ممارسات الشباب المصري الصغير والذي يقوم بممارسات غير مسؤولة بتركيا حيث (لقيوا جو غير الجو ومحرومين من استايلات التركيات) على حد قولها.
وتري أن هذه الفئة العمرية أكبر غلطة أن تخرج من مصر وهم لا يقدرون مسؤولية العمل وترى أنه مصيبة على مصر سفر هؤلاء الشباب الصغير، حيث قاموا بتشويه سمعة مصر وخلال فترة قصيرة عادوا، وأصبحت الدنيا أفضل. فقد كنا نحن المصريات نخشى النزول للشارع بسببهم، حيث كانت الشرطة توقفنا في الشارع ويقولون لنا باسبور باسبور ولكن باحترام، وتشير الي بعض الظواهر المحترمة هناك وأنه مع العدد الكثيف الذاهب للعمل الساعة الـ ٨ صباحا تقول نصعد إلى الباص ونشكل مجموعة من السيدات بينما عدد من الشباب الاتراك يحيطوننا بجدار منهم ويعطوننا ظهورهم، وبالرغم من تعبنا في العمل نهاية الشهر نجد عائدا مجزيا وتقول: كنا نأخذ ١٧ ، أو ١٨ ألف ليرة والآن ٢٢ الفا، وبرغم غلاء المعيشة والايجار إلا أنه يمكن ادخار ١٠ أو ١٢ ألفا (هتجيبها منين في مصر)، يعني مقومة روحك هنا ومقومة عيلة هناك، لكن في مصر لو فحتنا ٩ ساعات مش هتلاقي خمسة آلاف نمسكها اخر الشهر، ولو لقيتي ١٠ و ٨ في مصر مكنتيش هتتغربي وتيجي، والحمد لله سدينا اللي علينا، فلا مقارنة بين هنا ومصر، أنا عملت في الجامعة من ٩٧ لـ ٢٠٠٥ مقابل راتب ٤٠٠ جنيه، ولكني كنت مقومة بيتي بالعمل في تجارة الملابس وأعيش على أمل التعيين، وبكل أسف هناك من جاء بعدي وتعين بالواسطة، مما دفعني لترك العمل الحكومي والاشتغال بالقطاع الخاص وعملت بالملابس الجاهزة وكان رزقها حلو والدنيا كويسة حتى عام ٢٠١٥، قبل الغلاء الرهيب الذي نعيش فيه، كما أن ظروف الصعيد مختلفة، حتى المزارعين أصبحوا يقومون بتأجير أرضهم من غلاء السماد فأصبحت الدنيا كلها تعب وشقاء.
قرارات تركية جديدة
أصدرت الحكومة التركية قرارًا يقضي بضرورة الحصول على إذن عمل للأجانب للعمل فيها بشكل قانوني، ففي 24 يوليو الماضي أعلنت الحكومة التركية عبر الجريدة الرسمية دخول لائحة جديدة حيّز التنفيذ، تُحمِّل أصحاب العمل المسؤولية المالية الكاملة عن الأجانب الذين يعملون لديهم بدون تصريح عمل رسمي، في حال صدرت بحقهم قرارات ترحيل.
وبحسب اللائحة المشتركة الصادرة عن وزارتي العمل والضمان الاجتماعي والداخلية، فإن تكاليف الإقامة في مراكز الترحيل، وتذاكر العودة إلى بلد المنشأ، إضافة إلى النفقات الصحية - عند الحاجة - ستُفرض على صاحب العمل أو من ينوب عنه، في حال لم يتمكن الأجنبي المخالف من تغطية هذه المصاريف.
ومن المقرر أن تدخل اللائحة حيّز التنفيذ الكامل في 23 يناير 2026، بعد مرور ستة أشهر من تاريخ نشرها، وسط تأكيد حكومي أن الهدف من هذه الإجراءات هو ردع تشغيل الأجانب بطرق غير قانونية وتحميل أصحاب العمل التبعات المالية الناتجة عن المخالفات.
تؤكد عائشة ان اذن العمل يتكلف مبلغًا باهظاً وتخشى من عدم قيام أصحاب الأعمال باستخراجه، وتقول لننتظر حتى بداية العام الجديد، أما هناء فتقول سوف تضرنا كثيرًا لأن أصحاب العمل لن يتكفلوا بمبلغ إذن العمل والذي يتكلف كثيرًا.
المرأة المصرية العائل لـ 17 % من الأسر
السيدات المصريات في اسطنبول واللاتي عايشتهن يمثلن شريحة كبيرة من المرأة المصرية والتي تكون هي العائل لأسرتها ، إحداهن تتحدث مع ابنها تليفونيا قائلة (أنا ارسل لك ما أحصل عليه) ، وأخرى تهديء إبنتها والتي تطالبها بالنزول لمصر قائلة (إتركيني بس أقبض ثمن الطيارة).
وعن دور المرأة المصرية في إعالة الأسرة تشير احصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء أن عدد الأسر التي ترأسها انثى وفقًا لتعداد 2017 هو 3.296.979 أسرة ، بنسبه 14.1% من إجمالى عدد الأسر بالجمهورية 23.455.079 ، و 70% من الأسرة التي ترأسها أنثى أرامل .
كذلك تُشير أحدث البحوث المصرية الرسمية بحسب المسح الصحي لعينة للأسرة المصرية عام 2021 للجهاز أيضًا إلى أن نسبة الأسر التي تعولها امرأة تمثل حوالي 17% من مجمل الأسر المصرية .
وعن أعداد المصريين بتركيا فوفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والأحصاء بلغ عـدد المصـريين المتواجديـن بدولة تركيا 73.3 ألف مصري حتى نهاية عام 2023 ، وبلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين بتركيا 30.1 مليون دولار خلال العام المالي 2022 /2023 مقابل 29.1 مليون دولار خلال العام المالي 2021 / 2022.
---------------------------------------------------
اسطنبول - تحقيق وتصوير: كريمة حسن






