22 - 12 - 2025

الصمت.. وجنى الثمار أصبح حقًا لا يمكن تجاوزه

الصمت.. وجنى الثمار أصبح حقًا لا يمكن تجاوزه

منذ ثورة 25 يناير 2011، الشعب المصري يعيش صراعًا يوميًا مع الواقع الاقتصادي الصعب. الثورة لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت صرخة شعبية من أجل العدالة الاجتماعية، وكرامة المواطن، وحياة لائقة. ولكن بعد أكثر من 12 عامًا، لم يشعر المواطن بأن هذه الحقوق قد تحققت على الأرض.

أصحاب المعاشات وكبار السن يعانون بلا توقف، معاشاتهم محدودة للغاية، لا تكفي لتغطية الحد الأدنى من احتياجات الحياة اليومية. كل زيادة رمزية تُعلن سرعان ما تُمحى أمام تضخم الأسعار الذي يلتهم كل شيء من الغذاء والدواء إلى المواصلات والكهرباء. هؤلاء المواطنون، الذين أفنوا حياتهم في العمل والخدمة الوطنية، يجدون أنفسهم محرومين من أبسط حقوقهم، وكأن سنوات عمرهم لم تُحتسب لهم على الإطلاق.

أما العاملون في القطاع العام، فالواقع ليس أفضل كثيرًا. رواتبهم محدودة، وزياداتهم شكلية أو مؤقتة، والبدلات التي يحصلون عليها لا تواكب غلاء المعيشة المتسارع. الموظف الذي قضى سنوات طويلة في خدمة الدولة يكتشف أن جهده ومعرفته لا تمنحه سوى معاناة مستمرة، وأن أي تحسن حقيقي في دخله بعيد المنال.

والأمر الأسوأ بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص. رواتبهم غالبًا أقل من الحد الأدنى المعلن أو تُطبق جزئيًا، ساعات العمل طويلة، والتأمين الصحي والاجتماعي غير مضمون. العامل يشعر بأنه مستغل وأن جهده وعمله لا يحميهما القانون أو الدولة بشكل فعلي. هذه الفجوة بين تصريحات الحكومة والواقع اليومي هي السبب الرئيسي لشعور الشعب بالإحباط والغضب، فكل زيادة شكلية لا تغير شيئًا أمام الضغوط الاقتصادية الهائلة.

الحقيقة الصادمة هي أن كل تصريحات الحكومة حول تحسين مستوى المعيشة وزيادات الأجور والمعاشات تبقى على الورق، ولا تنعكس على حياة المواطنين اليومية. الشعب المصري لم يعد يقبل هذه الوعود الورديّة، ولم يعد يقبل الزيادة الرمزية أو المؤجلة. المطلوب اليوم، وليس غدًا، هو مطالب واضحة وجريئة:

حد أدنى للأجور لا يقل عن عشرة آلاف جنيه شهريًا لكل عامل، في القطاع العام والخاص على حد سواء.

علاوة حقيقية لأصحاب المعاشات بنسبة لا تقل عن 30٪ سنويًا، تواكب غلاء المعيشة وتضمن حياة كريمة.

تطبيق كامل وصارم لقوانين العمل وحماية العاملين من الاستغلال، مع فرض الرقابة على كل المؤسسات.

تأمين صحي واجتماعي شامل لكل المواطنين، كبار السن، وأصحاب المعاشات، دون استثناء.

ربط أي زيادة في الأجور والمعاشات بنسب التضخم الفعلية، مع تنفيذ فوري وملزم على أرض الواقع.

أي تأجيل أو مماطلة لن تكون مقبولة. الشعب المصري لن يقف مكتوف الأيدي أمام استمرار هذه المعاناة. كل تصريح عن تحسين الأجور والمعاشات يجب أن يُقاس بالواقع اليومي للمواطن، لا بالأرقام النظرية أو الإعلام.

الواقع اليومي للمصريين صار معاناة مستمرة: المواطن يصحو صباحًا على أسعار مرتفعة للمواد الغذائية، ودواء قد لا يستطيع شراؤه، ومواصلات مكلفة، وكهرباء تزيد على دخله، ليعود إلى منزله ليجد أن راتبه أو معاشه لا يغطي هذه الاحتياجات. كبار السن يعيشون بين المعاناة اليومية والفقر الذي يتهدد حياتهم، والأجيال الشابة من العمال تضطر للعمل لساعات طويلة بأجور غير عادلة دون حماية أو تأمين كافٍ.

الحكمة تقول إن من يزرع حقًا يحصد ثمارًا حقيقية، ومن يكتفي بالوعود سيظل يعاني. الشعب المصري تعلم درسًا مهمًا منذ 25 يناير: لا شيء يُعطى بالمجاملات، ولا قيمة للوعود إذا لم تُترجم إلى واقع ملموس. جنى الثمار أصبح مطلبًا عاجلًا، وحقًا لا يمكن تجاوزه.

أصحاب المعاشات وكبار السن والعاملون في كل القطاعات يستحقون حياة كريمة، وعدالة اجتماعية حقيقية، حقوقًا ملموسة على الأرض، لا مجرد أرقام على الورق. الشعب المصري لن يهدأ حتى تتحقق هذه الحقوق بالكامل، ولن يقبل أن تكون السنوات القادمة استمرارًا للمعاناة نفسها.

الوقت الآن، وليس غدًا، لتحويل كل تصريحات الحكومة عن تحسين حياة المواطنين إلى واقع ملموس يضمن حياة كريمة لكل مصري. جنى الثمار لم يعد خيارًا، بل أصبح حقًا لا يمكن تجاوزه، والعدالة الاجتماعية هي السبيل الوحيد لإنقاذ المجتمع واستقرار الوطن.
------------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي

مقالات اخرى للكاتب

الصمت.. وجنى الثمار أصبح حقًا لا يمكن تجاوزه